فيلم Ballerina … مطاردة الأحلام على إيقاع رقصات الأقدام الناعمة
5 د
الأمر لا يبدو غريبًا تمامًا أو جديدًا كليًا فكلنا قد صاحبتنا منذ مراحل الطفولة إلى الآن نسج تلك القصص المحكية والمرئية عن عالم الأحلام البديع، وكيف تتجسد بالإصرار إلى حقيقة ملموسة، رسموها أمام أعيننا أبطال كُثر سواء في عوالم الرسوم المتحركة، أو في دراما الكبار، لكن مايميز سحر قصة فيلمنا الليلة هو أنّه يجمع بين الأحلام الراقصة في أذهاننا بطبيعتها المعهودة، وبين سحر فن الرقص نفسه الذي يجعل من ذلك الحلم طائر محلق بجناحيه في السماء.
إذا كنت أيضًا عزيزي القارئ تملك حلمًا عنيدًا وظروفًا بائسة، ويسكن في أعماقك حبًا جمًا للفن باختلاف تشعباته، فأظن أنّ هذا الفيلم الخفيف سيناسب مزاجك ويلهمك بدفعه لا بأس بها من الأمل.
قصة الفيلم
المكان: إحدى قرى ريف “بريتاني” الفرنسية.
الزمان: في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي.
قصة الصغيرة “فيليسي” الفتاة اليتيمة التي تقترب من عامها الحادي عشر، ومن حلمها الأزلي بأن تصبح راقصة باليه محترفة، إلاّ أنّ أسوار الملجأ الخانقة الذي تعيش فيه يحول بينها وبين تحقيق حلمها المنشود.
تقرر مع صديقها المقرب “فيكتور” والذي بدوره يحلم بأن يصبح مخترعًا عظيمًا الهرب من الملجأ مهرولةً إلى باريس مدينة الأحلام والأمنيات، حيث ستعانق هناك السحاب الذي يرقص وتدور فوقه كما تريد.
وكالعاده بقدر ماتحمل المدن الكبيرة من آمال وفرص تخطف الأبصار، إلاّ أنّها تستقبل الغرباء بصقيعها الصادم الذي واجهته بطلتنا الصغيرة بأطرافها النحيله وقدماها التي ساقتها إلى دار الأوبرا، لكن دار الأحلام للأسف تلفظها في أول الأمر مما يضطر باليتيمة إلى انتحال هوية طفلة أخرى من بنات الطبقه العليا؛ لتتمكن من الالتحاق بدروس الرقص، ثم تتوالى أحداث الشخصية الجديدة مع إصرار وإحباطات المرحلة الجديدة.
شخصيات العمل
# بالطبع الصغيرة الراقصة “فيليسي” والتي تؤدي صوتها الممثلة الامريكية “إيل فانينغ”، ثم صديقها الذكي المتملق “فيكتور” بصوت الممثل “دان ديهان”، حيث قُدم “فيكتور” كشخصية ثانوية قوية بحضورها ساند بطلتنا الصغيرة حتى النهاية بحس عال من الحماسة والمرح خصوصًا بعد أن قُدمت شخصية الصديق الثالث المخترع صاحب اليد الثالثة .
# “أوديت” بصوت “كارلي راي جيبسن” عاملة النظافة في دار الأوبرا وصاحبة الوجه العابس الملبد بالغيوم، تكون هي الشخصيه الأولى التي تقابلها “فيليسي”، تصرفها عن وجهها بشعور غاضب في بادئ الأمر، ولكن سرعان ما يتحول هذا الحنق إلى نقيضه.
