أنمي Aoi Bungaku … يجمع بين روْعة الفن المرئي والأدب المقروء!
إنّ للفنون والآداب – بمُختلف أنواعهم ومصادرهم – العديد من الخصائص والمُميّزات، ولعلّ أجمل ما يقدّموه لنا هوَ الرحلات الرائعة التي يصحبوننا فيها إلى عوالم شتّى وبطُرق متنوّعة، حيْث يكون لكلٍّ منهم سِحره الخاص الذي يجذب مُحبّيه، تُرى ماذا يحدث لو اجتمع العالمان السحريّان للفن والأدب معًا؟ حتمًا الناتج سيكون قطعة فنيّة فريدة ! .
على سبيل تبسيط التراث الأدبي الياباني وتقريبه لمُشاهدي الأنمي – وخاصةً الشباب -، يأتينا هذا المشروع الطموح المُميّز لأنمي Aoi Bungaku Blue Literature Series ، حيثُ سنكون على موْعدٍ مع باقة مُختارة من إبداعات أُدباء اليابان مُصوّرةً بشكل غيْر تقليدي وذي تأثير طاغٍ يُدير الرؤوس.
سلسلة قصيرة من 12 حلقة – إنتاج : عام 2009 – تنفيذ الإستوديو المتميّز Madhouse
تصنيفه: غموض – تاريخي – نَفسي – رُعب – درامي – Seinen ( موجّه للشباب من 18– 30 عام) – دموي
تقييم الأنمي :
عبارة عن حلقات مُتّصلة مُنفصلة، تتناول بشكل فريد ومميّز للغاية 6 من أشهر الروايات اليابانيّة الكلاسيكيّة والتي تُعدّ من جواهر الأدب الياباني وأكثرها تميّزًا بشكل يجعلها حاضرة دومًا مهما مرّ من وقت، لذلك أُشير إليها في العنوان باللوْن الأزرق – الذي يُعادل في اليابان ما يُعادله اللوْن الأخضر في الثقافات الأخرى تعبيرًا عن دوَام الازدهار وشدّة التأثير –
** في التالي عرض مختصر – خالي من أي حرق للأحداث – لمحتوى كل حلقة **
الحكاية الأولى : [ على مدار أول 4 حلقات ]
عن رواية : لم يعُدْ بشريَّا No Longer Human Ningen Shikkaku
للكاتب “أوسامو دازاي” Osamu Dazai
عن صراعات شابٍّ في سن المراهقة يفقد هويّته وشعوره بذاته – نتيجة ترسّبات من طفولته وعدّة حوادث واجهَها على مدار حياته – يقع فريسة الاكتئاب فينغمس في إيذاء نفسه بكل الوسائل، وخلال كل فصل من الرواية – أو مُختصرها في كل حلقة – سنُعايش معه أفكاره ومشاعره وتلك المتاهة التي ضلّ طريقه فيها.
إنّها دراما نفسيّة من العيار الثقيل، زاد من عبئها تلك الظلال التي تُلقيها على حياة الكاتب نفسه، حيثُ يُشاع أنّها في الواقع كانت سيرة ذاتية أو سردًا لأحداث حياته، وكذلك لمخاوفه وهواجسه وما يدور في رأسه، خاصةً مع تشابه مصيره مع المصير المُحزن لبطله، وقد نجحوا رغم غياب كثير من التفاصيل – بحُكم قِصَر وقت الحلقات – أن ينقلوا مشاعر البطل وعذاباته من خلال الإبداع البصري المُتمثّل في الإخراج وطريقة رسم الشخصيّات ونقل المواقف، وأيضًا الإضاءات الشاحبة الباهتة والأجواء الكئيبة التي منحت القصّة بالكامل الهالة النفسيّة المطلوبة وغدا تأثيرها مُضاعفًا.
