فيلم «1922»: نيتفليكس وتجسيد جديد لأعمال ستيفن كينج الرصينة
5 د
من المعروف عن كاتب الرعب الأمريكي الشهير ستيفن كينج، أنّ أعمال الرعب خاصته جميعها لا ترتكن إلى الرعب الدموي والأشلاء المتطايرة دون داعي، فأغلب أعماله تعتمد على الرعب النفسي، وكيف يمكن لأبسط المشاعر البشرية أن تكون كوابيسًا مروّعةً لأصحابها عندما تتملكهم وتسيطر عليهم أيّما سيطرة، اليوم معنا فيلم من إنتاج شركة نيتفليكس التي اقتحمت عالم المرئيات بقوة في الآونة الأخيرة: فيلم 1922. هذا الفيلم المقتبس عن الرواية القصيرة التي تحمل نفس الاسم لستيفن كينج، ويُعتبر الفيلم التجسيد المادي لها في 2017، بينما تم نشر الرواية في 2010. الآن هيا بنا نتحدث عنه قليلًا.
القصة
القصة تتمحور حول ويلفريد جيمس الذي ترث زوجته عشرات الفدادين الزراعة التي يضمها بدوره إلى أرض منزلهم، وتصبح بذلك رقعتهم الزراعية تساوي 180 فدانًا بالكامل. يعشق ويلفريد أعمال الأرض ويحب أن يراها مزدهرةً، وتُعطيه محاصيلًا ناضجةً كل عام، ويطمح في النهاية بأن يرث هينري ولده المراهق كل ذلك بعدما يكتنفه الثرى. لكن زوجته لا تحب حياة الريف وتريد العيش بالمدينة وتبيع الأرض لتأخذهم جميعًا هناك معها، يرى ويلفريد أنّ ذلك دمار لعائلته ولابنه على وجه الخصوص. لذلك، يقرر استغلال تصرفات الأم التعسفية بعض الشيء تجاه الولد كي يرسخ بداخل ذهنه الفكرة التي يريد تنفيذها، فإذا لم تكن الأم موجودةً، ستصبح الأرض كلها ملكًا لهم ليعيشوا حياةً سعيدةً ورغدةً. الآن يخططان لقتل الأم في فراشها! والآن لن يصير أي شيء كما كان أبدًا!!
انطباع عن القصة
المميز في القصة هو الغرابة، فالمؤلف لم يوضح حقيقة ما كان يحدث للبطل إذا كان حقيقيًّا أم لا. هل حقًا تحدث الخوارق لتحيل حياة البطل إلى كابوس متجسّد، أو مجرد هلاوس سمعية وبصرية هي التي جعلته في هذه الحالة مزريةً؟ هذا ما تركه الكاتب لنخمنه دون أي مدلول عليه.
أعجبني بالقصة التصاعد الدرامي البارز والمنطقي. بجانب أنّ أسلوب حكي القصة – Story telling في حد ذاته كان على لسان بطل الأحداث، وليس كما يفعل الكثيرون ويجعلون البطل يروي دون مسوغ. لذلك، فستيفن كينج جعل البطل يسترجع ذكرياته ويتجرع غصص الألم والحسرة، بينما هو يُدوّن ماضيه المشؤوم الذي أوصله إلى هذه النقطة بعينها التي يسرد فيها لنا حكايته بمزيج من الحزن والنزعة الجليّة نحو الخلاص.
الجزء الآخر الذي أعجبني بالحبكة، وجعلني أقول منذ البداية أنّ هذا لن يكون فيلمًا تقليديًّا، هو أنّ البطل صرّح منذ المشاهد الأولى أنّه يؤمن بشيء معيّن، فيؤمن أنّ بداخل كل “رجل” يوجد “رجل” آخر متآمر ودنس وقاتل يدفعه نحو تنفيذ أفعال لا يريدها الرجل الأصلي. إسقاط النوازع الدفينة والشريرة على كيان آخر، برهن لي أنّ البطل ذاته لم يكن يريد ذلك من الأساس، لكن الإغواء أقوى من أي شيء، كما أنّه عندما يتحدث عن مراحل سير خطته لنا، كان يقول أنّ الرجل الآخر استغل هذه الفرصة وقام بكذا وكذا وكذا، كما أنّ البطل دائمًا ما يخاطب نفسه أو ابنه قائلًا: “الرجل”، فهو لديه اعتقاد راسخ بأنّ الرجل هو الذي يجب أن يتحمل كل المسؤولية، ويجب أن يتخذ القرارات الصارمة في الوقت الذي لا يوجد شخص آخر يستطيع اتخاذها دونه.
