فيلم 47 Meters Down … فكرة رائعة ولكنه وقع في فخ التنفيذ السيّئ
6 د
كثيرةٌ هي الأسباب التي شوقتني لمشاهدة فيلم 47 meters down الذي يقبع حاليًا بين أكثر 10 أفلام تحقيقًا للإيرادات في شباك التذاكر، أهمها كونه يجمع بين ثلاثة عناصر أعشقها، أولها أنّه يصنف ضمن خانة أفلام النجاة، ثم كون أحداثه (أو الغالبية العظمى منها) تدور في مكان واحد، وأخيرًا كون هذا المكان هو عمق البحر.
وهي عناصر إذا توفرت وحيدة في فيلم ما تكون النتيجة مرضية جدًا، فما بالك بكم التشويق والإثارة والمتعة التي يمكن أن نشهدها إذا اجتمعت جميعها في عمل سينمائي واحد، لكن هل كان هذا الفيلم جيدًا بالفعل؟ هذا ما سنتعرف عليه في هذا المقال.
قصة الفيلم ونقاط قوته
تدور قصة الفيلم الذي أخرجه جوهانس روبيرتس، وقام بأداء أدوار بطولته كل من ماندي مور وكلير هولت، حول ليسا وكيت أختين سافرتا إلى المكسيك بهدف قضاء عطلة ممتعة، وأثناء ذلك يقرران الخضوع لتجربة فريدة تتجلى في الغوص مع أسماك القرش، وذلك عن طريق النزول 5 أمتار تحت سطح البحر داخل قفص يحميهما، مما يمكنهما من مشاهدة هذه الأسماك دون التعرض للأذى.
إلّا أن الأمر لا يسير كما خطط له بعد وقوع خلل يتسبب في انفلات القفص ثم غرقه إلى قاع البحر لمسافة تقدر ب47 مترًا، وهي مسافة ينقطع معها التواصل مع طاقم القارب، لتجد الفتاتان نفسيهما في امتحان عسير: انتظار المساعدة التي من الممكن ألّا تأتي أبدًا وبالتالي غرقهما داخل قفص في أعماق البحر، أو محاولتهما النجاة بأنفسهما وهو ما سيعرضهما لخطر الوقوع فريسة لأسماك القرش الضخمة التي تحيط بالمكان من كل جانب.
تعتبر الفكرة الأساسية لفيلم أهم نقاط قوته، فالموقف الإجمالي الذي وضعت فيه الأختين يحمل جميع مقومات فيلم إثارة ممتع جدًا، حيث نجد أنّهما محاصرتان داخل مكان مغلق (القفص) يحاولان الخروج منه، بحيث يوجد هذا المكان نفسه داخل البحر، في الوقت الذي تنتهي فيه كمية الأكسجين المتوفرة بسرعة شديدة نظرًا للعمق المتواجدتين فيه، مما يعني أنّهما يواجهان خطر الاختناق والموت غرقًا.
وحتى إذا تمكنتا من مغادرة القفص فهناك احتمالين: إمّا أن يصعدا إلى السطح ببطئ مما يجعلهما أمام خطر أسماك القرش التي يعج بها المكان، وإمّا أن يصعدا إلى السطح بسرعة وهو الأمر الذي شرح أحد أفراد طاقم القارب بوضوح أنّه فعل خطير جدًا؛ لأنّه يتسبب في تسرب النيتروجين إلى الدماغ، وأمام كل هذا كله نجد أنّهما يتواجدان ضمن ظلام حالك لا يمكنهما من رؤية أي شيء تقريبًا، وأنّهما مضطرتان للتوصل لأي حل يمكنهما من إعادة الاتصال بأفراد الطاقم، والحصول على المساعدة بسرعة قبل فوات الأوان.
أمام كل هذه التعقيدات والظروف المرعبة التي تحيط بالبطلتين، نجد أنفسنا أمام مادة دسمة قادرة بامتياز على منحنا فرجة فائقة المتعة والإثارة، وقادرة على حبس أنفاسنا طيلة مدة الفيلم، زد على ذلك أنّ الأفلام التي تتناول خطر أسماك القرش قد عادت للواجهة من جديد خصوصًا بعد نجاح فيلم The Shallows السنة الماضية، مما جعل بعض النقاد ينعتون هذه الأسماك بأنّها “الديناصورات الجديدة” نظرًا لأنّ هذه الأخيرة كانت مرتبطة دومًا بالأفلام المدوية في شباك التذاكر، لكن النتيجة لم تكن مرضية -بالنسبة لي على الأقل- للأسف، والسبب أنّ القائمين على هذا الفيلم قد أساؤوا استغلال جودة هذه المادة الدسمة، وعجزوا عن إخراج الأفضل منها.
“ليسا” و “كيت” … من؟
في جميع أفلام الرعب والإثارة الجيدة، يعمل كُتّاب القصة على تقريب المشاهد من الشخصيات وكسب تعاطفه تجاهها، حيث أنّه إذا لم يتمكن المتفرج من الاهتمام بشأنها ومصيرها يفقد الفيلم بريقه وأهميته، ففي أحيان كثيرة تشتعل درجة الحماس والترقب فينا وتطول نتيجة خوفنا على مصير شخصية ما أكثر من خوفنا؛ بسبب إحدى “القفزات المرعبة” المفاجئة، إلّا أنّ هذه النقطة قد غابت عن ذهن كُتّاب هذا الفيلم، لنجد أنفسنا أمام شخصيتين لا نكن تجاههما أي اهتمام يذكر.
