قراءة في فيلم Batman Begins .. الجزء الأول من ثلاثية The Dark Knight
9 د
فيلم Batman Begins .. بداية مُثلى لواحدة من أفضل السلاسل السينمائية على الإطلاق
القسم الأول من قراءتي لسلسلة نولان السينمائية تحت عنوان “الخوف”
ملاحظة: يحتوي هذا المقال على بعض التفاصيل من أحداث ثلاثية The Dark Knight
على الرغم من مرور 10 سنوات، لا تزال تفتنني تلك السلسلة، حيث تربّعت سلسلة نولان هذه بإتقانها الشديد والأداء المتفان فوق عرش Warner Bros لأفلام الأبطال الخارقين بمجموع إيرادات بلغ (2 مليار و458 مليون دولار) بالإضافة إلى مئات الملايين من عُشّاقها حول العالم.
لا توجد سلسلة مقتبسة من القصص المصورة حازت شهرة كتلك التي نالها فارس الظلام، لا شيء اقل من تحفة اهدانا إياها نولان و فريقه، لن يمر فيلم قادم لباتمان أو الجوكر دون مقارنة صعبة بالإخراج، القصة، السيناريو، الموسيقى التصويرية، طاقم ممثلين، ابقانا نولان مذهولين ومستمتعين ساعة كاملة في الجزء الأول دون أي ظهور لباتمان، فقط خلفيته المأساوية وتدريباته وصراعه النفسي الداخلي.
لم يكن الأمر سهلاً، فبعد بضع محاولات غير ناجحة في التسعينات نما لدى المعجبين بالسلسلة شعور بالإحباط لعدم انتاج فيلم يرسم شخصية منقذ جوثام والبطل الخارق الأفضل على الاطلاق.
بدأت شركة الإنتاج Warner Bros في التخطيط لفيلم يُجسّد باتمان منذ بداية الألفية تقريباً وقَدّم الاخوة واتشوسكي، وهما اللذان اخرجا ثلاثية The Matrix وأنتجا الفيلم الرائع V for Vendetta، تصوراً مبنياً على القصص المصورة بعنوان Batman: Year One.
يبدأ الفيلم في السيناريو الأصلي بمشهد مقتل والدي بروس بعد مشاهدتهم لفيلم The Mark of Zorro وهو هنا أقرب للكوميكس من مشهد الأوبرا في فيلم Batman Begins وفي رمزية شديدة تُحلّق مجموعة من الخفافيش فوق رأس بروس بينما تصل قوات الشرطة إلى الموقع، يظهر بروس بعدها بحوالي 20 عاماً عائداً إلى جوثام دون أي مشاهد لتدريباته في الخارج وهو هنا أقرب إلى القصص المصورة ايضاً.
ينقذ باتمان جوردن من محاولة لتأديبه ثم تظهر سيلينا كايل كناشطة في مجال حماية حقوق الحيوان في دور Catwoman ويتقابل الثلاثة في مكتب المفتش لوب حيث ينقذ باتمان سيلينا من يدي جوردن قبل أن يصبحا أصدقاء ويفقد باتمان قطعة من ملابسه تشير الى علاقته بشركات وين “مما يثير شكّ جوردن”.
يتم اختطاف ابنة جوردن على يد كارمين فالكون أحد أقطاب الجريمة في جوثام ليتدخل باتمان وتصبح الابنة بأمان تام ويترك جوردن باتمان حراً طليقاً ويُختتم السيناريو كالكوميكس حيث يطلب جوردن مساعدة باتمان حول مجرم مجنون طليق.
لم ينجح هذا المشروع وتعاقدت شركة وارنر بروس في 2003 مع كريستوفر نولان لكتابة واخراج الفيلم، كان نولان شغوفاً بفكرة نشأة باتمان وعرض رحلته التي تحوّل فيها كاملاً للشخصية التي ستلازمه طيلة حياته، راغباً في جعلها واقعية إلى اقصى مدى ممكن.
استعان نولان بعدها بديفيد جوير أحد كتاب السيناريو ذو خبرة بالكوميكس لمساعدته في ربط أجزاء الفيلم ببعضها لكن واجهته مشكلة عويصة.
الفكرة
أراد نولان ربط الشرير الرئيسي في الفصل الثالث من الفيلم بالفصل الأول والذي يُعرض نشأة بروس وتدريباته في الجبال مع “عصبة الظلام – The league of Shadows” كما أراد نولان للفصل الثالث أن يتضمن خطر جسيم يهدد جوثام نفسها على عكس السيناريوهات السابقة و الكوميكس نفسها.
اقترح بعدها جوير نصب راس الغول الشرير الرئيسي في الفيلم مما حل المعضلة بظهوره في الفصل الأول بصفته مدرب بروس و عزمه على تدمير جوثام ليعترضه باتمان في الفصل الثالث بينما يحتوي الفصل الثاني على الهاء للمشاهد في صورة كارمين فالكوني كشرير متوسط القدرة مرتبط في نفس الوقت بالشرير الرئيسي.
