النرجس حربا تحكي لأراجيك قصة لاجئة سورية صنعت مستقبلها بالعلم والمعاناة

النرجس حربا
داليا عبد الكريم
داليا عبد الكريم

8 د

شكلت اللاجئة السورية النرجس حربا، قصة نجاح جديدة تضاف إلى سجل اللاجئين السوريين الذين حولوا ظروفهم القاسية إلى دافع كبير، وانطلقوا إلى المستقبل بثقة الواثق من إمكاناته.

حصلت النرجس حربا على البكالوريوس في الرعاية الصحية خلال عامين فقط، بدلًا من أربعة أعوام وتخرجت من الجامعة الأميركية التي كانت تدرس بها في لبنان، عام 2020.

حربا تعمل اليوم كباحثة في هندسة الرعاية الصحية بشركة HGA Architects and Engineers، الموجودة في ولاية مينسوتا الأميركية، وتحلم بالحصول على درجة الماجستير والدكتوراه بعدها، والاستمرار بعملها لدعم اللاجئين الذين تحرص على ضرورة أن يتابعوا تعليمهم بأي ثمن.

حاولت أراجيك التواصل مع النرجس حربا، التي أجابت بكل لطف ومنحتنا بعضًا من وقتها الثمين لتشارك قصتها الملهمة، مع أشخاص ربما ينتظرون شارة البدء للمضي قدمًا في حياتهم.

ما هي نقطة التحول في حياتك كلاجئة؟

تقول الشابة السورية، إن هناك أكثر من نقطة تحول في حياتها، الأولى كانت لدى مغادرتها مخيم اللاجئين على الحدود السورية اللبنانية، وارتياد مدرسة جديدة بتعليم أكثر جودة قياسًا بمدارس اللاجئين حينها، كذلك فإن حلم الدخول إلى الجامعة كان مستحيلًا في لبنان لكون وزارة التعليم هناك لم تعترف بشهادات مئات الطلاب السوريين.

نقطة التحول الأخرى في حياة حربا، كانت حين حصلت على منحة جامعة نيوهامبشر الأميركية، عندما تم إطلاقها لأول مرة شمال لبنان، حصلت حربا على المنحة وبدأت رحلة تعلم لغة وثقافة ومنهاج جديد مختلف كليًا عما اعتادت عليه، كما تقول.

إلى أي مدى تعتقدين أن بإمكانك أن تكوني نموذجًا ملهما لكل اللاجئين الآخرين؟

السنوات الثلاث التي أمضتها الشابة السورية في الدراسة والتدريب والعمل، لم تمتلك خلالها الوقت لتلاحظ مدى تأثر الطلاب والمشرفين بإنجازاتها، كما تقول، وتضيف إن تركيزها كان فقط على تحقيق أهدافها المتمثلة بالحصول على الشهادة الجامعية التي تمنحها فرصة التغلب على مصاعب اللجوء.

حين تخرجت حربا من الجامعة بعد سنتين فقط، وبدئها تدريب زملائها والطلاب الجدد حول إدارة الوقت واستراتيجيات الدراسة، جعلها تدرك أن ما فعلته لم يكن عاديًا، فالطلاب الآخرون لم يستطيعوا التخرج بهذا الوقت القياسي.

تضيف حربا، إنها أدركت حجم إنجازها بعد التعليقات الإيجابية، والتي حمّلتها مسؤولية جديدة لبذل المزيد من الجهد لتشجيع الآخرين أيضًا.

برأيك هل لوم الظروف لفاقدي الإرادة والضعفاء فقط؟

تؤمن النرجس حربا، أن للظروف تأثيرًا كبيرًا خصوصًا في حياة اللاجئين، فالطالب يكون مسؤولًا ومعيلًا وحتى أبًا أو أمًا في بعض الأحيان، بالمقابل فهي تؤمن بأن أي شخص قادر على تجاوز أصعب الظروف بحال أراد ذلك.

وأضافت أنها عاشت الفقد واللجوء والسفر والعمل والمسؤولية في وقت واحد، ونجحت، لذا فالشابة السورية تؤمن بأن الإنسان يستطيع حين يريد.

لا تربط حربا الظروف بالإرادة، فاللاجئ وفق رأيها ربما يبذل كل ما بوسعه وتنقصه الفرصة ليبرز نجاحه، وطرحت مثالًا على حديثها بأن المنحة التي حصلت عليها أتيحت لـ17 طالبًا وطالبة فقط، بينما كان هناك آلاف الطلاب المتقدمين إليها، لذا فهي تدعو بشكل دائم لإيصال الفرص لكل اللاجئين خصوصًا في المخيمات، وتركز على التعليم العالي لأهميته في حياتهم، علمًا أن 3 بالمئة فقط من اللاجئين حول العالم يرتادون الجامعات.

كيف يستطيع اللاجئ صنع نفسه.. على ماذا يجب أن يعتمد؟

ترى حربا أن اللاجئين يمتلكون موردين أساسيين فقط، ومتاحين بكل الأوقات، هما الوقت والجهد، وتضيف إنه يجب توظيف الوقت للتعلم وكسب مهارة جديدة والعمل على تثبيت تلك المهارة.

