عشر منحوتات فنية أثرية لعصور ما قبل الميلاد تظهر براعة الإنسان القديم !
10 د
الفن، أو الرسم والنحت تحديداً، هو أثر راسخ لا ينجلي تتركه الأمم خلفها، وقصة تحتفظ بها الأرض داخلها بعيداً عن الضوضاء، والتقلبات المتعاقبة بمرور الزمن، بالتالي يُصبح سجلاً كاملاً يروي تفاصيل تلك الأمم التي رحلت، أو يصبح أرشيفاً متكاملاً يروي قصة حياة أحدهم، كما هو الحال في حالات أشهر الرسامين.
لكننا هنا نتناول الفن من الناحية الأثرية التي حُفظ ووجد بها في أماكن متفرقة من باطن الأرض. هو فن النحت، أو الرسومات الجدارية داخل الكهوف، والتي حددت ملامح ونمط عيش وثقافات تلك الأمم الفانية.
تمثلت تلك المنحوتات العتيقة ، في ترتيب تنازلي منذ سنين ما قبل الميلاد حتى القرن السابع كالآتي
الفنون الصخرية، منذ 290.000 – 700.000 سنة قبل الميلاد
الفن الصخري العتيق الذي تميزت به أشكال الصخور في الطبيعة منذ تاريخ ما قبل الميلاد، وجد داخل مجموعة من الكهوف في أماكن متفرقة من العالم.
أقدم تلك النماذج وجدت في هيئة فنية أطلق عليها علماء الآثار اسم “cupules”، وهي مجموعة من الأغوار المنحوتة في الصخر تُعطي شكل الكأس، وتُرتّب في شكل صفوف أو أعمدة على جدران الكهوف.
تم العثور على أقدم النماذج الفنية تلك في كهوف “بيمبيتكا” في وسط الهند، و بسبب توفر معلومات عن الظروف القديمة التي أحاطت بالكهف، عُثر على نوعين على الأقل من تلك الآثار التي تعود للعصر “الحجري القديم الأدنى – Paleolithic”، بالإضافة إلى تسع أمثلة أخرى تعود لنفس الفترة الزمنية.
بالكشف عن تلك الآثار باستخدام الكربون المشع، يَعتقد المؤرخون أن تلك القطع الأثرية تعود تحديداً لثقافة “Acheulian”، وهي ثقافة أثرية ظهرت خلال فترة العصر الحجري القديم الأدنى، تميزت بصناعة الأدوات الحجرية التي يميزها الشكل البيضوي، أو شكل الكمثرى. تتشابه تلك الآثار الموجودة في الهند مع آثار أخرى موجودة في أفريقيا وأوروبا منذ 290.000 سنة مضت.
المجموعة الأخرى من تلك قطع الفنية “cupules”، وجدت في كهف “داراكي- تشاتن”، ويقدرعددها نحو 500 مجموعة من نفس الفترة الزمنية السابقة تقريباً، بالإضافة لمجموعة كبيرة من الأدوات الحجرية المبكرة التي كانت تستخدم آنذاك داخل الكهف. وتعتبر كهوف “داراكي – تشاتن” أكثر المواقع في العالم الغنية بصخور الـ cupules.
من جهة أخرى، يرى بعض علماء الآثار، أن تلك النماذج الصخرية لا تدخل ضمن تصنيف الفن حسب قولهم، وذلك لاعتقادهم أنها ربما تكون ناتجة عن الاستخدامات المعيشية القديمة من قِبل الأشخاص، على سبيل المثال طحن الحبوب، حيث أن بعض الثقافات لا تزال إلى الآن تستخدم تقنية طحن الحبوب عن طريق استخدام الصخر. لكن ما دحض قولهم، هو وجود بعض تلك النماذج على الجدران الرأسية داخل الكهوف، والتي بكل تأكيد لا تستخدم لأغراض معيشية.
أقدم تمثال منحوت منذ 230.000 إلى 800.000 سنة قبل الميلاد
أقدم تصوير لمنحوتة تشبه الشكل البشري هي منحوتة ” Venus of Hohle Fels “، عمرها حوالي 40.000 سنة.
