مسلسل The Offer.. عن المافيا والمعارك وكواليس صناعة فيلم العراب
18 د
لا تعلم كيف تأتي عليك الأفلام السينمائية من كل حدبٍ وصوب، وبكمياتٍ كبيرة مهولة، يكاد يعجب عقلك بكل هذا السحر، وتستنزفه فكرة مشاهدتها كلها، من أين أبدأ وهل أكتفي بالجديد أم علي رؤية الأصل الذي ساهم في تطور هذه الصناعة؟ لأنك مهما رأيت واختبرت منها بفعل المشاهدة، حتمًا هناك شيء لم تتلقفه عينك! ولعل في حكاية مسلسل The Offer خير مثال على ذلك.
فيلم العراب The Godfather، إن كنت متابعًا نهمًا للأعمال السينمائية يستحيل أنك لم تشاهده، فهو أكثر الأفلام شهرة في النصف الثاني من القرن العشرين، والفيلم الذي أحدث ثورة حقيقية في صناعة السينما، لدرجة أنه بصم في ذاكرة ووجدان السينما العالمية.
هذه التحفة الفنية أنتجتها شركة باراماونت بيكتشرز في عام 1972، واليوم وبعد 50 عامًا على ذكرى ولادته، تعيد هذه الشركة رواية الفترة التي صنعت أمجادها وعظمتها في عالم الفن والترفيه، من خلال مسلسل The Offer “العرض”، حيث يأخذنا عبر 10 ساعاتٍ تلفزيونية إلى كواليس صناعة الفيلم الذي صار مقدسًا لكل من يهوى هذه الصناعة، وربما يمتهنها، ويدخلنا في أجواء السبعينيات، المرحلة الذهبية للسينما الأمريكية التي أنتجت وقتها أكثر الأفلام جنونًا وعظمة، أفلامًا عكست مرحلة التحرر الاجتماعي من كل قيدٍ كان يحكمها.
العراب دراما نفسية عن العائلة والسياسة والمافيا، ومسلسل The Offer عن المافيا والمعارك الدائرة بين صانعي الأفلام ورجال مجالس الإدارة المتعطشين للمال.
سنأخذك عزيزي القارئ عبر هذا المقال لنقص عليك أحداث كل حلقة ونخبرك بأهم تفاصيلها، يذكر أن مسلسل The Offer من كتابة “مايكل تولكين” و“نيكي توسكانو” و“ليزلي جريف”، وأخرج الحلقات “ديكستر فيتشر” و“آدم أركين” و“كولين باكسي” و“جوينيث هوردر بايتون”.
اقرأ أيضًا: مراجعة فيلم The Black Phone.. حكاية الشر الأعمى الذي لا غاية لهُ
تريلر مسلسل The Offer
تنبيه: قد يرى البعض في سرد القصة حرقاً للأحداث.
الحلقة الأولى: مقعد على الطاولة
يستهل مسلسل The Offer الحلقة الأولى بمشهد يحاول فيه أحد الرجال الفاعلين في عصابات المافيا إقناع جو كولومبو “جيوفاني ريبيسي” بقبول مقعد ضمن لائحة دوري الحقوق المدنية للأمريكيين من أصل إيطالي، يزجك هذا المشهد بالفعل بالأجواء العامة للعمل، وأجواء السبعينيات في نيويورك، الفترة التي سيطرت فيها زعامات المافيا على زمام الأمور في نواحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية هناك.
كما نتعرف تباعًا على الشخصيات الرئيسية للمسلسل، الأشخاص الذين كان لهم الفضل في خروج فيلم العراب إلى النور. البداية مع نائب رئيس شركة باراماونت بيكتشرز روبرت إيفانز “ماثيو جود” الغريب الأطوار، نراه يعمل على فيلم بعنوان "Love Story". ثم ألبرت إس رودي “مايلز تيلر” الذي يستقيل من وظيفته في مجال البرمجة ضمن شركة راند، رغبةً منه أن يصير منتجًا للأفلام في هوليوود، على الرغم من قلة معرفته بعملية صناعة الأفلام.