في 2004 أنهى جوير نسخة أولية من السيناريو وتركها لنولان لانشغاله في فيلم Blade، قام نولان ببعض التعديلات البسيطة واستشار جوير في اختيار طاقم التمثيل ليبدأ التصوير في شيكاغو و لندن، رفض نولان الاستعانة بفريق تصوير ثانوي لفرض رؤيته كما تحاشى الاستعانة بالكثير من المؤثرات البصرية للإبقاء على واقعية الفيلم قدر الإمكان.
راعى نولان مراحل صنع البطل الخارق، نذكر بعضها فيما يلي
الانضواء تحت لواء العالم الطبيعي
حيث ينشأ البطل في بيئة طبيعية تماماً لتطفو اخطاؤه على السطح ثم يمر عبر مهمة متغلباً على مصاعبها وتوضح تلك المهمة طبيعة عالمه الجديد.
الدعوة للمغامرة
حيث يتعرض البطل لحادث مفاجئ جاذباً إياه إلى المجهول، مقتل والدي بروس في حالتنا.
رفض الدعوة للمغامرة
بما أن بروس ليست لديه القدرة بعد على القيام بدور فارس الظلام حتى فشله في الانتقام من قاتل والديه، اذاً هو يحتاج لرحلة كي يفهم فيها عقل المجرم وطريقة تفكيره، هذه الطريقة ايضاً تفيد في جذب انتباه المشاهد عن طريق عدم ترجمة تطلعاته واقعياً.
المساعدة الاستثنائية
التي تأتي من مصدر ذو قدرات غير طبيعية، في حالتنا تلك “راس الغول”، تُبيّن تلك المرحلة ايضاً مدى ضآلة استعدادات البطل والتي اجبرته على قبول المساعدة.
بداخل الحوت
تُعدّ تلك المرحلة بمثابة نقطة تحول في مسيرة البطل بإكتشافه لخوفه الأكبر ورمز الشرّ لديه، يتشرّب البطل فزعه هذا محوّلاً إياه إلى قوته التي تثير رعب أعدائه، في حالتنا تأتي تلك المرحلة باكتشاف بروس لكهف الوطاويط اسفل منزله ليتعانقا سوياً مُتحدين ضدّ ما هو آت.
اذاً يملك نولان في جعبته حتى الآن قصة رائعة بعرض غير تراتبي مع إخراج ممتاز.
الموسيقى
لا تقتصر مهمة المؤلف الموسيقي على اللعب بأوتار الجيتار أو الطرق على مفاتيح البيانو، بل عليه التواجد بصفة مستمرة في أماكن التصوير للغوص في الجو المحيط بالفيلم كي يستكشف منه الذبذبات الموسيقية المناسبة لجذب المشاهد طوال فترة العرض.
لإتمام المهمة بنجاح تعاقدت وارنر بروس مع هانز زيمر وجيمس نيوتن هاوردو هما من افضل المؤلفين الموسيقيين في العالم ولكل منهم رصيد من المؤلفات والجوائز يطول ذكرها.
قضى الاثنان ثلاثة أشهر في لندن لكتابة النوتات الموسيقية وتعديلها، شيئا فشيئاً استطاعا الوصول للشكل النهائي لموسيقى تناسب الروح المحطمة لفارس الظلام.
يقول زيمر:
حادثني نولان بشأن فيلم Batman Begins .. بروس وين نهاراً وباتمان ليلاً، هناك اذاً نوعاً ما من الانفصام لذا تكلمت معه بحاجتي إلى جيمس، اردت العمل معه لسنوات عدة لكن جدولنا المزدحم كان هناك دائماً لإفساد الأمر.
بقينا في الاستوديو لساعات عديدة نعمل معاً، كانت تجربة رائعة لنقل الأفكار، يمكنك الإحساس بالأمل في نغمة، يتلوها نغمة التساؤل، يعقبها نغمة اليأس، أحسست بكوني أؤلف الموسيقي التي لطالما حلمت بها.
الشخصيات
جيم جوردن – Jim Gordon
بدا جوردن كما لو كان مبتدئاً، مثالياً أكثر من اللازم، يريد خلق عالماً لم ولن يوجد، يتماشى مرغماً مع الواقع الوحشي المفروض عليه بلا رفيق في تلك الرحلة الصعبة، نضج جوردن لاحقا في الجزء الثاني وانقشعت الغلالة من فوق عينيه تدريجياً كي يدرك انه وحيداً في الظلام.
لكن مع فرق بسيط، فلقد اصبح له رفيقاً يشاركه امله الضعيف وصنعوا معاً الكذبة التي صدقها مواطنو جوثام، خلقوا اخيرا المثالية المنحوتة من ورق التي سرعان ما انهارت في الجزء الثالث ليتعلّم درسه الاخير والذي استغرقه وقتا طويلا في استيعابه.
يقول نولان في معرض حديثه عن اختيار جاري اولدمان للدور:
بالرغم من أدوار جاري الشريرة في غالبيتها، إلا انه بدا طبيعياً ومناسباً للدور بشدة.