منحوتة أو تمثال “فينوس- venus”، هي أي تمثال يرجع لثقافة صُنع الأدوات “Gravettian toolmaking” التي وجدت خلال العصر الحجري القديم الأعلى – Paleolithic Upper. و يصور التمثال تفاصيل لجسد المرأة بشكل واضح، و تم العثور على الكثير من تلك التماثيل في أوروبا، وفي أماكن بعيدة مثل سيبيريا، وتوسع نطاق وجودها حتى وصلت لأنحاء متفرقة من أوراسيا.
وجدت تماثيل أخرى من فترة زمنية أقدم لمنحوتة فينوس تسمى “تان تان” في المغرب العربي، ويعود تاريخها من ” 300.000 إلى 500.000 ” سنة مضت.
# تقول الأسطورة، وكما كان يعتقد آنذاك، أن كوكب الزهرة كان امرأة جميلة أختيرت من بين كل النساء ورفعت للسماء في شكل نجمة، ولذلك أطلق عليها صانعوا ومكتشفي تلك التماثيل اسم “فينوس” أي كوكب الزهرة.
أقدم حفريات لفن قشور البيض، منذ 60.000 سنة قبل الميلاد
هذه الآثار غريبة نوعاً ما، فهي ليست أي آثار فحسب، إنها قشور فنية لبيض النعام، عَثر عليها الباحثون في كهف “ديبكلووف روك” في جنوب إفريقيا عام 2010. وجدت في مخزن كبير يحتوي على قشور لما يقرب من 270 بيضة نعام حملت تصاميم لرموز، و زخرفة مختلفة كانت تستخدم آنذاك في أغراض الزينة.
تعود تلك الآثار إلى الثقافة البدائية “Howiesons Poort”،وهي ثقافة ظهرت في منتصف العصر الحجري في إفريقيا.
سُجّل نوعان مختلفان من الزخرفة الرئيسية على قشور البيض هما : استخدام أصباغ متعددة لرسم خطوط تتلاقى وتتقاطع مع بعضها، ونقوش أخرى زخرفية ناتجة عن تكسير البيض بعد عملية الفقس.
رسومات الكهوف المكتشفة حديثاً في أوروبا، منذ 42.000 إلى 43.500 سنة قبل الميلاد
في عام 2012، اكتشفت رسومات داخل كهوف “نيرجا” في مقلة – إسبانيا، من قبل باحثين أثبتوا أن تلك الرسومات تسبق عهد رسومات كهوف “شوفيه” الشهيرة في جنوب شرق فرنسا منذ أكثر من 10.000 سنة. حيث وجدت بقايا الفحم النباتي بالقرب من 6 لوحات جدراية في كهوف “نيرجا”، مما ساعد العلماء في تحديد عمرها عن طريق الكربون المشع.
تلك الرسومات تنوعت من تصوير لمعارك حيوانات، ومواد غذائية محلية لإنسان “نياندرتال”، الذي سكن المنطقة في ذلك الوقت. وأشار “خوسيه لويس” أحد علماء الآثار، أن تلك الرسومات تفتقر إلى التشابه مع رسومات كهوف أخرى من العصر الحجري القديم، كما لم يتم العثور على رفات للإنسان في شبه الجزيرة التي تضم كهوف نيرجا.
رسومات بصمة اليدين الكهفية، أو كهف الأيادي منذ 37.900 سنة قبل الميلاد
أشكال مميزة في كهوف “سولاويزي” في إندونيسيا، وآثار لواحدة من أقدم الرسومات الكهفية التمثيلية، التي تعتبر رسومات مشابهة للرسومات الفنية غير التمثيلية القديمة، كما هو الحال بالنسبة للوحات كهف “كاستيو منذ 40.800 سنة، واللوحات الموجودة في كهف” شوفيه منذ 37.000 سنة.
معنى أنها رسومات تمثيلية، هي أنها ناتجة من إظهار وتمثيل بصمة أو شكل اليدين على جدران الكهف، وليس رسماً تخيلياً، وتعرف بأنها أقدم اكتشاف لبصمة عضو بشري في ما لا يقل عن 39.900 سنة مضت.
رُسمت تلك الأيادي عن طريق عملية فنية بسيطة لا تزال تستخدم إلى الآن، وهي وضع اليد على الصخور ثم رشها بالطلاء الأحمر، أو الأسود كما موجود في الكهوف، وبإزاحة اليد عن الصخر، يظهر شكلها بوضوح على الجدار.
تم تحديد عُمر تلك الآثار باستخدام الكربون المشع، حيث ظهر عمر الطلاء المستخدم بأنه أقدم من الرواسب نفسها، وقد تكون تلك الآثار جميعها أقدم رسومات كهفية مكتشفة.