الشخصيات
الشخصيات محدودة في هذا العمل، مما أعطى فرصةً للكاتب لتسليط الضوء عليهم جميعًا بالتساوي، فحتى الشخصيات التي ماتت في الأحداث، وجودها الفعلي لم ينتهِ خلال مراحل القصة. من الشخصيات التي أعجبني البناء الخاص بها هي شخصية هينري الولد المراهق، فأفعاله كانت تتناسب تمامًا مع مرحلته السنية المتقلبة، ففي البداية لم يكن يريد أن يفعل ذلك بأمه، لكن الضغوطات الناجمة عن تأثير والده والأفعال غير المقصودة منها، نتج عنهم موافقته على هذه الجريمة بل والاشتراك فيها، وذلك الفعل جعله مع الوقت يدرك أنّه كانت هناك طريقة أخرى، ويصير بذلك كارهًا لوالده وعاصيًا لتعليماته. التطور والتصاعد الدرامي الخاص بشخصية هينري حقًا أعجبني.
التمثيل
نحن شاهدنا الممثل توماس جان – Thomas Jane في كثير من الأعمال السابقة، والتي يمكن أن يكون أبرزها هو مسلسل The Expanse الشهير، الأداء الخاص به في هذا الفيلم ستحكم عليه بالفشل إذا كنت شاهدت النصف الأول فقط وبنيت عليه تقييمك، لكن عندما تُكمله ستجد أنّ الأداء التمثيلي تطور بشدة وناسب مرحلة الذروة التي وصل إليها البطل خلال تصاعده الدرامي بالأحداث، كما أنّ الممثل الشاب ديلان سكيميد – Dylan Schmid قام بدور لم يتطلب منه الكثير من الجهد، لكن كانت هناك بعض المشاهد التي وجب فيها أن يُظهر تعابير وجه معينة وأداءً تمثيليًّا صارمًا، وبالفعل أظهرها وأدّاها ببراعة، أمّا سائر الشخصيات الثانوية فكان تمثيلها متوسط الجودة من وجهة نظري.
الإخراج
ليس بالخارق أو المزري بل كان متوسطًا. لم تكن هناك مشاهد ذات لمسة إخراجية مميزة، كنت أتوقع في بعض المشاهد الخروج والانتقال منها إلى مشاهد أخرى بطرق أكثر ابتكاريةً، لكن ذلك لم يحدث، فالإخراج كلاسيكي نوعًا ما، ولم يكن بالدرجة المتوقعة.
الموسيقى
الفيلم لا تتواجد به موسيقى نهائيًّا تقريبًا، فجميع الأحداث متتابعة ومتلاحقة ولا توجد مساحة لبعض الموسيقى التصويرية التي قد تُعيق ذلك التتابع لكونها تعمل في خلفية مشاهد درامية طويلة وقوية، كما هي العادة مع جميع الأفلام. يمكن أن تكون هناك بعض المقطوعات الخفية هنا وهناك، لكن وتيرة الفيلم لم تجعلني كمشاهد ألحظ وجودها أبدًا.
رأي شخصي
فيلم متوسط يجسد قصةً قويّةً ونفسيّةً إلى أقصى حد. لن أقول عنه عملًا رديئًا، لكن كان يمكن لنيتفليكس كشركة إنتاجية ثرية أن تجلب مخرجًا أكثر حنكةً ليكون العمل أكثر تأثيرًا على المشاهد. بالمُجمل لم يكن مضيعةً للوقت، لكن كان يمكن أن يكون أكثر قوّةً مما هو عليه.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.