فيلم Amelie … والمصير المدهش لأميلي بولان
مقال بواسطة/ مؤمن علي
مساء ال30 من أغسطس 1997، يخرج مذيع الأخبار الفرنسي معلناً نبأ وفاة الأميرة ديانا وصديقها دودي الفايد في حادث سيارة.
تستدير أميلي بولان مأخوذة لشاشة التلفاز، تمسك زجاجة عطرٍ يسقط غطاؤها من يدها في خضم دهشتها، ليصطدم ببلاطة حائط فيحركها من مكانها.
بعد لحظات تنحني بولان على الأرض بحثاً عن غطاء زجاجة العطر، تلحظ البلاطة التي تحركت من مكانها، تزيحها لتكتشف خلفها حفرة في الحائط، في الحفرة صندوق وفي الصندوق توجد بقايا ألعاب وطوابع لطفل عاش في الخمسينات.
في الساعة الرابعة صباحاً يوم الحادي والثلاثين من أغسطس تقرر أميلي البحث عن صاحب العلبة، وإعادتها له، وإذا تأثر فستصبح فاعلةَ خير مستديمة، وهنا تبدأ قصة أميلي المثيرة التي ستغير حياتها.
قصة الفيلم
المدهش أنّ قصة أميلي المثيرة ليست في البحث عن صاحب العلبة كما سنتوقع لأول وهلة، علماً أنّها بداية حبكة معتادة في كثير من الروايات والأفلام.
لا فإنّ قصة أميلي المثيرة تبدأ عندما تقرر أن تصبح فاعلة خير مستديمة “Regular do-gooder”، وتبدأ في ملاحظة محيطها الاجتماعي وتقرر التأثير فيه بطريقتها الخاصة محاولة جعل كل من حولها سعداء، وهي الفتاة الخجولة المنطوية.
وهنا يكمن سحر الفيلم، في التفاصيل، فأميلي فتاة خجولة منطوية، وهذا يجعلها بطبيعة الحال ملاحظة دقيقة للتفاصيل، وبالتالي فعندما تقرر أن تغير في محيطها الاجتماعي، وتنشر السعادة دون أن يلاحظها أحد فهي تجعل من التفاصيل أدواتها وساحة ملعبها.
يقول المصمم الأميركي الشهير “تشارلز إيمز” : “التفاصيل ليست مجرد تفاصيل، إنّها ما تصنع التصميم”، بمعنى، أنّ التفاصيل ليست مجرد أشياء ثانوية بل هي أشياء أساسية؛ لأنّه في النهاية مجموع هذه التفاصيل هو ما يشكل التصميم النهائي.
وهذه المقولة ربما تنطبق على هذا الفيلم كأبرز ما يكون، فالتفاصيل في هذا الفيلم بالتركيز عليها وبتكثيفها، هي في النهاية ما تُعطي الفيلم جماليته ورونقه، وهي أيضاً ما يبنى عليه قصة الفيلم.
فعلى سبيل المثال تجد أحد الشخصيات الرئيسية في الفيلم هوايته الرئيسية هي جمع بقايا الصور الشخصية التي يتخلص منها أصحابها بعد أن يصوروا أنفسهم في ماكينات – أكشاك – التصوير المنتشرة في الأماكن العامة، ليعيد تجميعها ولصقها حتى يشكل ألبوم كامل منها، ومن عادته الغريبة تلك تبدأ أهم خيوط الفيلم الدرامية.
الألوان والتصوير
بصرياً يطغى على الفيلم الاستعمال المكثف للونين الأخضر والأحمر، والأخضر والأحمر هما لونان متضادان استخدامهما معاً يعطي إحساساً قوياً بالتألّق والتباين، فمثلاً: لو استخدمت اللون الأحمر فوق خلفية من الأخضر فسيبرز وبتألق الأحمر بدرجة أكبر والعكس صحيح.
هذا مع التشكيل المميز للصورة والكادر والاستخدام المناسب لزوايا التصوير ما أعطى الصورة إحساساً بالعمق، كما جعل الطابع البصري للفيلم غريب ومميز.
درجات الألوان الأخرى التياستخدمها الفيلم كانت مجموعة الألوان التي تنتمي لما يطلق عليه ال “skin tones”، أو درجات ألوان الجلد البشري، وهي مجموعة ألوان تمتاز بأنّها باهته وخفيفة نسبياً، ومريحه للبصر وربما كان استخدامها إمّا لإعطاء مساحة للأخضر والأحمر ليتضادوا، أو لإحداث توازن في ألوان الصورة.
التمثيل
الفيلم تم تقديمه بأسلوب كاريكاتوري أقرب لأسلوب قصص الأطفال، هذا بدوره انعكس بالتالي على التمثيل.
أسلوب التمثيل في هذا الفيلم شابه الكثير من “كسر الإيحاء” بمعنى أنّ أسلوب التمثيل لم يتسم بالواقعية بقدر ما اتسم بالطابع الكاريكاتوري “الكارتوني” نوعاً ما.
مع ذلك يحسب للمثلة “أودري توتو” الأداء الرائع الذي قدمته من خلال شخصية “أميلي بولان”، أداء اتسم بالاعتماد الأساسي على تعابير الوجه الصامتة أكثر من أي شيء آخر.
والحقيقة أنّ تميز ملامح وجه “أودري” مع أدائها المميز مع استغلال صُنّاع الفيلم لذلك، والتركيز الشديد على تعابير وجهها من خلال لقطات قريبة كانت حاضرةً دائماً طوال مدة الفيلم ما ساهم في تكوين حالة من الآيقونيه للفيلم، ويكفي النظر لغلاف الفيلم في حد ذاته للاستدلال.
عيوب الفيلم
ربما ما يعيب الفيلم هو تشتت سياقه الدرامي، حيث يتداخل محور الفيلم الأصلي مع العديد من القصص الفرعية، وهذا وعلى الرغم من أنّه في النهاية تظل القصص الفرعية جميلة ومؤثرة، إلاّ أنّها أيضاً تُضعِف السياق الأساسي لقصة الفيلم فلا تدري أحياناً أين القصة الرئيسية من القصة الفرعية خاصة في النصف الأول من الفيلم.
هذا بدوره أيضاً ساهم في التقليل من مدى وضوح الصراع بالنسبة للشخصية الرئيسية، المشكلة الثانية هي التضخيم الذي حدث في بداية الفيلم حول ضخامة الأحداث التي سيسردها، وأهميتها في حياة الشخصية الرئيسية، وكيف أنّ تلك الأحداث ستغير حياتها للأبد.
ولكن تجد نفسك في النهاية أمام أحداث محدودة حجماً وزماناً، وقصة حب أبسط من أن نفترض أنّها غيرت حياة شخص ما إلى الأبد.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.