بعيداً عن تلك المناطق، وجدت هذه الصورة في كهف في أستراليا، و يبدو أن صاحبها فقد إصبعه لسببٍ ما.
أقدم المنحوتات العاجية منذ 35.000 سنة قبل الميلاد
منحوتات عاجية، أي منحوتات لأشكال حيوانات وأدوات مصنوعة من العاج. عثر علماء الآثار من جامعة “توبنجن” عام 2007، على مخبأ يحتوي على منحوتات يصور حيوانات صغيرة في “شفابن جورا”، وهي هضبة في ولاية “بادن فورتمبيرغ” في ألمانيا. يُعتقد أنها أولى المنحوتات العاجية المعروفة.
وجدت مجموعة مكونة من 5 قطع لمنحوتات من العاج العملاقة في كهوف “فوجيلهيرد” في جنوب غرب ألمانيا، وهو موقع غنيّ باكتشافات الكهوف الأثرية العديدة. اكتشف علماء الآثار في هذه الكهوف تماثيل عاجية أخرى مثل “الرجل الأسد الشهير Hohlenstein Stadel”، ومنحوتة ” Fels Hohle Venus of”، بالإضافة لاثنين من تماثيل لشخصيات مجهولة الهوية.
باستخدام الكربون المشع، وسجِل التاريخ الجيولوجي لتلك المنحوتات، تم تحديد أعمارها القديمة حيث تعود لثقافة “Aurignacian”، وهي ثقافة أثرية ظهرت في العصر الحجري القديم العلوي. وكما يقولون، تلك الثقافة ارتبطت بظهور أول إنسان حضاري في العصر الحديث في أوروبا.
تم العثور على ثلاثة تماثيل أخرى في نفس المنطقة، من نفس المرحلة العُمرية التي شملت أقدم تمثال معروف من الطيور، بالتوازي مع اكتشاف تمثال لـ “therianthropic”، وهي منحوتة تتصف بشكلها العام المميز الذي يظهر نصف بشري، و نصف حيواني.
أقدم منحوتة فنية مصنوعة من الخزف، منذ 22.000 – 28.000 سنة قبل الميلاد
أول تمثال معروف صُنع من الخزف، هو تمثال لمنحوتة تدعى “Venus of Dolni Vestonice”، تعود لثقافة تدعى ثقافة صُنع الأدوات “Gravettian toolmaking”، وهي ثقافة ظهرت في أوروبا خلال “العصر الحجري القديم – العلوي”. تعتبر تلك المنحوتة ضمن تصنيف منحوتات “venus” حول العالم، والتي تتشابه معها ظاهرياً.
تم العثور عليها في 13 يوليو عام 1925، في “دولني فيستونيك “جنوب” مورافيا- تشيكوسلوفاكيا”، ولذلك سُميت المنحوتة تيمناً باسم المنطقة. طولها 11.3 سم، وتشبه في شكلها إلى حد كبير تفاصيل جسد امراة، لكنها بشكل أبسط و أوضح من منحوتات “فينوس” البدائية، بالإضافة إلى شقين صغيرين في الرأس يمثلان العيون. الجدير بالذكر هنا أن صناعة الخزف، سبقت صناعة الفخار قبل 14.000 عاماً.
أقدم تمثال خشبي منذ 7.500 سنة قبل الميلاد
التماثيل الروسية القديمة والتحف النادرة والقيمة الأثرية المصنوعة من الحجر والخشب، والتي تظهر أشكالاً لما يعتقد هؤلاء القدماء بأنها الآلهة السلافية لهؤلاء القدماء. كان يعتقد أن تلك التماثيل كما يسمونها “آلهة”، لديها قوة ما تظهر مع السحر الكامن في الأشجار، لذلك نُصبت التماثيل في قمم الجبال.
أقدم تمثال معروف يصور ذلك الاعتقاد، هو تمثال خشبي يدعى “Shigir” مصنوع من خشب اللاريس. تم نحته في ” العصر الحجري الأوسط – الميزوليتي”، يصل طوله إلى 4 أمتار تقريباً، و وجد أسفل مستنقع الخث الذي احتفظ به بعيداً عن العوامل البكتيرية.
