مراجعة مسلسل 4 Blocks .. عمل ألمانيّ عن المافيا العربيّة!

مسلسل 4 Blocks
بانا شعبو
بانا شعبو

7 د

منذ تسعينيات القرن الماضي اكتسبت أفلام المافيا أو أفلام العصابات شعبيّةً كبيرة وتمكّنت من تشكيل نوع أو “جينرا” خاصّة بها مشتقّة من جينرا أفلام الجريمة، وقد تبنّت شركات الإنتاج الضخمة في هوليوود نقل قصص المافيا من الأزقّة الخلفيّة للمدن الكبيرة إلى شاشة السينما فرأينا المافيا الإيطاليّة في سلسلة العرّاب الشهيرة للمخرج “فرانسيس فورد كوبولا”، أو المافيا التي نشأت في الحارات الشعبيّة لليهود في مدينة “نيويورك” الأمريكيّة في فيلم “Once upon a time in America” من إخراج “سيرجيو ليون”، أو حتى المافيا الكوبيّة في فيلم “Scarface” من إخراج “براين دو بالما” وغيرها الكثير..

ولعلّ نجاح هذه الأفلام ومستواها الفنّي العالي هو ما شجّع على نقلها للشاشة الصغيرة في مسلسلات كثيرة من بينها جاء المسلسل الألمانيّ مسلسل 4 Blocks الذي يُعدّ من أوائل المسلسلات التي سلّطت الضوء على المافيا العربيّة، إذ يعرض هذا المسلسل أحداثاً حقيقيّة رواها رجال عصابات سابقين وحاليين في العاصمة الألمانيّة برلين، ويحكي المسلسل قصّة إحدى العائلات اللبنانيّة – كرديّة الأصل التي جاءت من الجنوب اللبناني إلى ألمانيا بعد الحرب الأهليّة في لبنان وبدأت العمل في: “القمار، تجارة الكوكائين، الأتاوات ومع راقصات النوادي الليليّة” وهي الركائز الأربعة التي يشير إليها اسم المسلسل.

تتركّز أحداث مسلسل 4 Blocks بمواسمه الثلاثة في “نويكولن” أحد أحياء “برلين” الرئيسيّة الذي استقرت فيه الوفود الأولى من المهاجرين المسلمين والذي يُعدّ معظم سكانه من أصول مهاجرة، ويشتهر هذا الحي بارتفاع معدّل الجريمة والعنف حيث يتصدّر نشرات الإعلام الألمانيّة بشكل دوري ويشكل تحدياً حقيقياً أمام المسؤولين الألمان.

وقد استغلّ مخرجو العمل تنوّع هذا الحيّ وهم: النمساويّ “مارفن كرين” والألمانيّان “اوزغور يلدريم” و”أوليفر هيرشبيغل”، إذ مكّننا هؤلاء المخرجين على امتداد المواسم الثلاثة من الإحساس بالجوّ العام للثقافة العربيّة بدءاً من ملامح الممثلين الشرقيّة وانتهاءً بالديكورات والموسيقا ونوع الأطعمة وحتى كؤوس الشاي التي استخدمها الممثلون، وهو ما يغفر لهم عدم نطقهم للأحرف العربيّة بطريقة صحيحية تماماً رغم كون بعض أبطال العمل منحدرين من أصول عربيّة مثل الممثل اللبناني “كيدا خضر رمضان” (توني) والممثل العراقي “رواند طالب” (زكي).


مسلسل 4 Blocks : الموسم الأول (2017)

يُعرّفنا هذا الموسم إلى أفراد عائلة “حمادي” بدءاً من شخصيّة (علي حمادي) أو (توني) وهو الاسم الذي اختاره المخرج النمساويّ “مارفن كرين” نسبةً لـ (توني مونتانا) بطل فيلم “Scarface” حيث صرّح المخرج في أحد لقاءاته أنّ “90 بالمئة من أحداث المسلسل مستوحاة من القصص الحقيقية التي سمعها من عناصر الشرطة ورجال العصابات، والـ 10 بالمئة الباقية مستوحاة من مسلسلات العصابات وأفلام المافيا”.

أمّا عن شخصيّة “توني” فهو الأخ الأكبر، هادئ الأعصاب مقارنة ببقيّة أفراد عائلته وصاحب القاعدة التي تنصّ على أنّ: “أفراد عائلة حمادي ليسوا قتلة” أي أنّه يرفض القتل وينهي أفراد العائلة عنه، وعلى الرغم من كون (توني) المرجعيّة الأولى لأفراد العائلة/العصابة إلّا أنّنا نراه يحلم بالهرب من هذه المسؤولية وعيش حياة عائليّة مسالمة بعيداً عن عالم الإجرام والعنف، لكن هذا ليس بالسهولة التي يبدو عليها إذ يتوجب عليه حماية العائلة من طيش أخيه (عباس) الذي يلعب دوره مغنّي الراب الألماني (فايسل غيلن) والذي يملك قاعدة وحيدة هي أنّ “غاية النفوذ والمال تبرّر كافة الوسائل” وهو ما نراه واضحاً منذ الحلقة الأولى إذ لا يتوانى (عباس) عن إطلاق النار على شرطيّ ألمانيّ، وهو الفعل الذي يطلق شرارة الأحداث.