تؤكد حربا على ضرورة حصول اللاجئين على الأدوات الأساسية للتعلم من التدريب والإنترنت والأجهزة اللوحية، التي تعد وسائل مساعدة للوصول إلى الفرص، وتقول إننا جميعًا نحتاج إلى الحافز والبيئة المشجعة والفرص للخروج بمشروع طالب متميز.

من خلال تجربتك، ما هو الدافع في قصة نجاحك؟

يأتي الدافع من المعاناة بحد ذاتها، تقول حربا وتستذكر كيف كانت تتناوب مع أربعين طالبًا وطالبة في الجلوس بصف فيه بضعة مقاعد بالمرحلة الإعدادية، وكيف كانت الرحلة للمدرسة تستغرق ساعتين ذهابًا وإيابًا مشيًا على الأقدام في منطقة جبلية ودرجة الحرارة تحت الصفر.

إضافة إلى الظروف النفسية المؤلمة للمعلمين والطلاب، وحالات الفقد والدمار التي عاشوها، وتؤكد أن البيئة لم تكن ملائمة للدراسة، ولا يوجد أي مستلزمات من كتب وأجهزة وإنترنت.

وسط تلك المعاناة، امتلكت حربا وسيلة واحدة للاستمرار وتحقيق هدفها بالتغلب على تلك المصاعب، كانت وسيلتها هي العلم والتحصيل الدراسي، فهي مؤمنة بأنها الطريقة الوحيدة للنجاح وبالأحرى النجاة على حد تعبيرها، مضيفة إن البعض قد يعلق آمالاً على العمل كوسيلة للنجاح، لكن بالنسبة لها لم يكن حلًا، فالشابة السورية لم تستطع العمل دون تعلم.

كيف يجب على اللاجئ أن يحفز نفسه؟

تحديد الهدف وعدم الالتفات للخلف أبدًا، تقول حربا إن الالتفات للخلف هو خطوة للخلف، واللاجئ يجب أن يضع هدفًا وخطة وخطًا زمنيًا للوصول، ثم يبدأ مرحلة العمل على تحقيق خطته بإرادة قوية.

نصيحة حربا للاجئين، وتصلح لكل الأشخاص أيضًا، أن يتخيلوا النتائج التي يسعون إليها وكأنها تحققت، وسيلاحظون كمية الحماس التي تتولد داخليًا لا إراديًا، يجب أن يحيطوا أنفسهم بالناس المشجعين والابتعاد عن المثبطين للهمم والسلبيين، عليهم أن يروا أنفسهم بشكل مختلف عن الآخرين.

تخيل نفسك بعد خمس سنوات أين ستكون، تلك هي وصفة حربا للنجاح، مضيفة إنها الطريقة التي يستطيع اللاجئ أن ينمي خلالها ثقته بنفسه دون أن يتأثر بكلام الآخرين، وتجب عليه متابعة قصص نجاح اللاجئين، وسيتولد لديه شعور بأن المقدرة قرار، فإما أنك قادر أو لا.

ذكرت في إحدى مقابلاتك أن أشخاصًا محفزين ساعدوك، برأيك حتى لو لم يوجد مثل أولئك الأشخاص ألم تكوني لتصلي إلى ما أنت عليه اليوم؟

تعيد حربا حديثها عن ضرورة إحاطة اللاجئ نفسه بالأشخاص المشجعين والداعمين، والابتعاد عن السلبيين، وتضيف إنها أنهت مرحلتها الجامعية وتقوم بالتحضير للسفر بينما تتلقى التعليقات السلبية ذاتها مثل "ماذا سيفيد التعليم"، "نحن لاجئون لا يحق لنا العمل"، "لا يوجد وظائف"....الخ، إلا أنها لم تتأثر بأي كلمة لأنها كانت واثقة من الهدف والخطة والوقت.

تؤكد حربا أن وجود الأشخاص المحفزين يمنح أثرًا رائعًا بالتأكيد، لكن عدم وجودهم لا يجب أن ينقص من قيمة الهدف أو العزيمة أبدًا.

في ملف تعريفك على لينكدإن، تقولين إن الطلاب يجب ألا يتوقفوا عن القتال من أجل مستقبلهم، هل مررت بأي لحظة ضعف أو يأس وكيف تجاوزتِها؟

حين تخرجت حربا من الثانوية بفرعها العلمي وحصلت على الدرجة الأولى شمال لبنان، دون أن يتم الاعتراف بشهادتها، شعرت باليأس والإحباط، لكن في قاموس أمها التي تعتبرها المشجع الأول لها، لا يوجد معنى للإحباط.

شجعتها والدتها لتعلم اللغة الإنكليزية بأحد المعاهد المحلية، ومن ثم تدريس اللغة في المدرسة التي تخرجت منها حربا، وقد تصادف حصولها على منحة المعهد مع حصولها على المنحة الجامعية أيضًأ، وتؤكد أنها في كلتا الحالتين لم تكن لتضيع فرصة التعلم في المعهد طالما أنها الوحيدة التي كانت تمتلكها حينها، وتضيف أن استغلال الفرص أهمية كبيرة يجب عدم تفويتها مهما كانت صغيرة.