الحكاية الثانية : [ الحلقتان 5 و 6 ]
عن رواية : في الغابة أسفلَ شجرةِ الكرز المُزدهرة Sakura no Mori no Mankai no Shita
للكاتب : آنجو ساكاجوتشي Ango Sakaguchi
على عكس ما قد يُوحي العنوان، فإنّه لأول مرّة تقريبًا يتم استخدام رمز مُبهج وملوّن ومليء بالمشاعر كـ “الساكورا أزهار الكرز” في تصوّر مُقبض ومُثير للرعب كما حدث في تلك الحلقات، ورغم أنّه من المُفترض أنّها تدور في القرن الـ 12 حول قصة حُبٍّ جمعت بين فتاةٍ وخاطفها أحد قُطّاع الطُرق من ساكني الجبل، لكن تم تناولها بشكل سيريالي يحمل عُمقًا وفلسفة مختلفة تُدير الرؤوس.
الحكاية الثالثة : [ الحلقتان 7 و 8 ]
عن رواية: Kokoro – [ المعنى الحرفي للكلمة هوَ “قلب”، لكن يُمكن ترجمة العنوان إلى “أصل أو منبع كل شيء” ويمكن كذلك اعتبارها تعبيرًا عن “المشاعر” ] –
للكاتب : ناتسومي سوسيكي Natsume Soseki
في العام 1914 الذي شهد تلك الفترة الانتقاليّة بين عهد “ميجي” والعصر الحديث، وحيث الكثير من التغيّرات في كل شيء، يصحبنا الكاتب في رحلة في دواخل النَفس البشريّة، حينما تلوّث مشاعر الوحدة والغيرة والشك تلك الصداقة التي جمعت بين شاب في مُقتبل العُمر وصديق صباه الذي يكبره في العُمر ويُناديه احترامًا بـ “سينسيه Sensei – بعد أن اتّخذ طريقه كـ راهب
عن سوء الفهم ومشاعر الخزيْ والذنب التي تقود المرء للجنون، وعن الرؤى المُختلفة للحقيقة!، حيْث تُروى القصة من منظورين، منظور الشاب + منظور الراهب.
الحكاية الرابعة : [ الحلقتان 9 و 10 ]
عن القصة القصيرة : اركض يا ميلوس ! Run, Melos! Hashire, Melos
اركض بكل قوّتك، اقطع المسافات، تحدّى الليل والنهار، سابِق الزمن، وصارع الخوْف والشك وانقذ رفيق عُمرك قبل أن يفوت الأوان… تُرى هل ستعود حقًا..أم؟
مُعبّرةً عن مخاوف الكاتب وصراعاته الداخليّة وهواجسه عن الخيانة جاءت تلك القطعة الفنيّة، وثاني لقاء لنا مع كتابات ““أوسامو دازاي ” Osamu Dazai المميّزة، قصة منسوجة بمهارة داخل قصة تروي قصة !، لتتمّاس الحيوات المُختلفة بشكل عبقري، فهيَ تُعتبر في الأساس إعادة سرد لأسطورة يونانيّة قديمة بمنظور حديث، وفي نفس الوقت تدور حوْل كاتب يُجهّز مسرحيّة يُعبّر فيها عن مشاعره ومخاوفه وإحساسه بالذنب تجاه صديقه من خلال تلك القصة الكلاسيكيّة، فتجد أنّك غارق حتى الثمالة في تفاصيل كل واحدة من تلك القصص المُتشابكة، لا تدري أيٌّ منها الحقيقي وأي منها الجزء الروائي، تُعتبر من أروَع ما تم تقديمه في تلك السلسلة.
الحكاية الخامسة : [ الحلقة 11 ]
عن القصة القصيرة : Kumo no Ito The Spider’s Thread خيط العنكبوت
للكاتب : ريونسكي أوكتاجاوا Ryūnosuke Akutagawa
سارقٌ آثم قاسي القلب، قاتل دموي مجنون عتيّ الإجرام، هل من الممكن أن يُنقذه من مصيره المحتوم ومكانه المرصود في جهنم خيْط عنكبوت؟ لوحة سيرياليّة أخرى تعرض رؤية فلسفيّة جديرة بالاهتمام – على هامش المفاهيم البوذيّة – عن ماهيّة البشر وطبائعهم، وعن تلك الأفعال الصغيرة في حياتنا والتي يُمكنها أن تُغيّر مصيرنا بالكامل، مع الإشادة ههنا بالإخراج الرائع في تلك الحلقة والامتزاج بين الألوان والرسومات بشكل مميّز يُغرقك في مشاعر شتّى .