أخيرًا، الكاتب ماريو بوزو “باتريك جالو” الغارق بدينه والمطالب بتسديده بسرعة تحت تهديد القوة، تقترح عليه زوجته تحويل حكايته مع المافيا إلى قصة تدور حول الأسرة، فينجح في خلق عائلة من المافيا الإيطالية الأمريكية وصراعهم فيما بينهم، فكانت رواية العراب The Godfather. سرعان ما يتم نشر الرواية، التي كتبها بوزو خلال مشهد واحد دون إظهار العناء الذي واجهه حتى تمت، تنتشر الرواية وتحقق صدى جماهيريًا، وبالمقابل الرفض التام من قبل عصابات المافيا.
بعد أن نجح أل رودي بإقناع إيفانز بتعيينه كمنتج في باراماونت بيكتشرز، يقنع الأول الأخير من جديد بفكرة تحويل رواية العراب إلى فيلم. ويطلب إيفانز منه البحث عن كاتب يتولى عملية كتابة السيناريو، لكن أل رودي يصر على مؤلف الرواية ماريو بوزو بأن يشارك المخرج فرانسيس فورد كوبولا “دان فوغلر” الكتابة. لتبدأ الصعوبات والتحديات في وجه تنفيذ الفيلم، ومضايقات المافيا الأمريكية البريطانية لمنع إنتاج الرواية التي أغضبتها كفيلم سينمائي، بحجة أنها تغذي نار الحقد تجاه الشعب الأمريكي من أصول إيطالية.
على الرغم من أن الحلقة الأولى تتنقل بسرعة من مشهد لآخر إلا أنها تأخذ الكثير من الوقت لتجعلك تتكيف معها، حتى أنك تتردد قليلًا هل أكمل ما بدأته للتو، لتأتي المتعة حقًا مع مشهد اعتماد تحويل الرواية إلى فيلم.
الحلقة الثانية: الطلقات التحذيرية
تتجه أنظار المشاهدين مع عرض الحلقة الثانية صوب “جو كولومبو” الذي يعتلي المنصة مخاطبًا الآلاف من الجماهير الذين تجمهروا حوله، واعدًا إياهم أنه لن يسمح بتصوير فيلم العراب، لأنه بنظره كتب بهدف الإساءة للمجتمع الإيطالي، كما نعت كاتبه “ماريو باوزو” بالخائن.
بعد إطلاق النار على سيارته من قبل رجل عصابة خطير يدعى “ميكي كوهين” ليلة أمس، يعلمه عميلين من مكتب التحقيقات الفيدرالي أن رصاصته لا تخطئ أبدًا. يقرر أل رودي المواجهة وعدم الاستسلام، يذهب إلى كوهين ويخبره نواياه، ليعلمه كوهين أنه مجرد رسول أدى رسالته بناءً على توجيهات من أعلى السلطة.
يلتقي كل من “أل رودي” والمخرج “فرانسيس كوبولا” و“ماريو بوزو” و“أندريا إيستمان” مدير اختيار الممثلين، بفيك دامون في أثناء عرضه في مدينة فيغاس ليعرضوا عليه تجسيد شخصية “جوني فونتان”، في البداية يسعد بالفكرة، لكن تهديدات “فرانك سيناترا” تجبره على إعادة النظر في ذلك.
العراقيل لا تتوقف هنا مع المنتج أل رودي، بل تستمر مع لقاءه غير المجدي مع عضو الكونغرس “ماريو بياجي” للحصول على إذن للتصوير في نيويورك، حيث إن فرانسيس يصر على أن يكون التصوير هناك، لأن عائلة كورليوني وفقًا له ولماريو يمكنها أن تكون أي عائلة في أمريكا، فأيديولوجيتها لا تقتصر على جنس وعرق بعينه.
يصور لنا العرض أن رؤية كل من كاتب العراب ومخرجه الفنية، لم تلقَ دومًا الترحيب لدى رؤوساء باراماونت بيكتشرز، فأصحاب الاستديوهات لهم تصوراتهم الخاصة التي تحاكي عقلياتهم التجارية، يريدون شخصيات تجعل الناس تتهافت على شباك التذاكر، كالممثل الذهبي في عصره “مارلون براندو”، الذي يراه فرانسيس وماريو في شخصية الدون فيتو كورليوني، وكانا متخوفين من عدم قبول “بوب إيفانز” الذي يتطلع إلى “ستيف ماكوين” كخيار مثالي للدور، لا سيما أن باراماونت تفرض قيودًا على إبداعاتهم، كالتخفيضات المفروضة على الميزانية، والتي عليهم الالتزام بها.
