لا تحني الظهور سوى خيبات الأمل الثقيلة … مراجعة فيلم The Glass Castle

بوستر فيلم the glass castle
عليـاء طلعـت
عليـاء طلعـت

4 د

تقييم الفيلم:

في بعض الأحيان نجد أنفسنا في حيرة كبيرة كمشاهدين أمام أفلام تقدم قصصًا معادةً ليس فيها جديد، لكن نتعاطف معها وتعجبنا ولا نستطيع نقدها بقلب مرتاح. فيلم The Glass Castle أحد من هذه الأفلام.

فيلم The Glass Castle إنتاج 2017، بدأ عرضه في أغسطس هذا العام، إخراج ديستين دانيال كريتون الذي شارك في كتابته أيضًا مع أندرو لانهام، وهو مقتبس من مذكرات الصحفية الأمريكية جانيت والاس التي نشرتها عام 2005 تحت نفس العنوان.

تبدأ الأحداث بالصحفية الناجحة جانيت “بري لارسون” التي تجلس مع خطيبها في عشاء عمل بمطعم فاخر، تذهل العميل وصديقته بخفة ظلها وتعليقاتها الذكية وروحها المرحة، وقصة والديها المهندس والفنانة المحترمين، ولكن ما أن تخرج من المطعم نجدها تصدم في إحدى الشوارع مع مشرد وزوجته، ونكتشف بعد ذلك أنّهم والدها ووالدتها الحقيقيان.

صورة من فيلم the glass castle

لمعرفة القصة وراء ذلك نعود في الكثير من مشاهد الفلاش باك لنتعرف على الأسرة الكبيرة المكونة من الرجل الذكي ذو الخيال الواسع والرؤية المختلفة للعالم ريكس “وودي هارلسون”، وزوجته الفنانة البوهيمية روزماري “ناعومي واتس” اللذين يعيشان في منزل فقير في الغابة، لا يكادوا يجدون الطعام لليوم ذاته؛ وذلك بسبب تنقل العائلة من مدينة لأخرى، فالأب لا يستطيع البقاء في عمل لعدة شهور لعدة أسباب منها: إدمانه على الكحول، وشخصيته الحادة، وروحه التي تأبى الاستقرار، ليعيش أولاده طفولةً مأسويةً لا يخفف من وطِئها سوى حلم القلعة الزجاجية التي يعدهم والدهم أن يبنيها لهم يومًا من الأيام.

فيلم The Glass Castle وفيلم captain fantastic

لا يمكن ألّا يعقد المشاهد مقارنةً بين قصة هذه العائلة، وعائلة أخرى شاهدناها العام الماضي في فيلم Captain Fantastic  بطولة فيجو مورتيسن الذي ترشح عن دوره هذا لجائزة الأوسكار، حيث قدم هذا الفيلم أيضًا قصة عائلة اختار الوالدان فيها تربية أولادهما بصورة مختلفة، يعلماهما بصورة عملية، ويتنقلان من غابة لأخرى حتى تتعرض المسيرة لمأساة كبيرة تهز إيمانهم بحياتهم هذه.

ربما هذه المقارنة ما جعلت الكثير من التقييمات ليست في صالح فيلم The Glass Castle، فيصعب أن يتقبل النقاد أو المشاهدون قصتين بهذا التشابه في عامين متتاليين، ولم يشفع للفيلم أن خطة عمل الفيلم استمرت لسنوات قبل ظهوره للنور، وتنقل من يد ليد حتى تم إنتاجه.

بري لارسون فيلم The Glass Castle

القصتين موجعتين للقلب لا يستطيع المشاهد المرور عليهما مرور الكرام، ربما أعطى مصداقية قصة الفيلم الأخير – وكونه مقتبس من مذكرات امرأة عاشت هذه الطفولة المريرة، واستطاعت أن تتصالح معها في مرحلة النضوج – المزيد من الثقل الأخير، ولكن تبقى نقطة القوة الأهم به هي الأداء، فقدمت بري لارسون أداءً لائقًا بموهبتها التي أظهرتها سابقًا في أهم أدوراها فيلم Room، تنقلت فيه ما بين قوة المرأة المستقلة الناجحة، وضعف المرأة التي لا تستطيع الفكاك من ماضيها، ولا مسامحة وغفران من أذوها وهم أقرب الناس لها، فتقع في حيرة شديدة تجعلها مصفدة اليدين والقدمين في حضرة الماضي.

وقدمت دور البطلة جانيت في مرحلة المراهقة إيلا أندرسون التي أظهرت أداءً رفيعًا نافست فيه كل من لارسون وودي هارلسون، بينما خطف هارلسون الأنظار في كل مشهد ظهر به، وأجاد تقديم شخصية الأب ريكس، العبقري حينًا وعبد الكحول حينًا آخر، صاحب ماضي ثقيل أيضًا حاول الهرب من سطوته بين أحضان عائلته الصغيرة ومحبة زوجته، ولكن ظل يعيده لنقطة الصفر كلما غلبه الضعف ولو لحظات، ما يجعلنا نعقد المقارنة بين الأب والابنة، فكلاهما يحمل رصيد من الذكريات القاسية الكفيلة بتدمير الحاضر والمستقبل، لكن أحدهما استطاع تحطيم هذه الحلقة الجهنمية بينما استسلم لها الآخر.

وجاء أداء ناعومي واتس ناعمًا مناسبًا لدور الأم الفنانة، مهزومة الماضي أيضًا التي لم تجد التقدير سوى مع زوجها، فظلت تحمل له خليطًا من العشق والامتنان جعلها تغفر كل هناته وأخطاءه الكبيرة قبل الصغيرة.

صورة من فيلم The Glass Castle

ومن عيوب النص الكبيرة عدم تمهيده في تقديم النهاية، فقد ظل يشحن المشاهد طوال الأحداث ليعطيه في النهاية رسالة مخالفة تمامًا، ما جعلني أشعر بالخيانة، وعدم المنطقية، وعلى الرغم من أنّ النهاية كانت حقيقيةً كما جاءت في المذكرات، فبالتأكيد مقدماتها كانت أكثر منطقيةً مما جاء على الشاشة.

الإخراج في الفيلم جاء باهتًا لم يقدم ديستين دانيال كريتون ما يلفت الأنظار، فقد جاء كل مشهد عاديًا متوقعًا، ولن أستغرب هذا بعد المعالجة غير القوية للنص الأصلي التي أشرف عليها.

بينما التصوير كان لافتًا للنظر خاصةً في المناطق الطبيعية التي تم تصوير بها نسبة كبيرة من مشاهد الفيلم، وأيضًا تصميم الملابس كان متقنًا في إضفاء صبغة فترة الثمانينات على بطلته.

في النهاية فيلم The Glass Castle على الرغم من عيوبه الكبيرة لازال فيلمًا رقيقًا به تمثيل راقي يغفر كل ذنوبه، ويجعله بالفعل يستحق المشاهدة.

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.