مسلسل 2020: لماذا أحببنا إنسانية المجرم قصي خولي وشر النقيب نادين نسيب نجيم؟
7 د
“بتحبيني؟”..تسمع “صافي/قصى خولي” يرددها في النصف الأول من مسلسل 2020 وأنت تدرك أن ما تخفيه “سما/نادين نسيب نجيم”، تفضحه ملامح “حياة/ نادين نسيب نجيم”، ربما في البداية تكون على مقربة من الحقيقة المستورة، إلى أن تتركك إجابة السؤال ذاته في الحلقات المقبلة، متأرجحًا بين مشاعر اليقين والشك؛ تارة عَبر الإلقاء الصوتي الاستنكاري وآخر الانهزامي.
ثنائية يجمعها القدر ويرسم ملامحها على الشاشة منذ انطلاق شارتها على صوت اللبناني زياد برجي، والتي تجزم أنه دومًا “بيختلف الحديث بين المسرح والكواليس، يلي فكرتن أحلام طلعوا كوابيس”، حتى نشاهد أمامنا طرفين متنافرين، يسعى كلاهما لتحقيق العدالة من منظوره الخاص، لكن قوة خفية تشتعل وتحول دون إتمام مهامهما، يعذبان ولا يستطيعان منعها، دائرة استثنائية محفوفة بالمخاطر ولا يأمنها سوى الحب.
تأسيس ماضي البطلين “صافي” و”سما”
هذه المعضلة التي تعقدت مع مرور الحلقات الأولى من مسلسل “عشرين عشرين”، حينما اتجهت النقيب “سما” للحارة بشوارع بيروت، متنكرة في هيئة الفتاة الشعبية، الشقية، الجريئة “حياة”، مندسة لأجل العملية “2020”؛ رغبة في الانتقام لوفاة شقيقها، على أيدي أفراد عصابة “الديب”، أحد أخطر الفرق الإجرامية التي تتاجر في الممنوعات والمواد المخدرة.
والذي سبقه مقتل زوجها تبعًا لقضية وعصابة أخرى؛ تجربتان مريرتان كانتا السبب الرئيسي في تفكيرها بأن تترك عملها وتتفرغ لابنتها “ميرا” عقب انتهاء مهمتها، والتي وصفتها منذ الحلقات الأولى بـ “الأخيرة”.على الجانب الآخر، نرافق “صافي” نسل هذه العصابة، الذي ظل ساكنًا مع والدته وسط أهل الحارة، بعد فرار كل أهله المطاردين منها، تحت ستار تجارته لبيع الخضروات والفاكهة نهارًا، واستكمال مسيرة تهريب الممنوعات من خلال المهنة ذاتها ليلًا؛ مستغلًا عمالة نسائية غير معروفة الهوية أو الجنسية، تقيم في قبو داخلي تحت الأرض.
تغيير نبرات الأصوات خاصة وقت المصارحة والبكاء والمواجهة، الاعتماد على عضلات الوجه والتعبير الحركي، تقليل الجمل الحوارية والاعتماد على نظرات العينين، كلها عناصر ساعدت “قصي” في التعبير عن مشاعر “صافي” بصدق عابر للمشاهدين، ودعم “نادين” في رسم بورتريه صعب لشخصيتين متداخلتين دراميًا، ظاهرهما يدعى “حياة” وباطنهما يسمى “سما”.
مسلسل “عشرين عشرين” يجمع بين صراع الذات والحاضر
التأسيس الجيد للشخصيتين الدراميتين “سما” و”صافي”، اتضح بالتعرف إلى ماضيهما بين عالمي الشرطة والإجرام، وعلاقتهما القوية بعائلاتهما، ثم الانخراط في حاضرهما المتأجج بمشاعر الاضطراب والحيرة، أثناء اقتحام الثانية عالم الأول؛ بينما هو شخصية ليست سهلة، تحمل من التساؤلات والشكوك ما يجعلها تسلك في طرق وعرة مثلما يماثلها لهذه التجارة غير المشروعة.
اعتمد سيناريو وحوار بلال شحادات وندين جابر، على تعرية شخصية “صافي” طوال الـ 15 حلقة الأولى، لتتكشف الجوانب الإنسانية المخفية عن تحقيقات الحكومة، من خلال مرافقة “حياة” له أثناء جولاته لزيارة الأيتام ورؤية مواقفه وتبرعاته ودعمه للفقراء، لتبرز ملامح أخرى مخفية عن تحقيقات الشرطة والوثائق الرسمية.