مع الحلقة الثانية تنضج الشخصيات أكثر وتصير أكثر ألفة وحميمية معك أنت كمشاهد، ويزداد التشويق في السرد.. ومن الشخصيات التي لها حضور جيد السكرتيرة المساعدة بيتي مكارت “جونو تيمبل” والتي تلعب بذكاء. على عكس فرانسوا جلازر “نورا أرنيزدير” امرأة أل رودي، ممثلة تؤدي عملها فقط دون روح.
الجدير بالذكر أن العمل يسلط الضوء على دور النساء وأهميته في صناعة ملأى بالذكور، ومجتمعات اليوم التي تعطي أهمية للنساء لم تكن هكذا فيما مضى.
الحلقة الثالثة: اختفي
يلتقي أل رودي جو كولومبو، بعد أن اقتاده رجال جو تحت تهديد السلاح، حيث حاول الأخير حثه على انتزاع فكرة إنتاج الفيلم من دماغه، لكن لا مجال لذلك مع أل رودي، هو يدرك تمامًا أن العراب بالنسبة له إثبات وجود كمنتج، ومعركته التي عليه الفوز بها أمام جو الآن، فيحاول مخاطبته ومسايرته، وإخباره أن الفيلم لا يسيء إطلاقًا لأي مواطن إيطالي، ولكسب ثقته وعده بقراءة السيناريو، ودعاه بالفعل لشركة باراماونت بيكتشرز، وهذا الأمر فاجأه حقًا. وبهذه الطريقة استطاع أل اكتسابه والمافيا لصفه.
بالطبع جو كولومبو لم يقرأ كلمة واحدة من النص، ولكن المهم له المصداقية والشفافية التي تعامل بهما أل رودي معه.. كما كان له طلب آخر، وهو أن لا يأتي النص على ذكر كلمة “مافيا”، والمفارقة أن الكاتبين لم يستخدماها سوى مرة واحدة.
بعد المقالة التي كتبت عنه في الجريدة، توقع “بوب إيفانز” أن يتخذ الرئيس التنفيذي تشارلي بلودورن “بيرن جورمان” قرارًا بطرده من منصبه، إلا أن لديه العراب ويجب أن يقامر عليه، ويبين له أنه الحصان الرابح لباراماونت الذي سيضخ لهم الكثير من المال.
ومن الأحداث المهمة التي نراها في هذه الحلقة، اجتماع فرانسيس كوبولا بالممثل الذي يجده خير ممثل لشخصية مايكل كورليوني وهو “آل باتشينو” (حينما كان مازال يتلمس طريقه ويبحث عن فرصة)، يفرح آل لاختياره للدور فهو سبق وأن قرأ الرواية وأعجب بها كثيرًا.
يصور معه فرانسيس مشهدين كاختبار، بغية إثبات وجهة نظره في اختيار آل باتشينو لبوب إيفانز، لكنه يرفض بشدة ويغادر صالة العرض دون مشاهدة شيء. الحدث المفرح للفريق في هذه الحلقة موافقة “مارلون براندو” على تأدية الدور، في البداية كانت هناك مشكلة الأجر لكنها حلت بنهاية المطاف. ومع نهاية الحلقة الثالثة يبدو أن الصراعات بأغلبها تمت تسويتها.
يقدم “ماثيو غود” عبر بوب أداءً أسطوريًا ممتعًا طوال جميع الحلقات، إيقاعه منضبط ويطرب، ما يعوض قليلًا الحضور البارد أحيانًا لشخصية أل رودي “مايلز تيلر”، ونبرات صوت “جيوفاني ريبيسي” المزعجة والتي تزيد من حدة التوتر في المشهد، عمومًا مشاهد رجالات المافيا هي الأقل فاعلية في العرض، وتستنزف فعل المشاهدة حتى الوصول للمشاهد التي تحمل الإثارة.