وعلى الرغم من كون هذا الموسم يُعرّفنا على عائلة “حمادي” إلّا أن البطل الفعليّ فيه هو الشرطيّ الألمانيّ حالم النظرات (فينس) الذي يلعب دوره الممثل (فريدريك لاو) والذي يتظاهر بكونه صديقاً للأسرة في محاولته كشف أسرار عائلة حمادي والإيقاع بها، ومن خلال علاقة كلّ من الشخصيّات بـ (فينس) نتعرّف على طباع هذه الشخصيّات وأحلامها كما هواجسها.

لعلّ ما يميّز عائلة “حمادي” عن باقي عوائل المافيا التي اعتدنا مشاهدتها هي العلاقة بين (توني) و(عباس) فهي تظهر منذ البداية كعلاقة بين عدوين لدودين لا بين أخوين، إذ نراهما يتنافسان على النفوذ والسّلطة ويشكك كلّ منهما بتصرّفات الآخر وولائه للعائلة وكأن ما يجمعهما ليس الحبّ الأسري أو رابطة الدم فقط بل هو انعزال من نوع ما وخوف من المحيط الألماني غير الجدير بالثقة من وجهة نظر عائلة مهاجرة، حيث أنّ رمزيّة عائلة حمادي اللبنانيّة – الكرديّة تدلّ على أنها كانت مضطهدة قبلاً في بلدها “لبنان” قبل أن تصل إلى ألمانيا حاملةً معها موروثاً قديماً من العنف والخوف، خاصّةً وأنّ الحقبة الزمنيّة التي تجري فيها الأحداث تشير إلى وقت كانت فيه الحكومة الألمانية أقلّ تساهلاً مع المهاجرين فلم تكن في حينها تسمح لهم بالعمل الحرّ أو التعلّم ما دفع قسماً كبيراً منهم إلى محاولة الكسب بطرق غير مشروعة، ونرى هذه النزعة الانعزالية تظهر بشكل أكثر وضوحاً عند شخصيّة (زكي) المراهق التركيّ الذي يعمل لدى عائلة “حمادي” فيتحمّل الضرب والإهانة من قبل أفراد هذه العائلة بصدر رحب ويرفض دعوات أبيه ليعمل معه عملاً شريفاً بقوله:

“نحن المسلمون لا يجب أن نرتضي العمل لدى الألمان” وهو شعور بالاستحقاق اكتسبه (زكي) من محيطه وليس من عائلة حمادي التي نراها بعيدة عن محاولة استغلال الدّين لضمان ولاء أتباعها، وقد دفعت هذه المشاهد وغيرها البعض لاتّهام المسلسل بالتحريض ضدّ اللاجئين وتصوير العرب على أنهم جماعات منقسمة تحمل أحقادها ونزعاتها الطائفيّة معها من بلادها، ففي مشهدٍ آخر نرى لاجئاً لبنانيّاً يلقّب أفراد عائلة حمادي بالجرذان نظراً للطبقة الاجتماعيّة التي انحدرت منها عائلتهم سابقاً في بيروت!

إلا أنّ مُخرجي العمل أبعدوا عن أنفسهم هذه التهم بقولهم:

“لقد منحنا قصّة هؤلاء المهاجرون وجهاً وحياة وأظهرنا كيف يُمكن للأشرار أن يحملوا جانباً طيّباً”.

فيديو يوتيوب

مسلسل 4 Blocks : الموسم الثاني (2018)

نتابع في هذا الموسم القصّة التقليديّة لعائلات المافيا التي تتصارع على السّلطة والنفوذ، ولا يُمكننا القول بأنّ هذا الموسم يحمل معه أحداثاً مفاجئة أو شخصيات مبتكرة، فالشخصيّات الجديدة التي يقدّمها هذا الموسم هي مجرّد نسخ مكررة عن شخصيات سبق ورأيناها مئات المرّات في أفلام العصابات مثل شخصيّة (كرامي) الذي يلعب دوره الممثل السوري (موسى سليمان) وهو رجل الأعمال اللبنانيّ الأنيق الذي تتسابق العوائل اللبنانيّة في ألمانيا لكسب رضاه، أو شخصيّة (محمد الصافي) الذي يلعب دوره الممثل التونسيّ (أحمد الحفيان) وهو راعي العائلة اللبنانيّة المنافسة لعائلة “حمادي” وهو بدوره لبنانيّ أنيق يمارس الطبخ في أوقات فراغه ويتحدّث مختلف اللغات من العربيّة إلى الإنكليزية فالألمانيّة وحتى الشيشانيّة!