تتصاعد الأحداث وتبدأ الأزمة الدرامية الحقيقية مع كشف “صافي” وعائلته لـ خطة النقيب “سما”، دون علم الأخيرة والتي كانت بدأت في الوقوع بغرامه بالفعل، وخوض معركة سرية أخرى بالنصف الآخر من حلقات مسلسل “عشرين عشرين”.
والذي كشفته “سما” بداية مع مشاهدها في الحلقة العشرين، بصراعها مع ذاتها التي تلومها على انحراف مشاعرها في هذه المهمة الرسمية وتشتتها بين حقيقة مشاعرها وما يفرضه عليها واجبات منصبها؛ معبرة عن ذلك بالتبرير الإيجابي لبعض أفعال “صافي” ونيته وبكائها منفردة في غرفتها.
هذا القدر من التناقضات التي حملتها الشخصيتين الدراميتين؛ منحصرة بين ملامح صراعها مع الذات والحاضر، جعلتهما يتقاسمان كل شيء بمقدار متساوِ؛ الحب والخطيئة والذنب والمصير.
المشاهدون هنا ليسوا متفرجين فحسب بل متلقين إيجابيين؛ يشاركون منذ اللحظة الأولى؛ يتعلقون ويفكرون ويرون التدبير والتنفيذ والمراوغة والهروب بين طرفي المعادلة، والتي يزيد من حدتها شدة ذكاء الجهتين.
تحطيم التابوهات: رفض العدالة بسبب الحب
قصة الحب الغريبة التي جمعت بين طرفين متنافرين في الحقيقة “الشرطة والإجرام”، والتي حطمت الكثير من التابوهات السياسية والاجتماعية المعروفة بشأن الطبقات الاجتماعية والزواج والظروف وشرط موافقة الأهل، زادت من عنصر الجذب لحكاية هاتين الشخصيتين الدراميتين.
والسير على هذا النهج ضمن الحبكة الدرامية الخاصة بمسلسل “عشرين عشرين”، حتى تصطدم بمقارنة أكثر شراسة بين الحب والعدل، صار ضحيتها اثنين؛ يكرهان العدالة بسبب الحب؛ فيرفض “صافي” تركها للموت على الرغم من وقوعها فريسة في منزل أهله، ونبذه للعدالة التي يطلبونها بمقتلها؛ ردًا على خداعها ومراوغتها لهم.
بينما تعترف “سما” بحبها له مرتين؛ بعد انكشاف حقيقتها أمامه؛ أولهما في المواجهة وهي مكبلة الأيدي بالحلقة الـ (24)، مشيرة له بوقوعها في غرامه ومراهنتها على خسارة وظيفتها بسببه، وثانيهما أثناء محاولته لإنقاذها من الموت، بعد إصابتها برصاصة نارية، داخل السيارة التي نقلتهما للدكتور في الحلقة الـ (26)، محطمة هي الأخرى حواجز العدالة رغبة في المحافظة على هذا الحب.
خلق هوية درامية للشخصيتين الرئيسيتين
“يا عفو الله” و”منهنهة”.. رافقت اللازمتان “صافي” و”حياة/سما” طيلة الأحداث الدرامية لمسلسل “عشرين عشرين”؛ حيث تحمل الأولى جزءًا من التفسير الفعلي للشخصية الحقيقية التي يخفيها “صافي”، ولا تتركه سواء في الأوقات العصيبة أو المفرحة، والتي أجاد “قصي” إلقاءها وكأنها جملة لحنية يلقيها بطريقة خاصة بحسب مشاعره بكل موقف.
أما “منهنهة” التي اختارتها “سما” لتكون الوصف المفضل لـ “حياة” في أسعد أوقاتها أو عما يعجبها، استطاعت أن تعبر بطريقة ما عن تلك الأنثى المرحة والمتفائلة، البسيطة، كثيرة التبسم، التي تعلق بحبها “صافي” وساعدتها لاحتلال مكانة هامة ضمن سكان الحارة، تجعلها الأقرب من تحقيق هدفها والإيقاع بقائد العصابة المراوغ.