الحلقة الرابعة: الظل الأيمن للأصفر
يحقق فيلم "Love Story" نجاحًا كبيرًا في دور العرض، أما علاقة أل رودي وزوجته فرانسواز توضع على المحك نتيجة مشاكل تتعلق بالعمل، وبسبب ضغط العمل والمهمات التي تقع على عاتقه لم يكترث بإيجاد حل ينقذ من خلاله زواجه. توضح لنا هذه العلاقة ما هو الترتيب أو الشكل الذي تكون عليه العلاقات العائلية، عندما يكون أحد الطرفين منشغلًا في تحقيق ذاته واتباع شغفه، دائمًا هنا الأولوية للعمل والعائلة والأمور الأخرى تأتي لاحقًا، كأنها ملحقات.
حالة من الإعجاب والدهشة تسيطر على فريق عمل العراب، وهم يقابلون الممثل المحتمل لدور الدون “مارلو براندو”، بسبب هالة نجوميته وما يطلعهم عليه من أفكار في كيفية رؤيته للشخصية وشكلها الخارجي، انبهروا باللحظة الآنية وهو يتحول أمامهم. كان “تشارلي بلودورن” ضد اختيار براندو، لكونه ممثلًا شهيرًا وبالتالي سيطالب بأجر عالٍ جدًا وهذا ما يتعارض مع حجم الميزانية، وأيضًا بسبب نوبات غضبه التي كانت تحصل في مواقع التصوير. يعرض عليه فرانسيس شريط فيديو مدته 3 دقائق، فيعجب بعمل براندو ويثني عليه.
تزداد احتجاجات المجتمع الأمريكي الإيطالي بتحريض من سيناترا وبياجي، ما يعرقل عملية استئجار أحد البيوت الرئيسية للتصوير، يسمع “جو كولومبو” بذلك فيمارس عنفه وبطشه ويقوم باختطاف المالك وإرعابه، أراد بفعله هذا رد جميل أل رودي.
يلفتك رودي بإصراره ومواظبته على تحقيق حلمه في الوصول، وألفته تباعًا للممثل تيلر بهذا الدور، حتى جيوفاني بدور كولومبو يصبح أكثر روعة. دون أن ننسى التصوير السينمائي وعنصري الديكور والمكياج الذين يزجونك في عصر السبعينيات ويجعلونك تنجذب لما يعرض في العرض.
الحلقة الخامسة: تقبيل الخاتم
بعد موافقة “بوب إيفانز” على انضمام “آل باتشينو” إلى فريق الممثلين، ورفض الأخير بسبب التزامه بعقد عمل مع شركة "MGM"، يطلب رودي منه إبرام صفقة مع مدير MGM للحصول على آل باتشينو، يوافق على مضض، قبل أن يعرف أن العملية ستكلفه خسارة أحد كتب “هارولد روبنز”، المؤلف الذي تمتلك شركة باراماونت حقوق طبع ونشر أعماله.
أيضًا هناك شيء يحدث في باراماونت، فالأمور ليست على ما يرام، حيث قام رجل التسويق والمبيعات “باري لابيدوس” بعرض الشركة للبيع، هي بالنسبة له مكنة لدر الأرباح وهذا ما لم يحصل في الماضي، إلا أخيرًا مع فيلم Love Story.
وتستمر عصابات المافيات في إثارة البلبلة والفوضى والمشاكل، والتي يتسبب بها ماريو بياجي عضو الكونغرس، منها إلغاء التصاريح التي حصل عليها، ليقوم جو كولومبو بتهديده بتحريك رابطة الحقوق المدنية الأمريكية الإيطالية ضده. يخضع للأمر الواقع ويسمح بتصوير فيلم العراب.
التحضيرات والتخطيطات للفيلم ما زالت مستمرة، وفرانسيس لا يلتزم بمبلغ الميزانية المسموح به، حيث يطلب كل مرة شيئًا ما يراه أمرًا أساسيًا لأحد المشاهد ولا يمكن الاستغناء عنه، والفريق المالي يطالب أل رودي الالتزام وخفض التكاليف. يحاول بوب الضغط على تشارلي فيعطيهم عرضًا نهائيًا بقيمة 6 ملايين بشرط ألا يتجاوزوه.
وأخيرًا نشاهد في هذه الحلقة شيئًا يشبه تمارين الطاولة، حيث أراد فرانسيس جمع الممثلين على طاولة واحدة لتناول عشاء إيطالي، ليشاهدهم كيف يتفاعلون مع بعضهم البعض، تيقن حينها فرانسيس وأل أنهم سيصنعون تحفة فنية في تاريخ السينما العالمية.