باتمان – بروس وين
لم يرتدي بروس وين قناعه عندما نضج وبعدما تدرب، انما ارتداه يوم قُتل والديه، أو على الارجح مات بروس وين مع والديه في ذلك اليوم وليحل باتمان محل روحه الممزقة تدريجياً.
الغضب، الألم، السعي نحو هدف غير واضح في البداية من الحياة، تعكس دوافع باتمان خبايا البشر ايضاً، فهو يصارع ما نصارع نحن لأجله، حياته كلها بمثابة مهمة لاستعادة قيمتها كاشفاً الأشرار الذين يعكسون الخفايا السيئة للبشر التي نراها يومياً.
مثّل تدخل باتمان خللاً في عمل الطبيعة، فجوثام في الآونة الأخيرة اصبحت تخضع لقانون الغاب بقواعد وقوانين معينة خرقها بروس وين جميعاً لتنشأ فوضي عارمة بداية من الجزء الثاني ترى أن ما حدث لم يكن عدلاً، وظهرت شخصية الجوكر بلا حدود لأفعالها، تماماً كباتمان، مما استدعى إعادة الامور لطبيعتها في الجزء الثالث وإدراك بروس أن مهمته قد انتهت.
قام كريستيان بيل بأداء دور بروس وين ليحظى به على اعجاب العديد من متابعي السلسلة و النُقّاد كذلك، لم يقم بيل بلعب شخصيتين فقط وانما ثلاث، شخصية بروس وين تحت قناع باتمان، شخصية بروس وين الملياردير العابث، شخصية بروس وين المكتئب لاحقاً.
في وجهة نظري فاق بيل بأدائه كل من مايكل كيتون، جورج كلوني وفال كيلمر، اداء يعكس عمق الشخصية التي اضفى عليها نولان أبعاداً انسانية لم ترها افلام باتمان من قبل.
ألفريد بينيورث – Alfred Pennyworth
بماضِ غامض حامت حوله الحكايات، يُعتقد بأنه خدم في القوات الخاصة البريطانية او شغل منصب عميل خاص حكومي، يقوم الفريد بدور الأب الروحي والمُرَبّي الصبور لبروس متحملاً غضبه المتراكم.
يحاول دائماً بعث الأمل من جديد بداخله، موجهاً إياه نحو طريق العدل التام بعيداً عن شخصنة الأمور بالرغم من اعتراضه في الأصل على قيام بروس بارتداء قناعه واختياره لهذا الأسلوب في الحياة.
قام بدور الفريد الممثل البريطاني مايكل كين بعدما عرض عليه نولان الدور، ظن مايكل أن دوره سيقتصر على ترديد عبارات مثل، “هل يمكنني تقديم الشاي لك يا سيدي؟” وكاد يرفض الدور، لكن السيناريو الموضوع اثبت أنه قوي كفاية لإتاحة مواهب مايكل في الظهور على الشاشة على عكس نسخ باتمان السابقة الفقيرة.
لوشيوس فوكس – Lucius Fox
بالرغم من عدم تمثيله لدور رئيسي في الفيلم كألفريد أو جاري اولدمان، إلا ان لوشيوس لا غنى عنه في ثلاثية باتمان فهو المزوّد التقني الرئيسي له بجانب عمله الأساسي للحفاظ على ممتلكات شركات وين مع احتفاظه ايضاً بوظيفة الارشاد الابوي كما سيظهر في الجزء الثالث.
ريتشل دوس – Rachel Dawes
هي رفيقة بروس منذ الصغر قبل المأساة التي حلّت بعائلته، والمُنقذ الأخير التي اعتمد عليها في سبيل حياة طبيعية يحياها بعيداً عن الجنون المُطبّق الذي طغى على جوثام في الجزء الثاني إلا أن الجوكر لم يمهله بعدما أكتشف علاقته بها.
لو أن هناك خطئاً واحداً ارتكبه نولان فهو اختيار كاتي هولمز للعب الدور في فيلم Batman Begins فهي تفتقد النضج الكافي الذي ظهرت عليه ماغي جيلينهول في الجزء الثاني و الذي اكسبها اعجاب الجميع.
ملاحظات على الهامش
– كاد كريستيان بيل أن يلعب دور روبن في فيلم Batman forever وهو الدور الذي انتزعه كريس اودونيل.
– تم استخدام تكنيك قتالي دفاعي حديث نسبياً في السلسلة يُسمى Keysi fighting Method واعتمد فيه نولان على قدرة كريستيان بيل وبدلاؤه لإجادته حيث تم تدريب بيل يومياً على يد خبراء محترفين كي تظهر مشاهد القتال و الذي بلغ عددها 16 مشهد بهذه الجودة.
– استخدم نولان طريقة للعلاج السلوكي تُدعي Exposure therapy وفيها يواجه الشخص مخاوفه، فوبيا معينة لديه او نوبات قلق ناتجة عن صدمة، في حالتنا تلك هي الخوف من الخفافيش.
– صدر فيلم Batman Begins في 15 يونيو 2005 و حقق إيرادات بلغت 374 مليون دولار.
يُتبع..
لقراءة الأجزاء التالية :
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.