فيلم 3 Idiots عمل كوميدي يكشف عورات أنظمة التعليم البائدة
5 د
يظل أمر التعليم مقلقًا لكل المجتمعات النامية منها والمتقدمة وما بينها، فمشاكل وطرق التعليم لا حصر لها والكل يرى طريقته هي الأمثل والأجدر ليستمر الصراع بين دعاة الإبداع والتجديد، وبين المستمسكين بوسائل التعليم التقليدية العمياء والحفظ الأصم.
فيلم 3 Idiots عمل كوميدي يكشف عورات أنظمة التعليم البائدة، وذلك بعرض جزء من هذا الصراع في واحدة من أعتى التخصصات، وأعندها أنّه شبح الهندسة الذي عانى منه الكثيرون ومن بينهم كاتبة هذه السطور.
يبدو الأمر شبيهًا بالقصة المعروفة المروية عن الفيزيائي الدنماركي المشهور “نيلس بور”، الذي طُلب منه في إحدى الامتحانات حساب ارتفاع ناطحة سحاب باستخدام “الباروميتر” لقياس فرق ضغط الجو بين سطحين مختلفين، إلّا أنّ جوابه المعروف كان بأن نسقط خيطًا يُربط في آخره “بالباروميتر”، ثم نقيس طول الخيط لمعرفة طول الناطحة. لكن يبدو أنّ هذه الإجابة الصحيحة البسيطة والتي تفي تمامًا بالغرض أشعلت غضب أستاذه الذي لم يجد له جزاء إلّا الرسوب في مادة الفيزياء كعقاب له عن تفكيره خارج الصندوق، أو ربما لأنّه استخف -بطريقة ما- بتلك الحلول الطويلة التي تعج بها الكتب والمراجع وأوجد الحل الذي أحرج كل هذا التعقيد، وبما أنّ لقصة الفيزيائي “نيلس” بقيه معروفه سلفًا لدى الجميع اسمح لي إذًا عزيزي القارئ أن نسترسل مقالنا هذا مع قصة أخرى، وهي قصة فيلمنا “الثلاثة البلهاء” وهل هم حقًا بلهاء أم عباقرة؟
قصة فيلم 3 Idiots
يجمع السكن الجامعي 3 طلاب يشتركون في المجال الدراسي ويختلفون في نظرتهم للأمور.
#”فرحان” المطيع المكبل برغبة والديه في أسوار كليه الهندسة بالرغم من أنّ روحه تحلق بعيدًا في الحياة البرية يحلم بأن يصور ويرصد تفاصيلها وسحرها.
# “راجو” الطالب المحب لكلية الهندسة ولكن المخاوف والتمائم تحيطه من كل حدب وصوب، وكيف لا يكون هو هذا الفتى الخائف الخائر وهو ابن بيئته التي لم يرَ منها إلّا البؤس والمرض.
#”رانشو” الطالب الذي لا يشبه أحد ولا يشبهه أحد، هو بطلنا المميز “عامر خان” صاحب مذهب المرح ومعتنق وجودية الابتكار والتجديد لا يلتزم بنص أو حرف يهديه قلبه إلى عالم الآلات ليؤسس فيها سلطانه ومدرسته.
منذ اليوم الأول يتميز الطالب “رانشو” بصد عجرفة طلاب السنوات العليا بذكائه واستخدامه للمعلومات التي اكتفى الكثير بحفظها ونقلها من الكتب إلى أوراق الامتحانات ليصبح بعدها شخصيه جدلية بين من يحبه وينبهر به وبين من يحقد عليه ويزدريه.
في الحقيقة أنّ هذا ما يحدث دائمًا، فلا يوجد أحد يغرد خارج السرب علمًا أو تطبيقًا أو معرفةً، أو حتى سلوكًا إلّا ويصبح محل جدل لا يستطيع فيه الناظر للأمر عن بعد أن يميز ما كينونة هذا المختلف عن القطيع، هل هو ملاكٌ بِرٌ أم شيطانٌ مريدٌ، وقد أتحفتنا التجارب والمواقف بالكثير والكثير ممن بحّت فيهم الحلوق في محاولة مستميتة لتصنيفهم بلا جدوى.
يقلب الطالب “رانشو” مفاهيم وطرق التعليم رأسًا على عقب، مما يدفع بصديقه “راجو” بالابتعاد عنه أول الأمر؛ لأنّه يرى أنّه يقودهم بجنون إلى الفشل الحتمي.
