10 أيام من حياة رجل طيب.. رحلة البحث عن الحقيقة والذات من الأدب للشاشة!

10 أيام من حياة رجل طيب - 10 Days of a Good Man فيلم تركي جديد على نتفلكس، مقتبس عن رواية من الأدب التركي للكاتب "محمد إيروغلو" تحمل العنوان نفسه أيضًا، وربما هذا السبب الأول الذي يدفعك لاختياره على عملاق البث التدفقي Netflix، ومشاهدته.

لطالما تمتعت الأعمال السينمائية المستقاة من عالم الرواية، بشعبية واستحسان كبيرين لدى الجماهير، على الرغم من أن النتائج لا تكون مرضية غالبًا عند الكل، فالإنتاجات السينمائية تتبع أهواء مخرجيها ومنتجيها، ورؤيتهم الفنية، ولو كان النص الذي قرروا بناء طموحاتهم الفنية عليه ليس نصًا أصليًا، أي يكون عملًا مقتبسًا.

الكثير من أفلام الاقتباسات جاء قرار تنفيذها بعد الشهرة الكبيرة التي حققتها على صعيد المبيعات، كنصوصٍ أدبية، وبعضها لا. ربما البعض الآخر تستهويه فكرة إحياء الكلمات، وتحويلها لصورة فنية إبداعية من لحمٍ ودمٍ، ومشاركة الخالق الأدبي عملية الخلق، لكن سينمائيًا.

رواية "عشرة أيام من حياة رجل طيب"، ليست من الروايات المعروفة في عالمنا العربي، لا أعلم مدى شهرتها في بلد المنشأ، لذلك فالحكم على الفيلم سيكون من حيث صناعته كمادة سينمائية فقط، دون أية مقارنات.

الطيبة، ليست دومًا صفة حميدة، تحديدًا إن امتلكت حياة غير تقليدية، واضطررت للتعامل مع أناسٍ لا توجد تلك الصفة في قواميس دنيا بطشهم وجرائمهم، واستثماراتهم اللا إنسانية.

"صادق" هو ذاك الرجل الطيب الذي تدور حدوتة الفيلم عنه، هو طيب نعم لدرجة تشعر بها أنه يميل إلى السذاجة قليلًا في البداية، لكن لا، يتمتع الرجل بشخصية عنيدة، وإرادة قوية، وسرعان ما تكتشف صفاته هذه. هو عالقٌ في الماضي الذي قلب حياته، وحوّله من رجل قانون إلى محقق خاص عند الطلب. غرامه في التحقيقات وملاحقة خيوط القضايا والجرائم، يكون جليًا لنا، من خلال هوسه في شخصية المحقق "فيليب مارلو" الممثل "إليوت جولد" ضمن فيلم "The Long Goodbye".

في فراغه، هو شخصٌ حالمٌ، يتصور نفسه في أحلامه على جزيرة استوائية، في قاربٍ يجمعه مع فتاةٍ جميلة. تعتقد أنها حلمٌ لم يطله، أو علاقة حب تصدى لها الموت.

لكنها الماضي البائس، والحب الذي قسم روحه، ولو ظهر بابتسامة خفيفة جميلة، فصادق لديه من الجاذبية ما يضاهي طيبة قلبه، ولهفته على إغاثة من يطرق بابه، حتى وإن لبس سترته التي تعد راكورًا لكل من يمتهن مهنة "التحري الخاص".

للنساء مكانة في حياته، هناك "رزان" طليقته، وشريكته في مهنة المحاماة. ذات مرة تعرضت لمشكلات قانونية، وطلبت من صادق المثول أمام القضاء، وتحمل عواقب ما اقترقت من أخطاء. والمكافأة التي حصل عليها هي أنها تخلت عنه وتزوجت من رجل ثري.

وأيضاً جارته "فاطمة"، العاملة في الدعارة، هي نصف عمره، وشبه ملازمة له في المنزل، لكن دون تقديم أي خدماتٍ جنسيةٍ لجارها الشهم الطيب، على الرغم من أنها تجده رجلها. هي علاقة قائمة على الاحترام، والحاجة، ومن ثم الرغبة.

أما الشخصية النسائية الثالثة، هي صديقته المحامية "ميدي"، والتي أرادت منه استلام قضية اختفاء "توفيق"، ابن جليسة الأطفال ييتر.

في أثناء رحلة الاستقصاء عن الشاب توفيق، يدرك أنه أمام قضية خطيرة أطرافها رجال المافيا، ولا تقتصر على الخطف، بل هي متشعبة لها علاقة بالجنس والاتجار بالبشر.

هل سيخرج "الطيب صادق" من هذه المهمة كما دخل إليها، أم هناك نهج جديد سيتبعه؟

هناك عدة عوامل تدفعك لاختيار فيلم 10 أيام من حياة رجل طيب، وتفضيله على غيره لتمضية سهرة الخميس، أو سهرة أي يوم آخر.

في البداية النص لا يحاول أن يأخذ دور الواعظ، ولا يتغنى بالأخلاق والفضيلة حتى، بل هو فيلم تشويقي يستعرض حياة رجل خسر عمله كرجل قانون، نتيجة الحب، ولاكتسابه قدرًا عاليًا من صفات الشهامة والرجولة، ثم يصور لنا سعيه الدؤوب للحفاظ على أخلاقه وإنسانيته، على الرغم من القاع الذي سقط فيه. هو لم يتورط، إنما يمارس العمل الأحب إلى قلبه، لكن هذه التجربة تؤثر عليه، وتدفعه للميل قليلًا عن خط النزاهة، لا أحد يبقى محافظًا على نظافته في ظل ما اختبره بطلنا صادق.

تم بناء القصة وسردها بشكل جيد، كدراما تشويقية تتطرق لمسائل مهمة، إلا أن عملية الاتجار بالبشر تمت معالجتها بشكل سطحي. وتمت كتابة الحوارات بأسلوب بسيط، ممتع نوعًا ما، ولكن كان يحتمل بعض التعقيد، في ظل التقلبات التي تواجه الحكاية. كما حافظت القصة على جانبها الآمن، فهي لم تبالغ بمشاهد الجنس والعنف الإجرامي.

على صعيد التصوير السينمائي ولغة الصورة، تم اعتماد صورة بصرية لافتة، وكأن صناع الفيلم يريدون أن نعتقد أنه صُور في أمريكا، وليس في إسطنبول وما حولها، اختيار الكادرات كان موفقًا، وبالتالي كل شيء احترافي هنا. أضف إلى ذلك الموسيقى التصويرية المعتمدة، ودورها في تحقيق المتعة في المشاهدة.

التمثيل كان جيدًا جدًا من قبل الممثل "نجاة إشلر"، مقنعًا بجديته ومرحه ودماثته، وشغفه لما يفعل. أما ما تبقى من شخصيات، فقد تراوح حضورها ما بين المقبول والمتهالك.

من المرجح أن يتم إنتاج أجزاء أخرى من هذا الفيلم السينمائي، فالكاتب محمد إيروغلو قدم روايته عبر ثلاثية، الأولى كانت 10 أيام من حياة رجل طيب، ثم تلاها 10 أيام من حياة رجل سيئ، و10 أيام من حياة رجل فضولي. أي أن حكاية البطل ستشهد الكثير من التطورات والتصعيدات الدرامية.

هل تحمست لمتابعة هذا الفيلم ومرافقة صادق في مواجهته مع أخلاقياته، ورجال المافيا؟ هيا أخبرنا بذلك.