فيلم علي معزة وإبراهيم … “اسمها ندى على فكرة”
5 د
يحاول الكثير من صُنّاع الأفلام في مصر والعالم العربي، أن يخرجوا لنا بأفلام خارجة عن المألوف، يفكرون “خارج الصندوق” أو بعيدًا عن كل ما هو تقليدي، في أفلام أشبه بالأفلام المستقلة، ولكن غالبًا ما تعاني هذه الأفلام من مشكلات عديدة، ربما من فلسفة زائدة، سوء اختيار الممثلين لضعف الميزانية، أو مشاكل تقنية في الفيلم نفسه فيخرج الفيلم مزعج على مستوى الصوت أو الصورة. كذلك غالبًا ما تلاقي هذه الأفلام خسارة في الإيرادات، وتقييم سلبي من الجمهور، وأحيانًا من الجمهور والنقّاد على حد سواء.
كل هذه الأمور تجعل الاحتفاء بفيلم علي معزة وإبراهيم واجبًا، فالفيلم جيّد حقًا، اختيار الممثلين جاء في محله حتى وإن كانوا غير معروفين، الصوت والصورة للفيلم جيدين جدًا، والقصة غير تقليدية عن أبطال غير تقليديين موجودين في الحياة من حولنا، ولكننا ببساطة لا نراهم ولا نعرف قصصهم الإنسانية المؤثرة.
يدور الفيلم حول الشابين علي وإبراهيم، يسكنان في حارة شعبية عشوائية في القاهرة، يعاني إبراهيم _وهو النابغة في مجال الموسيقى_ من سماع أصوات عالية ومزعجة، تجعله يتراجع في عمله بشكل كبير، وهي حالة مرضية وراثية في العائلة، والسبب وراء مأساته الخاصة.
أمّا علي أو علي معزة، فهو يعمل تبّاع (مساعد) على الميكروباص الذي ورثه عن والده، وما يجعله أضحوكة الجميع، أنّ خطيبته ندى التي يتحدث دائمًا عنها بطريقة رومانسية، هي في الحقيقة مجرد معزة، تسكن معه في نفس المنزل مع والدته.
من أجل التخلص من اللعنات التي صُبّت عليهم كما يعتقدون، أو كما يعتقد من حولهم، يتشارك الشابان في رحلة غير مخطط لها، والتجوّل في مدن مصر الساحلية.
الفيلم كما قلنا حقق نجاحًا كبيرًا سواء على المستوى النقدي أو الجماهيري، وتحديدًا بالنسبة للفئة التي ينتمي إليها، فالفيلم قد يتم اعتباره نوعًا من الواقعية السحرية والفانتازيا والكوميديا في نفس الوقت. حتى أنّه بطل الفيلم علي صبحي الذي جسّد دور علي معزة، حصل على جائزة أفضل ممثل في مهرجان دبي السينمائي الدولي، في مفاجأة قوية من نوعها.
هذا هو الفيلم الروائي الطويل الأول، لمخرجه شريف البنداري، الذي عرفناه من قبل في الفيلم القصير “حار جاف صيفًا”، والذي حاز هو الآخر على تقييمات إيجابية من مشاهديه، وهو بالطبع الفيلم الأول لبطليه أحمد مجدي وعلي صبحي، ما يجعل المغامرة بإنتاج هذا الفيلم مضاعفة.
قام ببطولة الفيلم أحمد مجدي، علي صبحي، سلوى محمد علي، ناهد السباعي، وأسامة أبو العطا، مع ظهور خاص لآسر ياسين، وجميل برسوم، وصبري فواز. عرف الجمهور أحمد مجدي من خلال المسلسلات التليفزيونية، وتحديدًا من خلال دوره الأهم في مسلسل العهد من إخراج خالد مرعي في عام 2015.
أمّا علي صبحي فهذه تعد تجربته السينمائية الأولى، ساهم لمدة سنوات في إنشاء فرق مسرح الشارع، هما فرقة “حالة” وفرقة “أوطة حمرا”، حيث كان يقوم بأداء عروض مسرحية بمشاركة الفرقة في شوارع مصر.
من المثير للاهتمام أنّه رغم عدم خبرتهما السينمائية، فإنّ كلا البطلين أقنعانا بالأدوار التي أدوها، وليسوا بمفردهم، فقد كانت كل الأدوار الثانوية ممتازة ومتقنة للغاية، وتحديدًا دور المخضرمة سلوى محمد علي التي تثبت فيلمًا بعد فيلم أنّها ممثلة مهضوم حقها في التقدير الفني.
