4 موسيقيين عرب يصنعون الموسيقى من السماء

احبُّ الموسيقى لأنها لا تخبرني بشيء، إلّا أنها بالرغم من ذلك تقول كل شيء .. الموسيقى من المُجرّدات التي لا تحتاج إلى مترجم أو شارح، إنها شيء من قبيل الأبدية، تتسلل إلى الروح مباشرة، وكم وددت لو أنني اعيش في عالم يخبرني نشرة أخبار الطقس بنوعية الموسيقى التي ستعزفها السماء اليوم.

أحبُّ الموسيقى بكل انواعها، ولكن بداخلي، في أروع مناطق الحلم الغارقة في الجمال داخل عقلي، تقع الموسيقى العربية. إنها موسيقى النقوش والمنمنمات، موسيقى الشوق إلى الماء، موسيقى لا نهائية الصحاري، موسيقى الوديان الخفيضة، وموسيقى الزحام.

اخترت لكم في هذه القائمة 4 موسيقيين من المشرق و المغرب العربي، قدموا مادة موسيقية ساحرة و أصيلة، ترتد بنا مباشرة إلى منابع الروح العربية، زخرفة الروح وانسيابيتها في آن واحد. لم أختر هذه القائمة على أساس الشهرة، بل على أساس الجودة والحلم، وددت لو أضع في هذه القائمة الألبومات الكامله للموسيقيين الذين سوف أقدمهم لكم، فلقد كان الاختيار صعباً بحق..

لكن يكفيـني تماماً إن تلك القائمة المختصرة سوف تكون بداية لكم لكي تبحثوا عن اعمال اكثر لهؤلاء الموسيقيين .. إن فعلتم ذلك فأعتبــر نفسـي نجحت تماماً في تحقيق مسعاي.

يقدّم لنا الموسيقار التونسي حسن الغربي في ألبومه القانون المسحور موسيقى سحرية، تشعر معها بأن أطياف الحلم تتراقص على حواف القانون الذي كان حسن الغربي يصنعه لنفسه خصيصاً وكأنه شخصية قادمة من عالم الخيال .. إذ أنه بدأ حياته كنجار حرفي، ثم تخصص في صناعة الآلات الموسيقية كالعود و القانون، قبل أن يسافر إلى باريس ليتعلم أصول الموسيقى هناك، ويعزف للجاليات العربية ألحانه البديعة، قبل أن يعود إلى تونس ويصبح رئيس الفرقة الموسيقية للراديو والتلفزيون التونسي.

قد حاز حسن الغربي على الجائزة الأولى في مهرجان الموسيقى بإيران عام 1971، وكان حينئذ الممثل الوحيد للعرب في هذا المهرجان الضخم، حيث تفوّق على كل الموسيقيين القادمين من الباكستان والهند وإيران.

اقرأ أيضًا : المغني الموهوب Passenger والحُلم الذي أصبح حقيقة بين ليلة وضحاها..

********************

يمكننا القول عن سيمون شاهين بلا تردد انه زرياب القرن العشرين، فمثل زرياب خاض سيمون شاهين رحلته من الشرق للغرب ليغير بذلك معنى الموسيقى للأبد.

ولد سيمون شاهين في فلسطين عام 1955، وبدأ العزف على العود وهو في سن الخامسة، وهو بهذا يذكرنا بنوابغ الملحنين الأوروبيين الذين تعلموا العزف في سن صغيره مثل موزارت و بيتهوفن، حيث التحق بمدرسة الموسيقى في حيفا وهو في سن السابعه وتعلّم العزف على الكمان، وفي فترة شبابه ارتحل إلى أمريكا ليكمل دراسته الموسيقية.

أسس سيمون شاهين بعد ذلك فرقته التي أسماها القنطرة، والتي قدّمت نوع موسيقى يمزج بين الشرق والغرب، مُكتسباً بذلك أهمية ثقافية كبيرة جعلته محط تكريم لأكثر من مرة في أمريكا، بالإضافة إلى عمله مع هوليوود، حيث قام بتأليف موسيقى لعدد من الأفلام من اشهرها فيلم Malcolm X .. قدّم مع فرقته أعمالاً موسيقية تنطلق بسلاسة من الإيقاع الشرقي إلى الإيقاع الغربي في تكوين جميل لا يُرهق الأذن..

يقدم لنا سيمون شاهين في هذه المقطوعة المسماه ايضاً القنطرة نموذجاً رائعاً لموسيقاه.

******************

ابراهيم معلوف مُلحّن عبقري آخر سمحت ظروف نشأته و تكوينه لكي يكون متنوعاً في ألحانه، حيث نشأ في أسرة فنية، كان ابوه يعزف الترومبت و أمه عازفة بيانو، و هو ابن اخ الأديب اللبناني أمين معلوف، رحلت به عائلته إلى فرنسا إبّان الحرب الاهلية اللبنانية وهناك تعلّم الموسيقى ومزج موسيقى الجاز بالألحان العربية، ليقدم لنا موسيقى عربية حديثة مرتبطة في صخبها بنتاج الصخب السياسي والاجتماعي الذي نعيشه .. لكن في أتونها، في قلبها الاصيل، تتشظي الألحان العربية مثل درويش في حلقة ذكر.

حصل ابراهيم معلوف على جائزتين واحدة على مستوى فرنسا هي جائزة موسقى الجاز الفرنسية، والأخرى عالمية في حفل توزيع جوائز أفضل الموسيقيين الذي عُقد في فرنسا عام 2014، حيث لفت انظار العالم إليه بموسيقاه المتنوعة، والتي تخلق حالة تُعبّر عن نمط التداخل والتواصل والرتم السريع الذي تحياه الشعوب، بدون نسيان البصمة العربية الأصيلة في روح موسيقاه.

منير بشير – إمام الألحان

موسيقار عراقي وأهم عازف عود للقرن العشرين، جاء مجدداً للألحان وليكسر فعل التطريب المُفتعل، إلى نوع آخر من طرب انسيابي حرّ من كل الجدران التي حبسها فيها الموسيقيين العرب، وليحرر الموسيقى العربية أيضاً من التشويه الذي حصل فيها واستعارة الأساليب الغربية في اساسيات التلحين، لذلك اهتم بالمقامات العربية والتقاسيم العربية و طوّرها وطوّعها ليقدم تجربة عربيّة أكثر حرية و طرباً، مثل رحلة في حدائق الجنة.

******************

قدمنا لكم في هذا العرض السريع نماذج للموسيقى العربية التي تم نسيانها في العصر الحديث .. عصرٌ أفقد الكثيرين القدرة على التقاط الانفاس وجعل من فعل (الروقان) مهمة عويصة أشبه بعملية جراحية دقيقة في المخ.

هذه الموسيقى التي ابدعها ملحنون عرب والتي تتماس مع الروح العربيّة في كثير من ايقاعاتها تمنحك السلام الكافي لخوض رحلة اليوم، وهي جديرة بالاستكشاف والمتابعة، بما تحويه من كل عناصر الحضارة والروح العربية برقتها و عذوبتها مثل علاج شعبي للروح.