تحذر بيتي رودي من الاختلاط المتكرر مع المافيا، لأن ذلك سيكلفه الكثير، وبالفعل يتصل جو به ويطلب مقابلته دون معرفة السبب، ليتفاجأ أنه دعاه لاجتماع عام لرابطة الحقوق المدنية الإيطالية والأمريكية بحضور الصحافة والإعلام ويقدمه لهم، وهذا سيعرضه لمشاكل جمة. ما يجعل مشاهدة العرض لساعة كاملة دون ملل هو السرد القصصي للأحداث الذي ينتقل بسلاسة بين الجانب الفني والجانب التجاري والجانب المافيوي للعرض. هنا نشاهد أكثر حلقة ممتعة إلى الآن، والجانب الفني هو الأكثر إثارة.
الحلقة السادسة: رجل الوقوف
كان حضور أل رودي لاجتماع رابطة الحقوق المدنية ومشاركة جو المسرح بمثابة إعلان وفاته، فوسائل الإعلام استغلت الخبر وقامت بنشره لتحقق الأرباح من خلاله. أدرك بوب إيفانز خطورة ما حصل، لذا يقرر السفر إلى نيويورك للتحدث مع تشارلي ولملمة القصة، لكن تشارلي مستاء جدًا وغير مستعد لسماع المبررات والحجج الغبية، هو يرى أن العراب أزمة حقيقية لباراماونت بيكتشرز، ولا يعنيه المأزق الذي تم وضع رودي فيه، لذا عليه فصله، كما يطلب من باري لابيدوس ترتيب لقاء سريع مع مشترٍ محتمل، قبل أن تنزل أسهم الشركة أكثر ووقتها لا مجال للتفاوض.
ستكون بيتي من غير أل رودي عاطلةً عن العمل، لذا يتوجب عليها إيجاد حل فوري للمعضلة التي تواجه العراب، الفيلم الذي ناضل رودي من أجله منذ لمعت الفكرة برأسه، عليها إنقاذ نفسها ومهنتها فلقد سئمت من تحكم الرجال بها. فكرة جريئة تدور برأسها، ما تنوي عليه يتطلب الكثير من القوة، حيث لم يسبق لامرأة أن أقدمت على هذه الخطوة، وهي مقابلة جو كولومبو ووضعه في صورة ما حصل مع صديقه أل رودي، وما تسبب به.
يلتقي تشارلي مع المشتري المحتمل، لكن عملية التفاوض تبوء بالفشل لأنه عرض عليه نصف المبلغ الذي عرضه سابقًا قبل وقوع الكارثة. يتحدث بوب إيفانز مع تشارلي ويُسمعه مونولوجًا عاطفيًا، يجدي نفعًا لاحقًا، أخبره أنه لم يلتفت لجني الأرباح من هذه الصناعة فقط، وإنما اهتم لكل المتعة والبهجة التي تمنحها الأفلام.
من المعروف أن المافيا تسيطر على النقابات وبمقدروها فرض إيقاف التصوير، وهذا ما تم فعله من أجل أل رودي، والذي يعيده تشارلي وأعلمه أنه يعطيه فرصته الأخيرة. ما يثير الدهشة في العرض السادس هو الممثل بيرن جورمان بشخصية تشارلي بولدورن والمزاجية التي تتصاعد خلال تواتر الأحداث، ويدخل على الخط في رفع مستوى The Offer الممثل ماثيو جود الذي يصنع كل مشهد بثقة مفرطة.
الحلقة السابعة: السيد المنتج
مع الحلقة السابعة من مسلسل The Offer نصل إلى كواليس تصوير العراب، صارت أغلب الأحداث تدور هناك، في مكان صناعة الفيلم الذي يدور حوله المسلسل، حبذا لو كان هناك تمثيل حقيقي وفعلي لبعض المشاهد الأساسية للفليم، وعرض أكثر من مشهد وكيفية صناعته خلف الكاميرا، وليس فقط التحضير لإكسسوارته كالحديث عن رأس الحصان وإن كان حقيقيًا أم لا كما حصل في هذه الحلقة، ففرانسيس مخرج يطمح للكمال ويريده حقيقيًا.
