فيلم A Ghost Story عن الحب والموت والغياب والحياة التي تسير من دوننا!

فيلم A Ghost Story يتركك في حالة لا تعرف بعدها هل أحببته أم كرهته، لكن بالتأكيد سيمسُّ وترًا في قلبك، ويترك لك الكثير من الإحساس بالوحشة والخوف، على الرغم من أنّه ليس فيلمًا مرعبًا، ولكن هناك أنواع أخرى من الخوف أشد قسوة من تلك الناتجة عن أفلام الرعب.

ذلك الخوف من الغد، من فقدان الأحباء، من موتنا وتركنا لأحبائِنا، والسؤال الأبدي. هل سنُنسى سريعًا؟ هل ستمضي الحياة بسهولة من دوننا؟ ما هو دورنا، وهل هو محوري؟ أم نحن مجرد كومبارس صامت أو مجاميع بلغة السينما وجودنا مجرد رقم إضافي يجعل المشهد يبدو أكثر واقعيةً وجديةً؟

فيلم A Ghost Story يترك في حلقك مرارةً، ويجعلك تفكر في أشياء طالما نحاول أن نتجاهلها ونعطي لها ظهورنا، ونقول إنّها في علم الغيب، ويجعلنا أمام مرآة واقعية ترينا الألم في أقسى صوره.

فيلم A Ghost Story أمريكي من إنتاج 2017، وهو على عكس المتوقع من البوستر الخاص به فيلم درامي مع لمسة من الخوارقية بسيطة، وكتبه وأخرجه ديفيد لوري، وهو من بطولة الفائز بجائزة الأوسكار كأفضل ممثل في دور رئيسي العام الماضي كايسي أفليك، وروني مارا، وتم عرضه لأول مرة في مهرجان صن دانس بيناير الماضي، ثم عُرض بصورة تجارية في يوليو الماضي.

حصد الفيلم إيرادات بلغت 1.8 مليون دولار، بميزانية 100 ألف دولار، بالإضافة إلى استحسان نقدي كبير.

تبدأ أحداث الفيلم في منزل بسيط في الريف يسكنه زوجان شابان، تقول الزوجة اعتدت دومًا على وضع قصاصة ورق تحمل عبارة في كل منزل أتركه حتى أجدها لو عدت له مرةً أخرى على الرغم من أنّي لم أعد أبدًا، ثم تخبره أنّ هذا المنزل يصدر أصواتً غريبةً في بعض الأوقات.

وفي إحدى الليالي يستيقظان فزعين على صوت البيانو يدق بمنتصف الليل دون سبب، ثم يعودان للنوم مرةً أخرى، بعدها يبدآن في التحضير لترك المنزل، لتستيقظ الزوجة على مأساة وفاة زوجها بحادث سيارة بالقرب من البيت.

من هنا تبدأ الحكاية الحقيقية، فالزوج الراحل يستيقظ شبحه في المشرحة، ليقوم وهو مرتدي ملاءته – وهي الهيئة التي سيظل عليها الشبح طوال أحداث الفيلم – يخرج من الغرفة ليجد أمامه نافذة من النور مفتوحة، يتردد قليلًا فتنغلق النافذة ويذهب ماشيًا إلى المنزل.

يظل الشبح في هيئته الذاهلة، يحاول مواساة زوجته الحزينة حينًا، ويراقبها حينًا آخر، وعندما تترك المنزل في المرة الأخيرة يتطلع إليها من النافذة ليظل هو في البيت الذي شهد حبه يراقب القادمين لاحتلاله.

أراد مخرج فيلم A Ghost Story تقديم قصة عن ذلك الرمز المرعب المضحك القديم، وإضفاء عليه لمسة شاعرية واضحة، جعله رمزًا للوحدة والخوف والانعزال، وقد خطرت له فكرة الفيلم عندما طلبت منه زوجته الانتقال لمدينة أخرى لكنه رفض وتشبث بمنزله – مثلما فعل بطل الفيلم في بدايته – وحمل الفيلم فلسفةً ليروي عن الموت والحياة بعدها.

كان اختيار ليروي للممثلين ممتازًا، فكايسي أفليك هو خيار أمثل للزوج الذي يعيش بين أفكاره وموسيقاه، ثم الشبح بعد ذلك، بعيونه الحزينة ومشيته المتثاقلة.

بينما روني مارا أيضًا كانت مناسبةً لدورها الذي يتطلب ملامح هادئة، وتقبل للحزن غير المتوقع، والحيرة في المنزل الذي يصر زوجها على البقاء فيه، ويعتبر الماستر سين لها بعد وفاة زوجها عندما جلست على الأرض تأكل من الفطيرة، وحيدة تأكل بنهم عصبي ناتج عن حزنها المكبوت، حتى يصيبها الغثيان.

وهذا هو التعاون الثاني بين ديفيد ليروي وكايسي أفليك وروني مارا بعد فيلم Ain’t Them Bodies Saints عام 2013.

قصة الفيلم بسيطة وعميقة في ذات الوقت، وقد أحسن ليروي اختيار الرمز المناسب لقصته، وعبر عن فكرته بوضوح، أمّا السيناريو فقد كان شبه غير موجود فلم يتم تبادل خلال الفيلم سوى عبارات قليلة للغاية، أتت مناسبة وفي محلها.

تم تصوير الفيلم بسرية فقد كان في ذهن المخرج أنّ فيلمه لن يرى النور بنسبة كبيرة، واختار منزل على وشك الهدم تم إعطاءه لهم بصورة مجانية؛ لأن لا فائدة تعود منه، وهو يشبه كثيرًا المنزل الذي عاش فيه ببداية حياته الزوجية.

واختار تصوير الفيلم بحيث تصبح الصورة محاصرة داخل إطار من اللون الأسود، مع أبعاد 1: 33: 1 ربما ليظهر شعور هذا الشبح المحبوس بداخل ملاءته البيضاء، والمنزل القديم، والذكريات التي لا تفارقه، وقد أشعرني ذلك بالوحدة والخوف طوال الأحداث.

من أهم النقاط التي ساهمت في إظهار الفيلم بهذه الصورة الموسيقى التصويرية الحزينة الخاصة به، والأغاني المدمجة في أحداثه، والتي عبرت عن الكثير من الكلمات التي لم تقال، وقد ألّفها دانيال هارت في تعاون جديد مع ديفيد ليروي.

في النهاية فيلم A Ghost Story ليس فيلمًا تجاريًا، ولا فيلمًا ملائمًا للتسلية السريعة، فهو يقدم فكرة فلسفية، وعرى مشاعر نخاف الاقتراب منها، ولكن هذا لا يمنع أنّه يصعب مشاهدته لمرتين، وقد شعرت بالملل من بطء وقعه، ومشاهده الطويلة والثابتة.