يستمر الصراع في الفيلم بين المجدد “رانشو”، والحافظين عن ظهور قلوبهم ليتخلل هذا الصراع الكثير من المرح والتناقضات، ف إلى أي كفه يميل ويتربع النجاح أخيرًا؟
فيلم هندي
الاستعارة اللغوية التي قتلناها استخدامًا كناية عن المبالغة والخيال المفرط وهي “فيلم هندي” تتجلى حقيقة كالشمس في هذا الفيلم، ولكن ليس من تلك الزاوية بالطبع ولكن من جانب مجتمعي آخر، فمن عايش المجتمع الهندي عن قرب ولو لفترة بسيطة يدرك تمامًا أنّ العمل يصور إلى حد كبير الكثير من ويلات وعقليات وصراعاته الحالية، فحيث أنّ هذا المجتمع يعاني من عدد سكاني مهول ومنفجر رقمًا ومعنى، فإنّه يدفع وبقوة الفرد الذائب فيه أن يجري في سباق محموم ليكون أو لا يكون ليصنع من نفسه رقمًا مختلفًا من بين هذي الأرقام الكثيرة والمكررة، و إلّا فستسحقه أقدام الراكضين.
المتناقضات
يسلط الفيلم الضوء على كثير من المتناقضات التي تواجهنا يوميًا، وربما طول مدتها جعلتها من المسلمات، إلّا أنّ أسلوب “عامر خان” الكوميدي الساحر انتزع منا الضحكات والتساؤلات لماذا كل هذا التناقض؟
في الحقيقة كما هو منوط بدور العلم في حياة المجتمعات وهو الرقي ومساعدة الآخرين، إلّا أنّ هذا الفيلم يصور النقيض الضمني الذي نراه غالبًا في معظم الكليات، حيث يصور الفيلم تلك المعركة التي قد تبدو غير شريفه ولا أخلاقية في كثير من الأحيان، حيث يكون نجاحك فيها مرتهنًا بفشل الآخرين، لكي تنجح يجب أن يفشلوا هم، اصنع منهم طلاب فشلة، شتت انتباههم عن دراستهم بأي طريقة كانت، ثم امشِ مختالًا متبخترًا في درب النجاح وحدك (تناقض!).
الطلاب الأعلى علمًا وتفوقًا يصاحب علمهم هذا قدر أكبر من التعالي والتكبر والامتهان للطلاب الجدد، حيث ينتزعون منهم الخنوع انتزاعًا بأسلوب مهين (تناقض!).
يعبر الرائع “عامر خان” أيضًا عن النظام الطبقي التعليمي، فصاحب الدرجات الأقل يجب أن يبقى هناك بعيدًا مطرودًا في أخر نقطه من الصورة ملتصقًا بإطارها على وشك الخروج منها، رغم أنّ العلم الحقيقي لا يقاس بتحصيل الدرجات فقط والشهادات، وهذا ما أكده “رانشو” في أخر الفيلم (تناقض!).
هل يجب أن يكون أول ما يتعلمه الطلاب في أروقة الجامعات هي الأخلاق والمثابرة والضمير الحي، أم تلقينهم أنّ “الحياة تبدأ بجريمة” كما ورد على لسان عميد الجامعة والواقف على قمتها (تناقض!).
ومن أهم المفارقات والتناقضات في الفيلم وبجانب هذه العيوب كلها الإشارة إلى الحفظ الأعمى والتقليد بلا تفكير في جامعه يتوقع منها استخدام العقل فقط، حيث توجد مجموعه من القوانين بالفعل ولكن يمكن للعقل البشري أن يبتكر ألف وألف طريقه لاستخدامهم (تناقض!).
ختامًا … أظن أنّ أكثر من نصف طلاب العالم واجهتهم نفس تلك الأصبع السبابة التابعة لمدرس آلي العقلية اتهمهم فيها أنّهم لم يكونوا آلات بما فيه الكفاية ليجيبوا على سؤال الامتحان نصًا وحرفًا كما ورد في كتاب ألّفه بشر عادي لم يدعِ فيه العصمة يومًا ولا الخلو من الأخطاء، إذا سبق وأن واجهتك يومًا ما عزيزي القاري مثل هذا السبابة شاركنا ما حدث في خانه التعليقات عله يكون احتجاجًا وصوتًا عاليًا رافضًا لقمع حرية الإبداع والتفكير في المؤسسات التعليمة.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.