قصة الفيلم لإبراهيم البطوط، والذي ألّف بعض الأفلام من قبل وأخرج فيلم “الشتا اللي فات” بطولة عمرو واكد، ولكن أي من الأفلام السابقة، لم يحقق نجاحًا مثل الذي حققه فيلم اليوم. كتب سيناريو الفيلم أحمد عامر، الذي ألّف فيلم “الشتا اللي فات” السابق ذكره.
بالطبع يعاني الفيلم من الكثير من الأخطاء، أكبرها بالنسبة لي هو عدم وجود حاجة أو مبرر لوجود قصة الحب بين “كاماتا” صديق علي والذي جسد دوره أسامة أبو العطا، وبائعة الهوى “نور” التي أدت دورها ناهد السباعي، ورغم أنّ هذا الخط في الفيلم لم يكن له مبرر درامي، إلاّ أنهما أديا أدوارهما بشكل جيّد جدًا.
كذلك إقحام الثورة المصرية في بداية الفيلم، بدور آسر ياسين وتجسيده لظابط شرطة غير متزن، لم يكن له أي مبرر على الإطلاق، فإن قمت بحذف المشهد كاملًا، لن ينقص شيء من الفيلم أو يختل توازنه.
أمّا عن الجماليات، فهي كثيرة، بداية من ديكور البيوت الشعبية والحارة الفقيرة، وحتى تعاطفنا مع هذه الشخصيات التي لا نعرف عنها سوى القشور في الحياة الحقيقية، نرى تقبّلًا مدهشًا للاختلاف، حتى وإن كانت هناك سخرية مقابلة. كذلك التلقائية في الأداء بين بطلّي الفيلم، والدفاع المستميت لعلي عن خطيبته، فهو لا يحب أن يطلق عليها أحد لقب معزة، ويوقف من أمامه قائلًا بحدّة: “اسمها ندى على فكرة”. أيضًا كوميديا الفيلم أتت مميزة، فهي كوميديا مواقف وليست كوميديا “إيفيهات”، كما عهدنا في أغلب أفلام الكوميديا التي أُنتجت في السنوات السابقة.
ظهر ذكاء صُنّاع الفيلم في الدعاية له، عندما وضعوا البوستر التشويقي الأول مع اسم الفيلم، وهو يتضمن معزة فقط وأمامها ميكروفون، ثم توالت المقاطع الدعائية للفيلم والبوسترات الأخرى، كما أنّهم أحضروا معهم معزة حقيقية في العرض الخاص للفيلم. تصنيف الفيلم حسب الفئة العمرية +16، وذلك لاحتوائه على العديد من الشتائم والألفاظ الخارجة عن الإطار الأخلاقي العام، ومشهدًا جنسيًا.
حرص صُنّاع الفيلم أن يتركوا بصمة مميزة لدى العديد من حضور الفيلم في صالات العرض، فجهّزوا في بعض العروض الخاصة، أقنعة ورقية ظريفة تحمل وجه معزة، التقط الجمهور بها صورًا، اُستخدمت في المزيد من الدعاية للفيلم.
من المعتاد أن يكون للفيلم أغنية، تساهم في الترويج الدعائي له، واختار صُنّاع الفيلم أن تكون الأغنية شعبية، أغنية مهرجانات أدّاها حسن شاكوش. رغم أنّ أغنية “الكوتشي اللي باش” معروفة بصوت المغنّي المصري محمد محسن، إلاّ أنّ اختيارها بصوت حسن شاكوش كان موفقًا ومعبّرا عن البيئة التي يعيش فيها أبطال الفيلم.
رغم أنّ الشركة المنتجة للفيلم وهي “فيلم كلينيك”، أنتجت العديد من الأفلام الجماهيرية مثل: هيبتا وكدبة كل يوم، وأسماء وورقة شفرة، والعديد من الأفلام “المختلفة” مثل: عشم وميكروفون، وفيلا 69، إلاّ أنّني أظن أن هذا الفيلم تحديدًا، سيظل علامة مميزة لدى الشركة، ربما عليهم أن ينتجوا المزيد من الأفلام المشابهة. التي تحمل فلسفتها الخاصة ورموزها الخفية، ولكنها في نفس الوقت خفيفة على قلوب المشاهدين، فيملؤون قاعات العرض عن آخرها.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.