# “كاميل” بصوت “مادي زيغلر” الطفلة المنافسه لـ “فيليسي”، والتي تمثل انتحار الإحساس الفني على عتبة الأداء الحركي الأجوف.
# “ميرانت” بصوت ممثل الأصوات “تيرنس سكاميل”، وهو المدرب الصارم الذي لا يتساهل بالخطأ ويرفع قبعته إجلالًا للإبداع.
# “ريجين” بصوت “جولي خانر” أم الصغيرة “كاميل”، وهي الوكيلة الحصرية للشر في محاولاتها المستميته لتدمير “فيليسي”.
آراء نقديه حول الفيلم
# موسيقى الفيلم: رغم أنّ الموسيقى المقدمة في الفيلم قد تكون ناسبت إلى حد ما مشاهد الفيلم المحلقة في سماء باريس وريفيها، وبالطبع قد ناسبت الفكرة الرئيسية الجامعة للفيلم، إلاّ أنّها لم تتناسب مع مسار الفيلم ككل حيث بدت موسيقى بوب حديثة لاتتفق مع مجرى موسيقى دار الأوبرا الذي يقدمه جو الفيلم، خاصةً في العمل الذي تتنافس فتياتيه على رقصة رائعة تشايكوفسكي “Nutcracker”.
# قصور في الحبكة: ومن جوانب القصور في الفيلم أيضًا أنّ عنصر الشر قد تم إبرازه وبوضوح في شخصية الأم “ريجين” التي تحاول أن تحقق رغبتها بالنجاح من خلال ابنتها التي تدربها بشكل مفرط في القسوة، مع ترك فراغ في حبكه الفيلم توضح لنا (نحن المشاهدين) عن سبب رغبة الأم لجعل ابنتها تحقق هدفها في رقص الباليه ليظهر تباعًا أنّه هدف الأم الذي أرادت تحقيقه من وارء التدريب الجنوني لابنتها “كاميل”، والتي تركت المشاهد يتساءل في حيرة ورغبة لمعرفة المزيد.
كان ملفتًا وضع المقاربة بين طوفان الرغبة الذاتية النابعة من قلب “فيليسي”، وبين الرغبة الثانوية لـ “كاميل” العالقة في عباءة أمها، ولكن كان الأحرى لو تم الإشارة إلى تلك الأسباب التي تقف خلف رغبة الأم الجنونيه التي تدفعها في جعل ابنتها راقصه باليه حتى وأن اضطر الأمر إلى سحق اليتيمة الصغيرة.
وأيضًا القصور في الإشارة إلى العلاقة بين المدرب “ميرانت” وعاملة النظافة الراقصة السابقة “أوديت”، فقد كان خاطفًا ويفتقر لتفاصيل أكثر ترضى المشاهد، وكما يبدو فإنّ قضية العامل الزمني للفيلم كانت هي من تسببت في قصور حبكة هذه النقطة، بالرغم أنّه كان من الممكن الإشارة إلى هذه العلاقة التي تركت علامة استفهام في ذهن المشاهد ولو بـ حيلة الاسترجاع الفني (flashbacks).
المؤثرات البصريه
قدم الفيلم بصمة واضحة في تصوير الريف الفرنسي الرائع، مع إبراز أيضًا جمال عاصمة العبق الأوربي باريس، في حين تم عرض المشاهد المتعاقبة حول برج إيفل العظيم وهو مازال تحت الإعمار؛ ليسمح للمشاهد أن يمر على تلك الحقبة الزمنية الفريدة مع التحكم في ظل تصوير المشاهد، وإبراز ظل النهار الذهبي.
أخيرًا يبقى السؤال… لماذا؟
تكرر طرح هذا السؤال على بطلتنا الصغيرة “فيليسي” أكثر من مرة في الفيلم
– لماذا؟ لماذا ترقصين؟
– إنّه حلمي وجزء من حياتي، وقد كان هذا الجواب المقتضب هو الذي دفع الهاوية الصغيرة المنسية في “ريف بريتاني” أن تصبح ما تريد وتشعل باريس بأكملها.
يبقى السؤال لنا جميعًا الآن، لماذا نفعل هذا الشيء بعينه ونصر عليه دون غيره؟ لماذا؟
إنْ كان الرد الداخلي بلا تفكير أو تنميق “أنّه أنا كياني جزء من حياتي، والحلم الذي يطاردني في صحوي ومنامي” … فلابد إذًا أنّ النور والسعادة يقفان هناك على كلا الجانبين في أخر الدرب.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.