منذ بداية الفيلم حتى نهايته، نجد أمامنا شخصيتين لا نعلم عنهما أي شيء سوى اسميهما، وأنّهما شقيقتان تتمتعان بعلاقة قوية، بل أنّ أحداث البداية تسرع بشكل مبتذل جدًا لتصل بنا إلى البحر حيث تجري “الأحداث المهمة”، ولأنّنا نجد أنفسنا أمام سؤال: لماذا قامت الفتاتان بخوض مغامرة مماثلة؟
يقدم لنا الفيلم جوابًا في غاية التفاهة، حيث نجد أنّ هذا الموقف الكارثي الذي تعرضت له كل من ليسا وكيت، يعود بالأساس لكون ليسا قد انفصلت عن حبيبها الذي هجرها متهمًا إياها بأنّها مملة، مما جعل شقيقتها تعرض عليها القيام بهذه المغامرة بهدف التقاط صور داخل المياه بجانب أسماك القرش، لتثبت لحبيبها أنّه على خطأ، وهي المعلومة التي من المفترض أن “تضرب عصفورين بحجر واحد”، بحيث تعطي للشخصية خلفية درامية تجعلنا نتعاطف معها (وهو أمر لم يحدث بالنسبة لي)، وفي نفس الوقت لتبرر قرارهما على الرغم من أنّ ليسا لا تتقن مبادئ الغطس، وهو الأمر الذي أجده مزعجًا نظرًا لأنّه يجعل جميع أحداث الفيلم قائمة على سبب تافه.
حوار كسول وحبكة سخيفة
لنبتعد عن خلفية الشخصيتين ولنفترض أنّها ليست بهذه الأهمية، ولننتقل إلى أحداث الفيلم وبطلتيه، لقد ذكرت أعلاه مدى الأخطار المحيطة بالبطلتين، وأمام كل هذه الأخطار، سنكون على الأقل متوقعين حبكة ذكية تستغل كل هذه التعقيدات لتقدم جرعة ولو معقولة من الإثارة، لكن ماذا إن أخبرتك أنّك بعد فترة قصيرة من غرق القفص ستصاب بملل رهيب، وذلك يعود لسببين اثنين.
السبب الأول: لا شيء يحدث تقريبًا بعد غرق الأختين، صحيح أنّهما تتمكنان من القيام ببعض الخطوات اليائسة للنجاة بحياتهما، وهي الخطوات التي تأخذ الكثير من الحيز الزمني للفيلم كي تكتمل، بحيث أنّك ما إن تنهي الفيلم وتعود بذاكرتك لما حدث خلال هذه الفترة، لن تجد سوى أنّك كنت تشاهد فتاتين تسبحان هنا وهناك، ثم تتعرضان لعدة هجمات مفاجئة من بعض أسماك القرش التي يفلتان منها في كل مرة!
السبب الثاني: يشكل الحوار أكثر عنصر انزعجت منه وتضايقت خلال مشاهدتي للفيلم، والسبب أنّ هذا الفيلم يحتوي على الكثير والكثير والكثير من الصراخ لدرجة لا تحتمل، خصوصًا من طرف الشخصية التي تؤديها ماندي مور، فلن أبالغ إن قلت أنّ دورها قد انحصر بنسبة تبلغ 70 في المائة أو أكثر، في البكاء والنحيب والصراخ وتذكيرنا بعد كل دقيقة كم هي خائفة، صحيح أنّنا ربما كنا سنفعل نفس الشيء إذا وضعنا مكانها لكننا هنا نشاهد فيلمًا سينمائيًا، وبالتالي فإنّنا نتوقع مشاهدة تطور للأحداث بدل سماع صوت البكاء الذي كان منطقيًا ومقبولًا في بداية الفيلم لكنه تحول لإزعاج حقيقي بعد ذلك.
وحتى بالنسبة لباقي الشخصيات، فإنّ الحوار الدائر بينها سطحي جدًا وشبه معدوم، لدرجة يمكننا معها تقسيم هذا الحوار إلى أجزاء: جزء تتكرر فيه محاولات إقناع كيت لاختها ليسا بخوض المغامرة (عن طريق تذكيرها بحبيبها) بعد أن تم اقتراحها عليهما من طرف شابين مكسيكيين، جزء يحمل تعليمات القبطان لهما، وجزء يتمحور حول محاولات كيت تهدئة شقيقتها في كل مرة.
بالنسبة للنهاية، فيصعب تصنيفها بين السيّئ والجيد خصوصًا أنّها غير متوقعة، وقد يختلف رد فعل الذي تخلفه من شخص لآخر، لكنني أظن أنّ الفيلم بأكمله لا يستحق إضاعة الوقت في مشاهدته، ما عدا إذا كنت تبحث عن فيلم خفيف تقضي به وقتًا ممتعًا مع العائلة أو مع شخص صغير في السن، علمًا أنّ الفيلم لا يحتوي على أية مشاهد عنيفة أو مقززة.
هل شاهدت فيلم 47 meters down؟ ما رأيك به؟ وما هو الفيلم الذي وجدت أنّ فكرته مثيرة للاهتمام لكن تنفيذها كان سيئًا؟ شاركنا في التعليقات.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.