فيلم Sharper.. لا شيء كما يبدو عليه في قصة “جوليان مور” المليئة بالأسرار والأكاذيب

الكاتب والناقد الأدبي الأمريكي "إدغار آلان بو" يقول “أبشع الوحوش هي تلك التي تتوارى بداخلنا”، وفي فيلم Apple tv+ الجديد "Sharper"، الذي رفع الستار عنه في النصف الأول من شهر شباط/فبراير الجاري، يعج بالوحوش البشرية، والتي تبدو للوهلة الأولى أنيقة وجميلة، من ملابسها الفاخرة، أو كلامها المنمق.

إلا أنها سرعان ما تفضح نفسها وغاياتها، عندما تفسح المجال أمام الشر القابع داخلها لقيادتها، وهي تلهث وراء ماديات الدنيا ومتاعها.

الشخصيات الدرامية في هذا العمل السينمائي ليست حقيقية، هي عكس ما تدعيه، كل ما ستراه مفتعل، فهي ملأى بالأسرار والأكاذيب التي عليك اكتشافها. وهذا ما سيحقق لك المتعة والإثارة، بفعل المشاهدة.

تنطلق أحداث الفيلم داخل مكتبة في مدينة نيويورك، حيث تسيطر الأجواء الرومانسية الدافئة على المشاهد الأولى للعمل، عندما تدخل الشابة "ساندرا" من أجل الحصول على رواية "كان الرب نصب أعينهم" للكاتبة "زورا نيل هيرستون"، وتتجاذب أطراف الحديث مع صاحب المكتبة "توم".

والذي سرعان ما يعجب بها، ويحاول استمالة قلبها للشروع في علاقةٍ عاطفية. يجد توم أن ساندرا ملاذه الآمن للخلاص من أعراض الاكتئاب المرافق له بسبب وفاة والدته، وأيضًا لعلاقته المضطربة مع والده الثري "ريتشارد".

ارتباطه بها يدفعه لمساعدتها بالتنازل عن مبلغ وقدره 350 ألف دولار، للتخلص من إحدى العصابات التي تطارد أخاها، ومن المحتمل أن تطاردها هي لاحقًا. لكن الصدمة هي أن ساندرا اختفت.

ليتضح تباعًا وخلال سير الأحداث، أن ساندرا شابة محتالة، خضعت لتدريب مكثف على فن الإقناع والاحتيال، على يد المحتال المحترف "ماكس"، من أجل الحصول على مبلغ مالي كبير من توم.

كما يوجد هناك "مادلين" الجميلة والأنيقة شريكة ماكس والتي تتعايش وإياه من الكذب على الأغنياء وسرقة ثرواتهم، ويقدما نفسيهما على أنهما ابنٌ ووالدته، بغية سرقة ريتشارد الثري، الأكبر سنًا منها. إلا أنها تتخلى عن ماكس، لصالح ريتشارد الذي اختارها لتكون شريكة ما تبقى من حياته، ولاحقًا وريثته الشرعية.

فيلم Sharper لا يكفي أن تكون ذكيًا. في فيلم Sharper لا يكفي أن تكون ذكيًا لتصبح محتالًا متمكنًا، بل عليك أن تجيد اللعب بطريقة ذكية تضمن لك النتائج الجيدة لمخططاتك الخبيثة.

مبدئيًا يجب أن تمتلك قلبًا ميتًا، تبلور على الكذب ويعرف كيف يتقمصه، ليقنع الآخر الذي يقف قبالته
وشخصيات العمل هي كاذبة بتصنيف ممتاز، لا تتوقع كمشاهد أنك قادر على كشفها، أو أنك صرت مدركًا ألاعيبها.

الفيلم مقسم إلى أربع أجزاء، كل جزء يشرح بعض الأمور عن إحدى الشخصيات الرئيسية (ماكس، ساندرا، مادلين، توم)، الكل يتمتع بالشر عدا توم، ولكن هل يستمر على حاله أم أن الحب يغيره؟

الشخصيات الثلاث ملأى بالأسرار والأكاذيب، والعيوب والتعقيدات النفسية، عيب النص بالنسبة لها، أنه لم يصور خلفياتها الإنسانية وكيف نشأت لتصل لهذا الدرك، خصوصًا أن هناك فصلًا كاملًا يخص كل شخصية على حدة تكلم فيها عن جانب الاحتيال بالقصة، كان يكفي ولو تلميح بسيط يصاغ في بضعة مشاهد، تشرح من أين أتى كل هذا الجشع وكيف ربتهم الحياة على الخيانة.

على الرغم من غنى الشخصيات ومتعتها، وتعقيدات الحبكة، وشرح الحدوتة بأسلوبٍ سلس لعب تقسيمها إلى أجزاء دورًا في ذلك ولو أنها جاءت بسردٍ غير خطي، هناك كثير من الملل يتخلل بعض المشاهد، والتطويل كذلك الأمر، ومنها في أول 20 دقيقة من العمل، والتي كانت مشاهدها عبارة عن قصة إعجاب واستلطاف وعلاقة حب جمعت توم وساندرا.

ربما يعود ذلك لأنه تم التعريف عن الفيلم بأنه إثارة نفسية، وليس دراما رومانسية. أضف إلى ذلك بطلة البوستر “جوليان مور”، التي تأخرت بالظهور.

قدمت مور أداءً دراميًا متقنًا ومتلونًا، ضاهى أهمية وجمالية جميع التقلبات والالتواءات في الحبكة الدرامية، اختبرت بلغة الجسد حالاتٍ نفسيةً مختلفة، أقنعتنا بصدق الأداء، ولو أن الكذب عنوان كل شيء، فلا شيء حقيقي كما يبدو عليه.

إلى جانب التمثيل المتقن للشخصيات الرئيسية في العمل وتطورها على مدار الوقت، والكيمياء الواضحة بين أغلبها، يأتي التصوير السينمائي ليرفع من قيمة العمل الفنية، وليزجك بقوة في داخل هذه الدراما النفسية المثيرة.

ضمن مراجعته في موقع "تايمز" اعتبر الناقد "كيفين ماهر" أن ما يميز فيلم Sharper فلسفة التصميم المتقنة كعمل حرفي سينمائي، تم الارتقاء به من خلال سيناريو ذكي حول خداع الأثرياء، وسلسلة من المنعطفات المركزية في الحدوتة والتي لا تشوبها شائبة، بفضل أداء جوليان مور وسيباستيان ستان وجاستيس سميث.

بينما كان للناقدة "مادي موسين" من موقع "إيفنينغ ستاندرد" رأي مختلف؛ حيث كتبت: هذا العرض عبارة عن قصة سرقة ملتوية ومعقدة وغير مقنعة إلى حد ما، ومن الصعب الاستثمار في فيلم تكون فيه الشخصيات ضعيفة للغاية على الورق، حيث تبذل جوليان مور قصارى جهدها لإنقاذ العمل، ولكن لا يبدو أنها تمكنت من ذلك.

أما بالنسبة إلى موقع Rotten Tomatoes فقد تحصل الفيلم فيه على نسبة 71% من إجمالي أصوات النقاد.

في النهاية يمكن اعتبار فيلم Sharper، دراما نفسية قوية وممتعة، يمكن التنبؤ بالقليل من مساراتها الدرامية، وتفاجئك في ذات الوقت، هي لغز محكم يخبرك أن الأذكى من يكذب أكثر.