أنتيجونا.. مسرحية إغريقية الموت فيها يعني الحياة!
4 د
مسرحية أنتيجونا تعد من أشهر وأهم ما كتب الأديب اليوناني سوفوكليس، الذي يعد أحد أعظم أدباء التراجيديا الإغريقية القديمة. تبدأ أحداث المسرحية بحوار بين أنتيجونا وأسمينا -الأختين وبنات أوديب- يكشف صراعًا ويعرفنا على القصة التي اشتعلت في مملكة طيبة.
وذلك عندما قام أخويهما إيتوكليس وبولينيكس بمحاربة بعضهما البعض. الأول حارب مع جيش مملكة طيبة؛ أي مع جيش بلده. أما الثاني فحارب ضد جيش بلده حيث انضم للجيش المضاد؛ لأنه طامع في المُلك. فهو يصارع المَلك كريون (شقيق أوديب) على العرش.
فكانت نتيجة الحرب قتلهما لبعضهما البعض.
كيف بدأت القصة من الأساس؟
نعود خطوة إلى الخلف؛ لنفهم بداية القصة. كان أوديب ملكًا لمملكة طيبة. قتل والده -دون علم- وتزوج من أمه الملكة جوكاستا. عندما اكتشفت جوكاستا حقيقة علاقة المحارم، قتلت نفسها. الأمر الذي جعل أوديب ينتزع عينيه، وأمضى سنواته المتبقية يتجول في اليونان حتى مات.
تصارع بعدها ابناه إيتوكليس وبولينيكس للسيطرة على مملكة طيبة. إيتوكليس قاتل للدفاع عن طيبة، أما بولينيسيس ورجاله هاجموا المدينة. كلا الشقيقين مات، ثم أصبح كريون (شقيق أوديب) الحاكم الرسمي لمملكة طيبة. لكن ما علاقة كل هذا بمسرحية أنتيجونا الأثيرة؟
لا تتعجلوا، لنُكمل.
بعد ذلك رأى كريون الملك أن إيتوكليس فتى نبيل لديه ولاء، ولابد أن يُدفن ويُرسم بمراسم تليق بمحارب وطني. أما بولينيكس فلا يستحق أن يُدفن أو يُرسم؛ لخيانته وطنه، وأصدر أمرًا غير قابل للعصيان بأن تترك جثته في العراء؛ ليأكل منها الطير والحيوانات.
تقديم أنتيجونا نفسها كقربان للدفاع عن قضيتها
يصل النبأ لأختهما أنتيجونا فتصرع وتقرر التمرد على عمها الملك كريون والعصيان على أوامره الصارمة. وتصرح لأسمينا شقيقتها أنها ستخرج لدفن أخوها، فتعارضها أسمينا خائفة عليها. حيث إنها بذلك ستعارض وتعصى الملك كريون وإنه سيعدمها ردًا على ما ستفعل بدون شك.
تصر أنتيجونا ضاربة بكلام أسمينا عرض الحائط، فهي ترى أن الموت من أجل مبدأ تدافع عنه شيء نبيل بالطبع. وبالفعل تخرج وتدفن جثة أخيها، ويصل الخبر إلى الملك، الذي يُحقق في الأمر حتى يكتشف أن أنتيجونا من فعلت ذلك، فيأمر بحبسها تمهيدًا لإعدامها وترك جثتها هي الأخرى في العراء.
محاولة الحب ضد الصرامة
يتدخل خطيب أنتيجونا -ابن كريون في ذات الوقت- ويحاور أبوه لفك أسرها؛ فلا يقبل. تفرد سوفلكيس في رسم تسلط ونرجسية وصرامة الملك كريون. كما نرى التضحية التى ضحت بها أنتيجونا في ظل هدف نبيل ومبدأ واحد؛ أن الأخ سيظل أخًا حتى لو مذنبًا. نراها ضحت بنفسها وشبابها، في مشهد قمة المأساوية والحزن ترثي نفسها في الحبس قائلة:
اشهدوا يا بني وطني إني أعبر أخر سبل الحياة وأنظر شعاع الشمس أخر مرة لن أبصرها بعدئذ. إن ربة الموت تأخذني حية إلى شواطئ الآخرة. لم يسمعني أحد أغاني فرحي وأنا أزف إلى الآخرة.
محاربة كريون لروح بولينكيس في الآخرة
هناك اعتقاد في التراث الإغريقي القديم بأن الروح في العالم الآخر لكي تذهب للنعيم وتعيش وترضى عنها الألهة لا بد أن تدفن؛ لذلك نفسر إصرار أنتيجونا على دفن شقيقها، ونفهم أيضًا إصرار كريون على عدم دفنه. فكأنه يحارب روح بولينيكس حتى بعدما مات وليست جثته. لأنه في نظره خائن. فلذلك يرفض أن يكرمه حتى بالدفن.
نبوءة مشؤومة مُحققة.. تحقق العدالة
في هذه الأثناء يدخل عرافٌ ما على كريون؛ ليخبره بأن مملكة طيبة انتشر فيها الوباء والمرض؛ لأن الطيور أضحت جارحة ومتوحشة؛ إذ إنها أكلت من جثة بشرية، ويتنبأ له بأنه سيخسر الكثير وسيفقد كل من يحب إن لم يفك أسر أنتيجونا ويتراجع عن قرار قتلها.
يخاف كريون ويحاول أن يتراجع لكن قراره يأتي متأخرًا. إذ يذهب فيُفاجأ بانتحار أنتيجونا شنقًا وانتحار ابنه -هو الآخر- حزنًا عليها. في مشهد تراجيدي قرر فيه الحبيب ألّا يترك حبيبته حتى في موتها.
يصل الخبر لأمه فتنتحر هي الأخرى من بعدهما. مُحملة كريون -زوجها- موت ابنهما. وتخبره قبل انتحارها أنه السبب أيضًا في وفاة ولديها الاثنين؛ الأول في الحرب والثاني لفقد حبيبته.
كريون وإدراك أن الحق الصارم؛ ظلمٌ صارم
يستفيق الملك كريون على الندم الشديد وجلدٍ قاسٍ لذاته، حيث فقد ولديه وزوجته دفعة واحدة بانتحار أنتيجونا التي عاندته في قراره. رغم إنه كان بإمكانه أن يعدل عن ذلك القرار لولا العناد والرغبة الصارمة في المحافظة على الأوامر. يقول في مشهد النهاية محدثًا نفسه:
أنا المغرور.. قد قتلتك يا ولدي من حيث لا أريد وقتلت هذه أيضًا.. وامصيبتاه لا أدري إلى أيكما أنظر، ولا إلى أيكما ألتفت.. كل ما أملك قد هوى.. إنه قدر لا يحتمل، قد ألقى فوق رأسي هذا البلاء.
تحول درامي ملحوظ في شخصية أسمينا بمسرحية أنتيجونا
ما لفتني في العمل أيضًا التحول الدرامي الذي حدث لأسمينا؛ لأنها تحولت من رفض ومعارضة تامة لقرار أختها، إلى حد ذهابها للملك وإخباره كذبًا أنها ساعدت أنتيجونا على فعلتها؛ لعله يخفف عنها عقاب الإعدام، أو حتى يعدمهما سويًا. المهم ألا تفارق أختها.
هنا نجد أسمينا تتحول من شخصية جبانة، لا ترغب في المشاركة في الحدث، إلى شخصية تحاول ألا تترك شقيقتها تواجه مصير الموت وحدها. لكن قد فات الأوان؛ فقد اعترفت أنتيجونا أنها من فعلت بمفردها. التحول في شخصية أسمينا كان دراميًا حقًا. وبرع في تجسيده سوفلكيس.
أنتيجونا مسرحية ممتعة وثرية على رغم قصرها إذ تقع في ستين صفحة. أنصح بقراءتها بشدة، كما أنصح بالاطلاع على منجز سوفكليس ذلك الأديب العبقري، فما زالت أعماله تُدرس حتى يومنا هذا.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.