النجاح في خلق هوية درامية خاصة لـ “صافي” القوي والشجاع، المعبر عن حبه بعينيه وعضلات وجهه، وذكائه بردود أفعاله، والمحجبة “حياة” الاجتماعية والشقية والمرحة والحنونة، والأم “سما” ذات النظرة الثاقبة والفطنة والقوية والشجاعة والجريئة، تجعل المشاهدون يتعلقون بالشخصية الدرامية ذاتها، سواء عن طريق تحديد اللازمات أو الأداء، فيما دعمت أزياؤهم الشعبية، الهيئة التي يطلون بها؛ والتعريف الأول أو الظاهري لمفاتيح شخصيتهم.
أقرأ أيضًا: ماريتا الحلاني تتحدث لـ أراجيك فن عن كواليس مسلسل 2020 وأعمالها المقبلة
“الانتقام”.. التمثيل من أجل الدراما
تيمة “الانتقام” والتي كانت الدافع الأول للشخصيتين الرئيسيتين في “2020”؛ حيث ركزت الأحداث على توضيح ذلك مع “سما” ضمن النصف الأول من حلقات المسلسل، في خطتها للثأر لموت شقيقها وزوجها، فيما جاءت دوافع “صافي” عقب معرفته بحقيقة مخادعتها له، ما وضعه في إطار الانتقام لنفسه وأهله وعمله.
كلاهما اتجه لتغيير جلده بالتنكر في شخصيات أخرى ضمن الأحداث الدرامية؛ في مشاهد تحمل جزءًا من شخصيتهم وبعضًا من الحقيقة، لكنها لا تزال شخصية ممثلة وليست واقعية؛ أتاحت الفرص لخلق هويتين مختلفتين لكل شخصية درامية؛ يتعلق الجمهور بدوافعها وأسبابها.
تمثيل خطط وهمية من أجل وقوع الآخر فريسة؛ حيث استطاعت “سما” دخول الحارة بعد تجسيد مشهد ضربها في شوارع الحارة على يد شقيقها الوهمي، وهو الضابط المرافق لها، حتى أصابت الهدف لدى “صافي” وأحبها كامرأة عاملة مسكينة، لتكمل خطتها بالتحقق والبحث والتنقيب جيدًا داخل منزله ومحل عمله.
بينما توجه “صافي” للتطهر من خطيئته بالوقوع في حب “حياة”؛ بالتوجه لعنصر “التمثيل” مثلها، والذي ساهم في جلب تحولات درامية مفاجئة للشخصيات والأحداث، بعد تأسيس مشهد درامي مخادع يستشهد على هجوم شقيقه “الديب” عليه وهو بصحبة “حياة” واختطافها في الحلقة الـ (23)، لتدبير مكيدة لها وللشرطة أيضًا، وتنطلق براثن خطته مع النصف الثاني من حلقات المسلسل وما يفشلها إلا الحب وعجزه عن قتل حبيبته.
الحب.. الخديعة.. الانتقام.. دوافع أظهرت ثراء تفاصيل الشخصيتين الدراميتين “صافي” و”سما/حياة”، وعلاقتها ببناء الحبكة الدرامية البوليسية التشويقية، للمسلسل العربي الذي انطلق عرضه لأول مرة تلفزيونيًا وعَبر المنصات الرقمية ضمن ماراثون دراما رمضان لعام 2021.
التوظيف الجيد لاستخدام الموسيقى التصويرية مع تنوع الزوايا بين اللقطات المقربة Close Shots والمتوسطة Medium Shots التي حرص على استخدامهما المخرج فيليب أسمر، خاصة في مشاهد المصارحة والاعتراف بالحب بينهما، سواء كان حقيقيًا أو مخادعًا ما بين النصف الأول أو الأخير، جعلتنا نشعر أننا نقف أمام شخصيتين حقيقيتين.
جسدان يحملان قدرًا لا بأس به من تناقضات البشر، ترتكب الذنب ثم تبحث عن وسائل الغفران، تكره ولكنها تحب أيضًا، تحمل ملامحها ما يكفي لاستشعار شر النقيب بتوقيع اللبنانية نادين نسيب نجيم ورؤية إنسانية المجرم باحترافية السوري قصي خولي في مسلسل “2020”.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.