تطلبين من الجميع مساعدة اللاجئين، لو نتحدث قليلًا عن الأثر الإيجابي والسلبي لوسائل التواصل الاجتماعي في هذا الشأن؟

ترى حربا، أن استثمار وسائل التواصل الاجتماعي في نشر قصص النجاح والترويج للبرامج التعليمية والمؤتمرات الخاصة بتعليم اللاجئين له أثر إيجابي في حياتهم.

وتطالب بالوصول إلى اللاجئين في المخيمات وترجمة المحتوى المكتوب بلغاتهم لتصل القصص كاملة، وتضيف إنها تحمل على عاتقها مهمة إيصال تلك الرسائل من خلال السوشال ميديا، كونها صلة وصل بين اللاجئين وبين المهتمين والمجتمعات المضيفة التي تعمل على تطوير مهاراتهم وتمكينهم.

برأيك إلى أي مدى من المهم جدًا أن يشارك اللاجئون قصص نجاحهم ليكونوا نموذجًا ملهمًا لباقي زملائهم؟

تقول حربا، إنها أدركت أهمية مشاركة قصص النجاح، حين رأت تأثر أطفال المخيم الذي غادرته قبل خمس سنوات، بقصتها، وكيف أنهم أصبحوا في المدارس الإعدادية والثانوية، ووضعوا هدفًا أن يصبحوا مثل النرجس.

وتضيف إنها تتلقى صورهم وتسجيلاتهم الصوتية باستمرار، وتلاحظ فيها كمية الحماس والتفاؤل لديهم.

تتحدث النرجس كممثلة عن الطلاب اللاجئين وتقول، إن مشاركة قصص نجاحهم، يساهم في جذب انتباه المجتمع الذي من الممكن أن يكون مغيبًا عن هذه الأزمة، أو غير مغيب لكن يعتقد أنه لا يملك حلًا.

وتقول إنه خلال ثلاثة لقاءات مع موظفي شركة مايكروسوفت خلال الشهر الماضي، تم استقطاب ما يقارب 400 خبير متطوع من أجل تطوير المهارات العملية لأكثر من أربعمئة طالب وتأهيلهم لسوق العمل، من خلال الإشراف الفردي. أي أن خبيرًا يشرف بشكل مباشر على تطوير مهارات الطالب من خلال اجتماعات افتراضية فردية، علمًا أن 93% من الطلاب في هذا التدريب يحصلون على عمل خلال الأشهر الستة الأولى من تخرجهم من الجامعة.

ما هو الأثر الذي تعتقد نرجس أنها حققته في محيطها المهني وفي المحيط الاجتماعي للاجئين؟

الأثر يتجلى في التشجيع وتغيير الأفكار التي يبثها المحيط في عقول الأطفال و الشباب، تقول الشابة السورية: "على الأقل في المجتمع المحيط بي أصبح التعليم جواز سفر للنجاح المهني والأكاديمي، لم أكن لأقنع أحدًا بأهمية التعليم بالكلام فقط، لقد احتاج تشكيل نموذج الإقناع هذا جهد عشر سنوات، لذلك نحن مسؤولون عن بناء الإنسان بالقول والعمل معًا لتغيير أفكاره السلبية التي لا ذنب له باكتسابها غالبًا".

إلى أين يصل طموح نرجس اليوم؟

تقول النرجس حربا، إن عقبة عدم الاعتراف بشهادتها الثانوية التي واجهتها في لبنان، شكلت لديها ردة فعل إيجابية تعتبرها جميلة جدًا، فهي اليوم تكمل دراسة الماجستير في بريطانيا بمجال الصحة الدولية في دول الصراع، وتطمح لإكمال درجة الدكتوراه أيضًا.

أما على المستوى المهني لن تتخلى الشابة السورية عن العمل لصالح اللاجئين، خصوصًا في الجانبين التعليمي والإنساني، وفيما يخص مجال عملها الرئيسي، فهي ستوظف خبرتها العلمية والعملية للمساعدة في الوصول إلى نظام صحي آمن، والمساهمة في بناء سوريا الجديدة الهدف الأسمى لها.

كما أنّها تعمل اليوم ممثلةً للطلاب اللاجئين لإيصال فرص التعليم و العمل المناسبة لهم في منظمة "Global Mentorship Initiative" و معهد (MIT).

ذو صلة

في ختام حديثنا ماذا تقولين للجميع، لاجئين وغيرهم؟

تقول النرجس حربا: "كونك لاجئًا لا ينفي عنك قوة الإرادة. فلتقترن الإرادة بهدف، فنحن بحاجة إلى أشخاص ناجحين للمساهمة بإعادة بناء الخراب الذي خلفته الحروب، و لا تبنى الدول إلا بالعلم و العمل، دائمًا ما أدعو العالم إلى الإيمان بقدرة اللاجئين والأثر الذي يمكن أن يضفوه لو تم تمكينهم في مجتمعاتهم والمجتمعات المضيفة أيضًا"..

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة