أنمي One Punch Man … كوميديا فلسفية تقصف جبهة كل بطل خارق في التاريخ!

في القصص الخيالية فقط يظهر الأبطال الخارقون بين حين وآخر ليقيموا العدل ويحاربوا الظلم، وكعادة أي خارق يحترم نفسه، لابد أن يبدو مهيبًا فخيمًا!، طلته لا تخلو من وسامة آسرة، ملابسه توحي بالسيطرة والقوة، العضلات توشك على الانفجار بعروقها البارزة، والنظرات ملؤها الشراسة والغموض والتحدي!

بالفعل، هؤلاء تلمع عيونهم في خطورة بينما يواجهون خصومهم العتاة، أمّا بطلنا الفريد من نوعه، فتلمع صلعته تحت الشمس الحارقة بينما يشتري لوزامه الشهرية من خضروات وبقالة! نحيف كخلة الأسنان، لا تتهمه لحظة بالوسامة أو السيطرة، ملابسه أقرب لارتجال سخيف عن بذلة رجل خارق!.

 ولكن رغم هذا كله فبطلنا (سايتاما) قد حفر اسمه في حائط الخارقين بعمق الحجر، بل هشّم الحجر تهشيمًا!، كيف لا يا سادة وهذا الرجل مميز عن كل زملائه السابقين واللاحقين؟!، كيف لا وهو رجل اللكمة الواحدة؟!، لكمة واحدة … فقط!

منذ انطلاق سوبر مان وباتمان وسواهم في سماء الكوميكس نهاية الثلاثينات من القرن العشرين، لهج الجمهور الأمريكي بحب هؤلاء المقنعين شديدي البأس، فظهر العشرات – هل نقول المئات؟ – من الخارقين المشابهين حتى وقتنا هذا، لا ننكر أنّهم يمثلون حلم الإنسان الأزلي بالقوة المطلقة الرهيبة، خصوصًا المستخدمة في الحق والخير، وكما عبّرت أساطير الشعوب عن هذا الحلم بدءًا من (جلجاميش) الرافديني مصارع الوحوش، وحتى (هرقل) الإغريقي خارق القدرات وغيرهم.

لكن وكما أعتاد الفنانون دومًا على النظر للأفكار من مختلف الزوايا، رأينا أعمالًا تهكمية ساخرة Parody حول الخارقين أنفسهم، فليست حياتهم كلها حربًا مع الجريمة وملاحقة للأشرار، هم في النهاية بشرٌ لهم جانبهم الكوميدي المفعم بالفلسفة والفكر، والحق أنّ نجاح هذه الزاوية وشعبيتها فاق المتوقع في أمريكا، بدايةً بالأعمال الرسومية مثل: (الخارقون Incredibles) و (ميجامايند Megamind)، أو الأفلام الحية مثل: (هانكوك Hancock) و (kickass) بجزئيه.

أمّا مؤخرًا وقبل عدة سنوات، في اليابان المعروفة بخيالها العجيب وأفكارها الأعجب، كان parody الخارقين على موعد مع نقلة نوعية في تاريخه، لا سيما وأنّ اليابان لديها أبطالها الخارقين مثل أمريكا وربما أكثر نضجًا منهم وسوداوية، ننجا وقراصنة وفضائيين. لذا، خرج من عباءة هؤلاء بطل جديد ليقصف جبهتهم جميعًا يابانيين وأمريكيين!، في محاكاة كوميدية لم تترك كبيرة أو صغيرة في عالم هؤلاء الجبابرة المتخفين إلّا وتهكمت عليه، مع فلسفة مختفية بين الثنايا سترسم البسمة على شفتيك!

لا أبدًا، لم يفقد والديه أو عمه بسبب الأشرار فقرر محاربة الجريمة، لم يحضر من كوكب آخر ليقيم العدل على الأرض، لم تجنده بلاده بعد تجربة علمية أو لدغة حشرة، لم … لم يكن كأي بطل خارق تقليدي مقنع!، سايتاما هو مجرد عاطل يبحث عن وسلية لتزجية الوقت فقرر أن يصير خارقًا!، لا يبحث عن شهرة أو منفعة سوى أن يحيا دون ملل وروتين!، أصلع لأول مرة وغير مقنع ولا يتخذ شعارًا !، لكنه الأقوى في الكون فيحلم بمقابلة أعداءٍ يليقون به فعلًا فيرهقونه حتى يهزمهم، وفي الوقت عينه لا يهتم سايتاما أثناء قتال الأشرار بشيء أكثر من موعد التخفيضات في السوبر ماركت حتى يلحق بها!

أمّا عن شوقه لخصوم أقوياء مثله، فهنا نقطة تميزه الكبرى، سايتاما يهزم الجميع بلكمة واحدة كما يوحي اسمه!، لا قتال دموي يمتد لنصف ساعة حتى ثلاث ساعات (حدثت في مسلسل دراجون بول!)، بلا عبارات شعرية متوعدة بين الخصمين من نوعية (سأقضي عليك … أنت غِذائي … صرت بطة ميتة)، يلكم سايتاما العدو فيصير ركامًا أو أشلاءً!، أين القتال الملحمي إذن؟!، كيف امتدت فكرة كهذه إلى اثني عشر مجلد مانجا، بالإضافة لموسم أول من الأنمي؟!، هذا ما سنتركه لك تقرأه أو تشاهده!

يحفل موسم الأنمي بكافة أنماط الخوارق المتناولة من قبل البشر بهيئة الحيوانات والحشرات، الننجا والسايبورج والسحرة، العمالقة وذوي الإدراك الفائق للحس ESPERS، الفضائيين والوحوش البحرية الأسطورية، هذا الكم المنوع مقصود بالطبع للسخرية الحاذقة من كل نوع، إضافةً لتعدد أهداف كل شرير منهم، فهذا نتج من التلوث الأرضي، وهذا يسعى للسيطرة على الكوكب، أمّا هذا فيرغب في السرقة فقط، وكل هذه التيمات المعروفة.

مثلا نجد أنّ الشرير  الأول الذي يقابله سايتاما عبارة عن وحش سرطان بحر بشري، لم يتحول للسرطان بشكل خيالي بل يعترف بأنه أكل الكثير منه حتى صار كذلك!، في إشارة لباتمان وسبايدر مان وغيرهم من المنسوبين للحيوانات، ولا ينسى المؤلف أن يتهكم على سراويل الخارقين كالعادة بشكل صريح جدًا!!، ولكن الأنمي يقدم لنا في خاتمته شريرًا من نوع جديد تمامًا مثل سايتاما!، ولن أحرقه لك بالطبع!

يتساءَل الكثيرون حتمًا، ما المثير والمميز في أن يهزم البطل خصمه بلكمة واحدة؟!، الواقع أن سايتاما بهذا يختصر الكثير من حكايات الأبطال في التاريخ أجمع!، نحن اعتدنا أنّ الخارق العادي يحارب ويقاتل، يناور ويتفادى، يطير ويعوم، يطلق أسلحته ومهاراته، ينهزم ويعود، يتذكر أصدقاءه وأحبابه، يتلو خطبة عصماء عن العدالة والخير، يستعيد قوته، يكتشف مهارات جديدة لديه، يضحي السنيد لأجله، ينهزم ويعود، ينهزم ويعود، ينهزم ويعود، وبعد كل هذا في النهاية المعروفة … ينتصر!!!!

بالفعل، النتيجة معروفة وحدثت مرارًا وتكرارًا، ينتصر البطل ويعم السلام والمحبة ويعود الجميع سعداء!، وهذه النهاية السرمدية حاول فنانو الكوميكس الأمريكيين تغييرها أكثر من مرة، فمات سوبر مان وكابتن أمريكا بالفعل في قصصهم، وأعلنت الصحف الرسمية خبر وفاتهم كأبطال قوميين!.

ذاك الانتصار الحتمي فعله سايتاما باختصار ليناقش أفكارًا أخرى أجدد!، أمّا عن سر قوته الرهيبة التي جعلته يصل لدرجة الفوز بلكمة واحدة – يبالغ البعض أحيانًا بقولهم أنّ سايتاما لديه لكمة تدمر الكون! – فسأترك لك معرفته بنفسك، لكنه بالتأكيد يقصف جبهة الخارقين من جديد، فهذا الأصلع هزمهم لأنّه فعل الشيء الوحيد الممكن ليصير بالفعل بشريًا خارقًا دون أي تدخل ميتافيزيقي!

سايتاما لا يقاتل سوى للمرح وقتل الملل لأنّه صار عاطلًا، والغريب أنّ قوته الرهيبة زادته مللًا على ملل!، هو يعبّر عن أغلب البشر في الواقع!، فمن منا لا يفعل أمورًا كثيرة ليملأ الوقت ليس إلّا!، هذه الصفة ورثها سايتاما من مؤلفه الياباني المعروف باسم (وان)، كان مجرد شاب محب للمانجا ضعيف الموهبة يؤلف ويرسم على الإنترنت لأجل كسر الملل!

لكن النجاح العظيم لأفكار رسوماته الساذجة تلك جعلت أهم شركات المانجا في اليابان تتعاقد معه، فتمت إعادة الرسم من جديد بشكل احترافي عظيم المستوى، وحتى الأنمي صنعه استوديو ماد هاوس المعروف برسوماته المبهرة وموسيقاه البديعة.

نحن الآن في انتظار الموسم الثاني من الأنمي، والمتوقع عرضه إما في صيف أو خريف 2018 حسب آخر التصريحات، وحتى من قبل عرضه، لن ينسى عشاق الخارقين سايتاما أبدًا!، هذا البشري الذي أخذ بثأرهم من بحر الملل خلال القرن الماضي الذي ظهر فيه خارقون لا حصر لهم بنفس الأفكار المكررة!

بل إنّ ميم سايتاما الأشهر ok صار يستخدمه الجميع. حتى أولئك الذين لا يعرفونه أصلًا، ولا يقرأون المانجا أو يشاهدون الأنمي!، لقد عبّر وجه سايتاما اللامكترث عن حال كل ملول ضجر من الروتين والرتابة، علينا أن ننتهي من العبث … ok !