وبتوالي أحداث المسلسل نتأكد من عدم وجود حبكة أصيلة حتى نهاية الموسم التي نرى عندها شرّ أفعال رجال المافيا يرتدّ عليهم وعلى عوائلهم وهي النهاية المعتادة في كل القصص المشابهة، إلّا أنّ ما يميّز هذا الموسم هو إلقاؤه الضوء على بعض المشكلات المرتبطة بتقاليدنا وموروثاتنا العربيّة من خلال حبكات ثانويّة وقصص تجري في خلفيّة الحدث الأكبر، مثل نظرة العرب الدونيّة للمرأة التي نراها واضحة في علاقة (أمارة) أخت (توني) و(عباس) بزوجها (لطيف) الذي لا يتورّع عن حبسها في المنزل وحرمانها من العمل بل وتكليف شاب مراهق بمراقبتها، أو من خلال شخصيّة (جميلة) التي فقدت حق التصرّف بحياتها واتخاذ قراراتها بعد أن تجرّأت على الدخول في علاقة غراميّة خلال مراهقتها، وحتى (عباس) الذي يُحب امرأة متحررة مختلفة عن باقي نساء العائلة سرعان ما نجد أنّه يُصدّر صورة العربي المُحبّ للنساء لا أكثر.

بالإضافةً إلى النظرة الذكوريّة للمرأة يسلّط هذا الموسم الضوء على “وهم التفوّق” الذي يعاني منه العرب والذي يدفعهم للتصرّف بعنصريّة تجاه الأعراق الأخرى، إذ أننا نرى أصغر أفراد عائلة حمادي (معروف) الذي يلعب دوره الممثل اللبناني (حسن عكوش) واقعاً في حب فتاة سمراء، الأمر الذي يدفع رجال العائلة إلى تهديد سلامته وسلامة الفتاة دون مبرر واضح باستثناء لون بشرتها، إلّا أنّ أحداً لا يتمرّد على عائلته العربيّة فكيف يكون الأمر حين يمتلك أفرادها نفوذاً وقوّة تجعل الهرب منهم أشبه بالمستحيل؟

فيديو يوتيوب

مسلسل 4 Blocks :الموسم الثالث (2019)

يشكّل الموسم الثالث من المسلسل مستواً أكثر نضجاً وحرفيّةً من الموسمين السابقين، الأمر الذي يُعدّ نادراً حين نتكلّم عن المسلسلات المتلفزة التي عادةً ما تكون مواسمها الأخيرة دون مستوى المواسم الأولى منها، إلّا أن “4 Blocks” كسر هذه القاعدة، فإضافةً للأحداث والشخصيّات التي تتطوّر بصورة أكثر واقعيّة وصدقاً عن المواسم السابقة، يتجرّأ المسلسل في موسمه الأخير على الاستطراق إلى قضايا ومشاكل أكثر عمقاً تواجه الجالية العربيّة المغتربة عموماً مثل العنصريّة والقوانين الجائرة تجاه المهاجرين التي تدفع كثيراً منهم نحو الجريمة وطرق الكسب غير المشروع، وهنا لا يحاول المسلسل التبرير للعنف أو لرجال العصابات وإنما يُرينا وجهات نظر مختلفة لما يحدث ويترك أمامنا خيار التعاطف من عدمه.

يبدأ هذا الموسم برؤية (توني) يستثمر وقته في أعمال مجتمعيّة تطوعيّة محاولاً التكفير عن أخطاء الماضي، مُجيباً حين يسأله الآخرون عن أحواله بقوله: “ما في أحلا من الحلال” كأنّه يحاول يائساً التمسّك بدور الشخص الذي لطالما أراد أن يكونه: مجرّد مواطنٍ “ألمانيّ” يحيا حياةً عاديّةً بعيدة عن الإثارة، إلّا أنّ (توني) في الحقيقة انتقل من كونه قائداً لعائلة “حمادي” إلى كونه مستشاراً في الظلّ، فمثل هذه الأعمال لا يمكن الاستقالة منها ببساطة.

وبتتابع الأحداث يمنحنا هذا الموسم القدرة على تأمل الشخصيات وسبر أغوراها وطريقة تفكيرها فنجد أنفسنا عاجزين عن إطلاق أحكام جاهزة على الشخصيات حتى الثانوية منها بعد أن ظهرت لنا الجوانب الإنسانية التي قرّبتنا منها وساعدتنا على فهمها.

فيديو يوتيوب

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.