دائمًا ما يتمتع المخرجون بعقلية صعبة بعض الشيء، لا يعرف الجميع آلية التعامل معها والاندماج بسهولة، ولكن يبقى قبطان السفينة وربانها. أيضًا فرانسيس لم يكن لينًا في التعامل في البداية، لا يتنازل عن رؤيته الفنية في إخراج المشهد الدرامي، شاهدنا الجدال الذي وقع مع مدير الإضاءة، والذي كان على وشك الانصراف لولا تدخل أل رودي وإصلاح الموقف.
رأينا المؤامرات الجارية تحت الطاولة، ومحاولات باري لابيدوس أخذ مكان بوب إيفانز طمعًا بالسيطرة والسطوة والمكانة التي يمتلكها، ورغبته بإقصاء أل وفرانسيس من مهامهما حيث كان يطلب من الموظفين أرام وجاك أن يضعا يديهما على اللقطات الأولية لمشاهد كل يوم لعرضها على تشارلي، بهدف قلب الطاولة عليهما.
فبسبب ما تم تسريبه من لقطات تعود مشكلة أل باتشينو لتطفو على السطح، فتشارلي لم يعجب بمشاهدته، لذلك ارتأى أل بمشاركة فرانسيس التحضير لمشهد ماستر يبرز مقدرات أل باتشينو، حتى يتمكن تشارلي من رؤيتها في أثناء تصويرها، وفعلًا ينجحان بذلك. كما يأمر أل إتمام مشاهد باتشينو الأولى والمصورة وإضفاء التعديلات اللازمة عليها من إضاءة وغيرها.
لم يكن من الصعب إبهار تشارلي كونه لا يعرف كيف تسير الأمور، هو صورة عن المدير الذي يدخل حرفة الفن وهو لا يدرك الألف والباء فيها، وإنما يهمه العائد المادي.
في يوم آخر تتوطد علاقة أل مع جو، صار مقربًا إلى درجة أنه دعاه لمنزله وعرفه بزوجته، وحرص عليه أن يأتي في اليوم الثاني إلى تجمع الرابطة، لم يكن يعلم الاثنان أن هذه هي المحادثة الأخيرة بينهما. ما حدث في نهاية الحلقة الأخيرة ولو أنه كان متوقعًا إلا أنه صادم، حيث تعرض جو لعملية اغتيال بعد صعوده المسرح، لتنتهي الحلقة السابعة بإطلاق الرصاص على جو، وذهول أل رودي مما جرى.
في العرض السابع كل شيء تم تصميمه بعناية وجمالية خاصة، تم الاعتناء بأدق التفاصيل.
الحلقة الثامنة: عبور هذا الخط
ربما تسأل نفسك مع كل حلقة هذا ما كان خلف كواليس العراب، أم يوجد شيء من المبالغة لتحقيق عنصر الدراما؟
تشعر أحيانًا أن مسلسل The Offer يتكلم عن قصة ثانية لا علاقة لها بالعراب الذي أحببناه، ربما عمل آخر بنفس العنوان، فعلى الرغم من بعض النقاط الإيجابية للعرض والتسلية التي يحققها، إلا أنه لا يضاهي ربع العمل السينمائي الذي تم خلقه في سبعينيات القرن المنصرم، ولا حتى يستحضر روحه، لكن لا يمكن القول إن مسلسل The Offer ليس عملًا جميلًا.
يستيقظ أل رودي على كابوس الليلة الماضية، ما زال مصدومًا من هول ما حدث، للحظة نشعر أن جو كولومبو بات فردًا من عائلته، وللحظة أخرى نتيقن أن عدم وجوده سيكون نقمة. بعد أن حاول جو جالو التخلص من جو كولومبو راغبًا في مكانته ضمن المافيا، نشاهده يسعى لتملق عائلات المافيا ويخبرهم أنه سيجمع الأموال من فيلم العراب وستقسم بالتساوي، واعدًا أن عمله سيكون لصالح المنظمة.
