🎞️ Netflix

المكان المطلق والزمان المطلق وقانون نيوتن في الجاذبية

المكان المطلق
رائد شيا
رائد شيا

5 د

تحدثنا في المرة السابقة عن مبدأ النسبية الغاليلي وعن قوانين نيوتن، وننصحك بشدة قبل المتابعة بقراءة هذا المقال أن تعود إلى المقال السابق وتقرأه بعناية.

جذور أفكار النظرية النسبية في أعمال غاليليو ونيوتن


المكان المطلق

لقد ذكرنا أن قانون نيوتن الأول ينص على أن الجسم الذي لا يخضع لمحصلة قوى خارجية سيكون إما ساكناً أو متحركاً حركةً مستقيمةً منتظمة. ولكن الحركة هي مفهوم نسبي. فلو كنت تركب في سيارة إلى جوار صديقك، وكانت هذه السيارة تتحرك بالنسبة لصديقك الثالث الذي يقف على ناصية الطريق، عندها فصديقك الذي بجوارك هو ساكن بالنسبة لك، إلا أنه متحرك بالنسبة لصديقك الذي على الطريق.

هذا يعني أنه عندما نقول أن جسماً ما هو ساكن أو متحرك، فعلينا أن نحدد بالنسبة لمن هو ساكن أو متحرك. وبالتالي بالعودة لقانون نيوتن الأول، نجد لزاماً علينا أن نسأل، بالنسبة لمن يكون هذا القانون مطبقاً يا ترى؟ فلو أخذنا كتاباً ساكناً على الطاولة، وقمت أنت بالدوران حول نفسك بجوار هذه الطاولة، فسترى أنه بالنسبة لك فالكتاب يدور حولك، وبالتالي لن يكون قانون نيوتن الأول محققاً لديك.

لقد دفعت محاججات شبيهة بهذه المحاججة إضافةً إلى محاججات أخرى ذكرناها في مقالنا عن المكان نيوتن إلى افتراض أنه لا بد من وجود مرجع مميز ننسب الحركة بالنسبة له. وقد اعتبر نيوتن أن هذا المرجع هو المكان بحد ذاته! فالقياسات المكانية وفقاً لنيوتن لا تتغير بتغير المراقب، ولذلك دعي هذا المرجع بالمكان المطلق. وبأخذ مبدأ النسبية الغاليلي بعين الاعتبار، نجد أنه بالنسبة لأي مراقب ساكن أو متحرك حركة مستقيمة منتظمة بالنسبة للمكان المطلق

، ستكون قوانين نيوتن لديه محققة أيضاً!

اقرأ أيضََا: المكان: هذا الشيء البديهي للغاية، هل توقفتم يوماً لتتساءلوا عن ماهيته؟

سندعو هذه المجموعة من المراقبين بالمراقبين الغاليليين أو المراقبين العطاليين. ونلاحظ أنه لا يمكن للمراقب الغاليلي أن يكتشف إذا ما كان ساكناً أو يتحرك حركةً مستقيمة منتظمة بالنسبة للمكان المطلق، أي لا يمكن له أن يقيس سرعته المطلقة (أي السرعة بالنسبة للمكان المطلق). إلا أن ذلك لن يهمه كثيراً، لأنه لن يعيقه عن دراسة الحركة باستخدام قوانين نيوتن نفسها.


الزمان المطلق

إذاً القياسات المكانية مستقلة عن المراقبين وهي نفسها لديهم جميعاً. ولكن ماذا عن الزمن؟ لقد أضاف نيوتن افتراضاً بدا معقولاً جداً له وقتها ألا وهو أن الزمن يجري بنفس المعدل عند جميع المراقبين، وهو مستقل عنهم أيضاً. أي أن الحدثين اللذين يحصلان معاً لدى مراقب ما (سندعوهما حدثين متزامنين بالنسبة له)، سيحدثان أيضاً معاً بالنسبة لجميع المراقبين. فالتزامن بحد ذاته أيضاً مفهوم مطلق. ولذلك فقد اعتبر نيوتن أن الزمن هو زمن مطلق

. إذاً فوفقاً لنيوتن فالزمان والمكان هما مقداران مطلقان مستقلان عن بعضهما وعن المراقبين ولا يتأثران بما يحصل في الكون!

