خان الخليلي، ملحمة إنسانية خالدة بقلم نجيب محفوظ
اليوم نحن بحضرة رواية لواحد من أهم الأدباء في تاريخ الأدب العربي، رواية تجمع بين عذابات الحياة ومآسيها، بين الفلسفة الإنسانية والمشاعر الفطرية في حياة الناس، خان الخليلي الحي الشهير في وسط القاهرة، بكل ما يحمله الاسم من عبق التاريخ وأصالة الماضي وروعة الأدب وحبكة الرواية، في حضرة العم طيب الذكر حسن السيرة نجيب محفوظ.
تدور أحداث رواية خان الخليلي في القرن العشرين وتحديداً في العام 1941 إبان الحرب العالمية الثانية واشتداد القصف الألماني على القاهرة التي كانت ترزح آنذاك تحت الاحتلال الإنجليزي في الوقت الذي سادت فيه أجواء انقسام بين المصريين بين متفائل حذر بهتلر الزعيم النازي الذي بلغت أنباء انتصاراته عنان السماء، وبين معارضين بشدة له وللاحتلال البريطاني في نفس الوقت.
أحمد أفندي عاكف موظف بالدرجة الثامنة في وزارة الأشغال المصرية يبلغ من العمر أربعين عامًا ولا يزال أعزب، يقطن بحي السكاكيني مع والده ووالدته وله أخ وحيد هو رشدي الحاصل على بكالوريوس التجارة، يعمل محاسبًا بإحدى البنوك المصرية في محافظة أسيوط بصعيد مصر.
يضطر أحمد للانتقال بعائلته إلى خان الخليلي نظرًا لاشتداد القصف النازي على حي السكاكيني، ظنًا منهم أن خان الخليلي أكثر هدوءًا وأقل عرضة للقصف لاقترابه من حي الإمام الحسين ولما أشيع في ذلك الوقت من احترام هتلر للدين الإسلامي ومقدساته. ليفاجأ بعد ذلك باستمرار القصف حتى في خان الخليلي.
براعة الاستهلال
تبدأ رواية خان الخليلي بواحدة من أعظم المقدمات الفلسفية التي قرأتها في حياتي، يصور فيها العم نجيب حياة أحمد عاكف أفندي وما يدور في ذهنه من اضطهاد المجتمع له، وعدم معرفته بذكائه وعلمه. في هذا الجزء أبدع نجيب محفوظ في رسم صورة أغلب من يعتبرون أنفسهم مثقفين لقراءتهم مجموعة من الكتب والروايات، ووصف وصفاً صادقاً مرضى الاضطهاد المجتمعي الذين يشعرون دائماً أن الكون كله موجود ليتآمر على سعادتهم وحياتهم وأن المجتمع لا يستحق وجود أشخاص مثلهم وإنما هو لضعفاء الحيلة عديمي الذكاء.
هكذا تلوثت عواطفه بتمرد ثائر وسخط خبيث وكبرياء حنق، واعتداد كاذب بمواهبه، مما جعل حياته عذاباً متصلاً وشقاء مقيماً
حاول أحمد الكتابة فأرسل المقال تلو المقال ولم ينشر أيًا منهم في الجرائد، بدأ اليأس يسري إلى قلبه وأيقن أن المجتمع هو السبب إذ أنه لم يقدر عبقريته لأنه لا مكان فيه للمبدعين أمثاله.
ويحاول أحمد إثبات عبقريته بالدخول في مجال القانون لكنه يرسب في الامتحان ويدعي مرضًا وهميًا أشغله عن المذاكرة كي يحفظ كبريائه أمام الناس.
يرتضي أحمد بعد العديد من المحاولات البائسة بوظيفته في وزارة الأشغال ويحاول إظهار ثقافته على أهل حارته البسطاء ويعتد بعلمه وعقله ويكره أحمد راشد جاره الذي قابله على القهوة وحدثه أحمد راشد عن نيتشه وداروين وكانت أول مرة يسمع فيها هذه الأسماء فطعن كبريائه في مقتل وكره أحمد راشد لا لشيء سوى أنه أظهر ثقافة وعلمًا يفوقان ما لديه.
الحب في زمن الكهولة
يفتح أحمد نافذة حجرته في يوم من الأيام ليفاجأ بنوال ابنة جاره عاكف أفندي الفتاة التي شغفت قلبه حبًا وهيامًا منذ أول نظرة، لكنه يكتفي بتبادل التحية الصامتة معها ويتردد كثيرًا في نفسه بين الحب وهو في الأربعين ونوال تبلغ من العمر ستة عشر عامًا، وبين مظهره الكهل وعقله المفكر الرافض للزواج وعنايته بأسرته الصغيرة.