يتفاجأ أل رودي ذات ليلة أن جالو ورجاله ينتظرونه في غرفته، جاؤوا ليطلبوا منه المال الذي كان يعطيه لكولومبو، لكن رودي لم يقم يومًا بتسديد مبلغ لقاء حمايته له، إلا أن جالو لم يصدقه وهدده بحياته ما لم يلتزم الدفع.
وسط كل هذا لا أثر لبوب إيفانز، كان يعيش حالة من الكآبة واللا مبالاة نتيجة أموره الشخصية وانفصاله عن حبيبته، ليس هنا الآن ليساعد الفريق، فرانسيس وكالعادة بحاجة إلى المزيد من المال، هذه المرة من أجل التصوير في صقلية، يريد مناظر ومشاهد حقيقية تناسب الحالة الفنية الدرامية للمشهد، لا يريد شيئًا مزيفًا يمكن العمل عليه وتحسينه.
بالطبع رودي دائمًا ما يحل مشاكل الفريق، والآن لديه فكرة تتيح له الحصول على بعض الخصومات على خدمات البائعين كما ضمن لهم أن يتعامل الاستوديو معهم في إنتاجات أخرى، لكن مشكلته الآن هي جالو الذي يرغب بالمال، إلا أن القدر يفرض كلمته، حيث قام ملثمون باقتحام مكان حفل ميلاد جالو وتم إطلاق الرصاص عليه وعلى الحضور، وبهذا تكون قضية صقلية حُلت.
إلى جانب الصراعات الرئيسة التي تجري هناك ما يعزز شعور الإثارة والرغبة في المتابعة وهو الحوارات والنقاشات التي تدور بين الشخصيات.
الحلقة التاسعة: من نحن
وأخيرًا يصل أل وفرانسيس وبيتي وفريق العمل إلى مدينة صقلية، مرة أخرى اضطروا للتعامل مع المافيا الإيطالية لأنهم يملكون المطعم الجالسين فيه، فيقرر أل المغادرة والبحث عن مكان بديل لا يقدمون فيه تنازلات ولا أحد يتحكم بهم. أعلمت بيتي أل أن بوب ما زال متواريًا عن الأنظار، وتشارلي يكاد يفقد صبره ويريد فصله. يعود في اليوم التالي أل وبيتي إلى الولايات المتحدة الأمريكية، علهم ينقذون الموقف.
أفراد كولومبو يسألون عن الموعد الخاص لعرض الفيلم، يرغبون بالتواجد في هذا اليوم لرؤية النتيجة التي خرج فيها، لكن رودي يعرف أن الاستوديو لن يسمح بذلك، وعليه إيجاد طريقة لأنه لا يستطيع قول لا. لذلك يقرر الذهاب خلسةً إلى نيويورك، وطلب من بيتي تأمين بكرات الفيلم للسفر بها، وإقامة عرض خاص لعائلات المافيا، والنتيجة أن الكل أحب ما شاهد وعلامات الذهول كانت واضحة على الأوجه في أثناء العرض.
تشهد الحلقة التاسعة انقلابًا في شركة باراماونت، حيث يقوم باري بإدارة مهام بوب بغيابه، ويبدأ بالاطلاع على النصوص وقراءتها من ثم رفضها، برأيه هي أعمال لا تستحق العمل عليها ولن تدر الأرباح للشركة إن تمت. هو رجل قوي بما يفهم ويشتغل، أي في مجال التسويق والمبيعات، أما السينما لا دخل له بها. أراد تغيير سياسة بوب المتبعة لأنه لا يحبه، وأراد العبث في فيلمه العراب واقتطاع 30 دقيقة من وقت الفيلم، بحجة أنه لا يناسب وقت عرض الصالات، فالمدة الزمنية ستقلل من فرصة عرض العمل أكثر من مرة في اليوم الواحد.
يحاول أل إعادة بوب إلى الحياة، بعد أن أقلع كل شيء والتجأ للإسراف في شرب الكحول والمخدرات، رغب بعودته لأن العراب مشروعه أيضًا، وبدونه سيتم العبث بجهد الفريق وأحلامه وطموحاته بصناعة فيلم يحدث ثورة في عالم السينما، وستغدو النتيجة عادية بل مسيئة إن ترك لباري الحرية في العبث بما تم صنعه.