الحكاية السادسة [ الحلقة الــ 12 والأخيرة ]
عن القصة القصيرة : Jigoku Hen Hell Screen شاشةُ (على) الجحيم
إنّ المهمّة التي كُلّف بها الفنان العظيم ” يوشيهيد” لا بدَّ يسيرة، فكلُّ ما عليه فعله – بُناءً على أوامر الإمبراطور – هوَ تصوير الجحيم في لوْحة من رسمه!، لكن هناك مشكلة صغيرة، لا يُمكن لمخيّلته مهما جمحت أن تُصوّر له شيئًا لم يُجرّبه أو يشهده بنفسه.
والحل؟ شيء بسيط للغاية، أن يستأذن الملك في بعضٍ من حاشيته وخواصه لكي يُنزل بهم صنوف التعذيب المختلفة بالتالي يستطيع أن يُضمّن مشاعرهم وصوَرهم في لوحته !. لنغوص معهم خلال دقائق في أعماق الجنون.
ومن جديد يفاجئنا الكاتب ذي النظرة الفريدة “ريونسكي أوكتاجاوا Ryūnosuke Akutagawa “ في ثاني لقاء لنا مع أعماله، بـقصّة سوداويّة مليئة بالعذابات والصراعات الروحيّة وذات ثِقَل نَفسي كبير، كذلك فإنّها حملت كما يُعتقد بُعدًا سياسيًّا واجتماعيًّا، فكأنّ الكاتب حاول فيها انتقاد الأوضاع المُزرية لبلاده في تلك الفترة من خلال رؤية ذاك الرسّام المُضطرب، والذي قرّر نقل الجحيم الخارجي الذي يُعانيه الشعب مُسقطًا إيّاه على الجحيم المُراد رسمه.
ولقد تم تصوير تلك الرواية ببراعة بكل مشاعرها المُقبضة المُخيفة رغم قِصَر القصة، لدرجة أنّني لا أدري هل أُشيد بالرواية نفسها وفكرتها وشخوصها وأحداثها، أم بالإخراج الرائع والمتميّز للغاية في تصويرها ههنا؟
وهذا ما يجعل سلسلة Aoi Bungaku في غاية التميّز برأيي وتجربة جديرة بالمُشاهدة والاهتمام، ليْس فقط كوْنها عرضًا لروايات مختلفة وفريدة من نوعها، لكن أيضًا للنظرة الفنيّة والإخراجيّة التي تم التعبير بها عن كل واحدة منها بشكل أضاف الكثير جدًا لها، واستطاع بشكلٍ ما أن يُعالج ثغرة اضطرار الحلقات لاختصار تلك الروايات القصص وجعلها قصيرة ومُركّزة – ومُديرة للرؤوس في أغلب الوقت – فجاءت بغرض إعطاء نبذة بسيطة عنها للمُهتمّين، وفي نفس الوقت وسيلة فريدة للاحتفاظ بتلك الكنوز الأدبيّة، وقد نجحوا في نقل وطأة تلك الروايات بكل فلسفتها – وسيرياليّتها أحيانًا –، مُثبتين من جديد أنّ الأنمي ليْس للأطفال – وحدهم – إطلاقًا، فهذه السلسلة تحديدًا لا يُمكن لكثير من البالغين تحمّل وَقعها وتأثيرها النَفسي. لذا، فهيَ سوف تروق كثيرًا لمحبّي هذه النوعيّة من الأنمي، وكذلك لمَن يهوون الأعمال الأدبيّة أيضًا، جامعةً بين روْعة الفن المرئي والأدب المقروء في تجربة فريدة.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.