“ذلك أنه يحب النساء حب كهل محروم، ويخافهن خوف عزيز خجول، ويمقتهن مقت عاجز بائس، فأيه أنثى جميلة تترك في وجدانه انفعالًا شديدًا، يضرب في أعماقه الحب والخوف والمقت”.
نقطة التحول
يعود رشدي شقيق أحمد الوحيد من أسيوط ليجد الأسرة انتقلت إلى خان الخليلي، كان رشدي شابًا مستهترًا عابثًا أغلب الوقت، يسهر في كازينو غمرة مع أصدقائه طيلة الأيام رغم نصح أخيه له، نقل رشدي عمله إلى القاهرة ليظل رفقة والديه وأخيه الأكبر.
في يوم ما فتح رشدي نافذة حجرته المجاورة لغرفة أخيه ليفاجأ بنوال تطل منها، فأعجب بها وسار ورائها في الطرقات وتتبع أخبارها بكل اهتمام دون أن يدري أنها حبيبة أخيه الأكبر.
تدور الأحداث ويدخل أحمد غرفة أخيه ليفاجأ به ناظرًا إلى نوال من النافذة فيتألم ألمًا شديدًا ويحاول كتمان انفعاله أمام أخيه ثم يقرر الاستسلام ونزع كل أمارات الحب من قلبه وترك حبه الوحيد لأخيه الأصغر.
النهاية
تتناوب أحداث الدهر على الأسرة الصغيرة وتذوق من الآلام أقساها ومن عذابات الحياة أمرها، الفقد والخوف، المرض والرعب، الغارات تتواصل ويتواصل حب رشدي لنوال وتعلقه بها.
في النهاية يحمل القدر مفاجأة للجميع ينقلب حال الأسرة رأساً على عقب.
رواية خان الخليلي تمثل علامة فارقة في حياة نجيب محفوظ رغم كثرة أعماله الأدبية الرائعة، لكن خان الخليلي هي تلك الرواية التي تحلق بك بعيداً في آفاق الإنسان وما يعتريه من لذات وآمال لتأتي الدنيا وتقضي عليه بلا رحمة. صراع بن الموت والحياة والعقل والقلب والأمل والألم داخل نفس الإنسان ينتهي بخسارة كل الأطراف.
تم تحويل الرواية إلى فيلم سينمائي من بطولة عماد حمدي وإخراج عاطف سالم. صدر الفيلم عام 1967.
اقتباسات من الرواية
“إن سعادتنا بأحبائنا اليوم مرتهنة بالدموع التي نسكبها على فراقهم غدًا”
“بلغ منه الألم حدا تمنى لو كانت الجراحة تستطيع بتر الفاسد من النفس، كما تبتر الفاسد من الأعضاء”
“أجل ملعون أبو الدنيا، هذا شعار الاستهانة لا اللعن أو السب. ولكن هل تستطيع أن تلعنها بالفعل كما تلعنها باللسان هل تستطيع أن تستهين بها وتضحك منها إذا أفقرتك؟ وإذا أعرتك؟ وإذا كربتك؟ إذا أجاعت”
“كان يعرف أشياء وأشياء ولكنه لم يتقن شيئا أبدا، ولم يتعود عقله التفكير ولكن كانت الكتب تفكر له”
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.
احبائي
نجيب محفوظ جسد في هذه الرواية الى جانب الأحداث التاريخية لهذه الفترة نماذج مازال بعضها يعيش في البيئة المصرية والإنسانية
هذه النماذج الباحثة عن التميز تشعر بالحساسية الشديدة والضيق ممن يتفوق عليها فيما سعت الى التفوق فيه ويصل الأمر الى الكراهية
ونظرات وحب ابنة الجيران مسألة شائعة في بيئتنا المصرية …وفي بعض الأحيان يحدث بالفعل تعلق من شقيقين بذات الفتاة الجميلة بحسن نية
احبائي
دعوة محبة
ادعو سيادتكم الى حسن الحديث وآدابه..واحترام بعضنا البعض
ونشر ثقافة الحب والخير والجمال والتسامح والعطاء بيننا في الأرض
جمال بركات…رئيس مركز ثقافة الألفية الثالثة
شكرا على الطرح الرائع اخوي
في رأيي الرواية الافضل لمحفوظ بعد بداية ونهاية
والفيلم أفضل فيلم تم تجسيده عن اي رواية له