يستيقظ بوب إيفانز من غفوته الطويلة، ويفاجئ الجميع اقتحامه الاجتماع الذي يناقشون فيه الملصق الدعائي للفيلم، ويقول وجهة نظره حول الملصق والمدة الزمنية للعرض، والتي تدعم رؤية فرانسيس الفنية، وأن على تشارلي الوثوق بفرانسيس. كان تشارلي دائمًا معجب ببوب وبسحره وقدرته على تحويل كل شيء لذهب، وكلامه لا غبار عليه، يجيد الحديث عن السينما لأنه يفهمها ويحبها ويقدر الصناعة، لعلمه بأنها قادرة على تغيير التاريخ وكتابته.
الموضوع الأكثر أهمية الذي تم طرحه في العرض التاسع هو الحالة التي تفرضها الاستديوهات على المخرج في كيفية خروج عمله الفني، وإلزامه أغلب الأحيان بالخضوع لرؤيتهم بحجة أن هذا هو المناسب للجميع، أو الأكثر دقة هذا ما يضمن تحقيق الأرباح، دون الالتفات للجانب الفني.
الحلقة العاشرة: العقول والكرات
تنقلنا أحداث الحلقة الأخيرة من سلسلة مسلسل The Offer الشيقة، إلى الأيام واللحظات التي سبقت إطلاق فيلم العراب سينمائيًا، وما أعقبه بعد انتشاره في الصالات. صار بوب إيفانز وباري لابيدوس بعد أزمتهما الأخيرة أكثر نضجًا ومسؤولية في علاقتهما المهنية، فهما يعملان من أجل باراماونت بيكتشرز، كان الاثنان منغمسين في إيجاد التوقيت المناسب لإطلاق العراب في دور العرض، لا يمكن أن يكون التوقيت في عيد الميلاد ولا عيد الحب حتى، فهناك فيلمان منافسان يحجزان هذين التاريخين، وعلى العراب أن يكون متصدرًا.
لهذا أجل الإطلاق إلى شهر مارس/آذار، وهم بحاجة إلى فكرة غريبة لضمان الصخب والضجة الإعلامية للفيلم، فكانت لباري فكرة ساعده فيها بوب لإقناع تشارلي، وهي حجز أكبر عدد ممكن من المسارح، ليتسنى للجميع المشاهدة في وقتٍ واحد.
كان لدى تشارلي رغبة بحضور وزير خارجية الولايات المتحدة “هنري كسينجر”، وتمكن بوب من تحقيق هذه الرغبة له. حدث إطلاق العراب كان استثنائيًا ومبهرًا، والنتائج كانت على قدر التوقعات، كما تحصل لاحقًا على 11 ترشيحًا ضمن جوائز الأوسكار ال 45.
بعد ليلة الأوسكار والنجاح الساحق الذي حققه صناع العراب والتكريمات التي حصلوا عليها، يقرر أل رودي تغيير مساره الفني قليلًا، هو لا يريد أن يكون في العراب 2 وأعلم بوب بذلك، لديه رغبة في خلق تجربة جديدة ونجاح جديد، ورواية حكاية جديدة وضع قصتها بنفسه، قصة تتكلم عن شخص مسجون وضعيف يعيد اكتساب كرامته واحترامه لذاته في أثناء احترافه لعبة كرة القدم. طلب منه إيفانز أن يؤجل مشروعه قليلًا، فهو يتطلع لاستثمار نجاح دراما الجريمة العراب وتحقيق المكاسب المادية، إلا أن أل رفض وأقنعه، أراد أن يلحق حدسه الذي يثق به والذي جعله اليوم ما هو عليه.
تبين الحلقة الأخيرة من مسلسل The Offer أهمية التسويق في عملية صناعة المنتج السينمائي، التسويق ربما يكون يضاهي النص والإخراج، كما يثبت أن صناعة الأفلام عملية تشاركية لا يمكن استثناء جانب منها. يعود الفضل في هذا العرض للممثلين الذين قدموا أداءً فعالًا وحقيقيًا، وإن شعرنا أحيانًا أنه لا يوجد الكثير من العراب أو أن العمل ليس عنه بالدرجة الأولى، ومع ذلك لم يكن صنع التحفة السينمائية مهمة سهلة.
ويبقى السؤال الأكثر طرحًا، هل هذا ما حدث بالفعل في الأمس البعيد؟
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.