اقرأ أيضًا:  الزمن: أحد أكثر المفاهيم بديهيةً وغموضاً في نفس الوقت


تأملات في السقوط الحر

يا ترى ما الذي سيحصل لو تركنا جسمين يسقطان من نفس النقطة باتجاه الأرض دون وجود هواء يحيط بهما؟ لقد كان الاعتقاد قبل غاليليو ومنذ زمن اليونانيين القدماء أن الجسم الأثقل سيصل أولاً. إلا أن غاليليو وعبر سلسلة من المحاكمات الذهنية الرائعة والتجارب البارعة قد بيّن بأن هذا الكلام غير صحيح، وبأن هذين الجسمين اللذين يسقطان في تلك الظروف (ويدعى هذا النوع من السقوط بالسقوط الحر)

سيصلان معاً إلى الأرض.

نيوتن

والفرق الذي نلاحظه في زمن وصول الأجسام التي نتركها تسقط في العادة يعود إلى اختلاف مقاومة الهواء على الأجسام الساقطة. وما عليك لكي تتأكد من ذلك سوى أن تضع أحد الجسمين فوق الآخر (نضع الجسم ذو السطح الصغير فوق الجسم ذو السطح الكبير بحيث يكون مغطىً بكامله من السطح الكبير تحته ومن دون أن نترك فراغات بين الجسمين) ونتركهما يسقطان، إذ أنه في هذه الحالة ستصبح مقاومة الهواء عليهما نفسها وسنجدهما يصلان معاً فعلاً.


قانون نيوتن الكوني في التثاقل

ولختام نقاشنا السريع للغاية لميكانيك نيوتن، فلا بد من التطرق إلى قانون نيوتن الكوني. فقد لاحظ نيوتن بأن الشمس تجذب الكواكب حولها بغض النظر عن طبيعة تلك الكواكب، وكذلك تفعل الأرض بجذبها للأجسام إليها بغض النظر عن طبيعتها. وقد كان إنجاز نيوتن العظيم هو اكتشافه أن للقوتين نفس الطبيعة! فقد اكتشف نيوتن أن أي جسمين ماديين يقومان بجذب بعضهما بقوة تتناسب عكساً مع مربع المسافة الفاصلة بينهما وطرداً مع كتلتيهما الثقاليتين، حيث أن الكتلة الثقالية هي مقدار يعبّر عن قدرة الجسم على توليد قوى ثقالية وعلى تأثره بها أيضاً!

قانون نيوتن في الجاذبية

ملاحظة: في الواقع يمكن أن نذكر كملاحظة جانبية بأن كل جسم يمتلك نوعين من الكتلة الثقالية: كتلة ثقالية فاعلة تعبّر عن قدرة الجسم على أن يولد قوى ثقالية، وكتلة ثقالية منفعلة تعبر عن قدرة الجسم على التأثر بالقوى الثقالية المطبقة عليه. إلا أن نيوتن بيّن أنه بسبب قانون نيوتن الثالث، فهاتان الكتلتان متساويتان؛ ولذلك فنحن نقول اختصاراً “الكتلة الثقالية”.


مصادفة عجيبة 

لقد تبيّن أنه عندما ندرس السقوط الحر باستخدام قانون نيوتن الكوني وقانون نيوتن الثاني، سنجد مصادفةً غريبةً للغاية، ألا وهي أن سقوط جميع الأجسام بنفس التسارع كما تبيّن التجربة يؤدي إلى نتيجة مفادها أن الكتلتين الثقالية والعطالية لأي جسم متساويتان! فصحيح أنه عندما نأتي بجسم ذو كتلة ثقالية أكبر سيتأثر بقوة جاذبية أكبر من الأرض، إلا أن ممانعته لتغيير حركته ستكون أكبر أيضاً بحيث يلغي المفعولان بعضهما، فلماذا ذلك؟ لماذا تتساوى الكتلة العطالية التي تعبّر عن ممانعة الجسم لتغيير حالته الحركية، مع الكتلة الثقالية التي تعبّر عن قدرة الجسم على التأثير والتأثر بالحقول الثقالية؟

في الواقع لقد بقي هذا اللغز غير محلول حتى أتت النسبية العامة. وسنرى في المستقبل أن حل هذا اللغز أدى لتغيير نظرتنا عن طبيعة الوجود بشكل يفوق التصور!

خاتمة

سنتعرف في المرة المقبلة على الاكتشافات المذهلة في دراسات الكهرباء والمغناطيسية والضوء، والتي ستشكّل بتفاعلها مع ميكانيك نيوتن الذي تحدثنا عنه في هذا المقال والمقال الذي سبقه، جانباً بالغ الأهمية في طريق اكتشافنا للنظرية النسبية!

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.