أيضاً في جبال الأورال الأوسط، شمال غربي مدينة “يكاترينبورغ”، في يناير عام 1890، اكتشفت مجموعة من العظام والخشب، والطين، بالإضافة إلى التحف مثل الخناجر، والحراب، والمجاذيف في القرن القديم.
باستخدام الكربون المشع في معهد التاريخ في سانت بطرسبرغ، و فريق علمي بقيادة الدكتور “غالينا زايتسيفا”، بالإضافة لمعهد الجيولوجيا في موسكو، تم التأكيد أن تمثال “Shigir” الخشبي، هو أقدم نحت خشبي موجود في العالم، وأقدم النحوت دون أي نوع في أوروبا.
أول لوحة مرسومة تُظهر مناظر طبيعية منذ 6.000 سنة قبل الميلاد
جدارية Catalhoyuk الفنية، هي أقدم لوحة معروفة في العالم، حيث تُظهر رسماً شبيهاً بالمناظر الطبيعية، أو ربما تكون سلسلة من الأشكال الفنية التجريدية.
في عام 1963 م، عثر عالم الآثار جيمس ميلارت في بلدة Catalhoyuk في تركيا، على واحدة من اللوحات الجدارية التي كانت تستخدم لتزيين المنازل، وهي عبارة عن شكل مربعات تظهر تقسيمة البلدة.
ويعتقد “ميلارت” أن تلك الجدارية تصور رؤية أحدهم للمدينة، بوجود بركان قريب انفجر في سماء المنطقة آنذاك. وما أكد اعتقاده هذا، أنه في دراسة عام 2013، ظهرت بعض الأدلة وتم توثيق حدوث بركان مجاور لتلك المنطقة خلال الإطار الزمني التي رسمت فيه تلك الجدراية.
ومن المعروف أن بلدة “Catalhoyuk”، هي واحدة من أكبر مدن العصر الحجري التي اكتشفت.
المخطوطات المسيحية المضيئة، منذ ( 330-650) سنة بعد الميلاد
في العصور الوسطى وما قبلها، كانت الكتب أغلى ما يمكن أن يمتلكه الشخص، وتمثل ذلك في كتاب “الكتبة” للديانة المسيحية، الذي تزين بالأحجار الكريمة، و رُسمت صفحاته بأصباغ ملونة مميزة وخطوط معقدة، بالتالي ظهرت المخطوطات باسم المخطوطات المضيئة.
في عام 2010 م، عثر الباحثون في دير منعزل في منطقة “تيغري” في إثيوبيا، على كتاب زُيّن بالألوان والأحجار الكريمة يدعى “جاريما الإنجيل- Garima Gospels”. و باستخدام الكربون المشع، أظهر أن الكتاب يرجع تاريخه إلى “330-650” بعد الميلاد.
أقدم اللوحات الزيتية المعروفة، القرن السابع
منذ عام 2003، قام مجموعة من علماء الآثار من دول كل من “اليابان، و أوروبا، والولايات المتحدة” بالعمل على الحفاظ على أكبر قدر ممكن من الأعمل الفنية في وادي “باميان” في افغانستان، وذلك كجزء من مشروع ممول جزئياً من قبل اليونسكو.
وفي العام 2008، وجدت لوحة جدارية بوذية جديدة، بالإضافة للعديد من الأعمال الأخرى التي اكتشفت في كهوف “باميان”. و يدل وجود لوحة زيتية في هذا الزمان والمكان، على وجود النفط الذي جعلها أقدم لوحات زيتية معروفة، حتى أنها سبقت استخدام مناطق البحر الأبيض المتوسط، وأوروبا للنفط بفارق 100 سنة على الأقل.
يرجع تاريخ اللوحة إلى حوالي القرن السابع الميلادي، بالإضافة لبعض الجداريات التي تزين الكهف و تصور بوذا، وشخصيات أسطورية بالنسبة لمن رسموها، بالإضافة لأنماط زخرفية أخرى. ويعتقد الباحثون أن دراسة هذه الصور يمكن أن توفر معلومات قيمة حول التبادل الثقافي بين الناس من شرق آسيا وغربها.
أخيراً.. كل ما مضى من حياة أحدهم، سواء ثقافات، أو فنون، أو طقوس جميعها بمثابة سجلات كاملة لهؤلاء القوم والتي ترشدنا ربما لسلك نفس نهجهم في إيجاد أشياء بارعة من خامات طبيعية بدائية.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.