لمحبّي الأفلام الوثائقية القصيرة والطويلة مجموعة من أفضل الأفلام الوثائقية على نتفليكس

قد نتساءل معًا عن الخطوة التي تسبق مرحلة الوصول إلى الصور الناطقة والموسيقى التصويرية المبهرة والنصوص المكتوبة بسلاسة كبيرة فتجيبنا دراسات ومقالات تقول بأن الفن السابع هو نتاج صيرورة تاريخية طويلة بدأت منذ القرن التاسع عشر المرتبط بالصناعة التي ألزمت على المواطن آنذاك الانخراط في ديناميكية ثقافية وعلمية جديدة، لعبت فيها الصورة دورًا محوريًا. لم نكن نتحدث حصرًا عن الصور التي تظهر على الجرائد بين صفحات الإعلانات إذ ظهرت الصورة مرتبطة بالمعلومة من خلال الشاشات. وُلِد هذا الفن من تقاطع مجالات عديدة واختراعات كثيرة نذكر منها الفوتوغرافيا واختراع الستروبوسكوب ثم الكيبتوسكوب الذي صنعه توماس إديسون ليصبح منذ تلك الأيام أحد الفنون الأقرب من قلب المواطن العالمي، فيقرب منه الحقيقة وينير بصيرته ويأجج، نيران خياله ويشبع حبه للقصص ولألوان الحياة. عن هذه الحقيقة وعن زواياها وعن وظائف التفسير والتوضيح والسرد النافع، نحدثكم في هذا المقال من خلال الاستناد إلى أجمل الأفلام الوثائقية على نتفليكس طيلة أعوام.

كثيرون هم أولئك الذين يملّون مشاهدة أفلام تفوق مدتها النصف ساعة أو الأربعين دقيقة فتراهم يترددون في كل مرة يتوجه فيها مرافقوهم نحو شاشة التلفاز أو الحاسوب ناسين أن السينما ليست مرتبطة بالفترات الزمنية الطويلة وأنها قد أهدتهم منذ القدم أفلامًا قصيرة تضاهي في جمال صورها وحكاياتها الأفلام الطويلة. في نفس الإطار، نجد أن منصة نتفليكس فكرت في هؤلاء المشاهدين وقدمت لهم مجموعة من الأفلام الوثائقية على نتفليكس القصيرة التي سنحدثكم عنها في هذه الفقرة والتي على الرغم من قصر مجالها الزمني إلّا أنها شديدة الروعة والنفع ومتقنة الكتابة.

يعاني الأطفال المهاجرون واللاجئون أكثر مما تعانيه عائلاتهم فإلى جانب حرمانهم من الراحة والأمان والعيش الكريم، يحرمون من الطفولة ومن أهازيجها ورقصاتها فيصيرون في فترات وجيزة فريسة سهلة للضغوطات والصدمات ويعيشون أقسى التجارب الإنسانية وأكبر المآسي. هؤلاء الأطفال هم محور هذا الفيلم الوثائقي السويدي والأمريكي القصير الذي يحملنا إلى السويد أين نراهم يعيشون ما يسمّى بالإنجليزية بـ resignation syndrome والذي يعتبر حالة كاتاتونيا يعيشها صغار اللاجئين نتيجة للصدمات. ولا تقف مظاهر الظلم وانعدام وجود أي شكل من شكال العدالة الاجتماعية عند هذا الحد بالنسبة للأطفال المنتمين لعائلات اللاجئين، إذ نجدهم فريسة سهلة للاستغلال الاقتصادي وحتى الجنسي.

الأرقام والإحصائيات التي تقول بأن 33 مليون طفلًا تقريبًا يعيشون هذه المعاناة معطيات مخزية ومرعبة تفضح لا إنسانية هذا النظام العالمي الحديث الذي يأبى أن ينهار قبل أن يقتل الإنسان.

واحد من أهم الأفلام الوثائقية على نتفليكس فما زلنا للأسف الشديد في القرن الواحد والعشرين نتفادى الحديث عن الدورة الشهرية وما زلنا نحس بالخجل ونستحضر الألم كلما تذكرناها. ما زالت مجتمعات كثيرة كمجتمعاتنا العربية ترى أنه من العيب ذكرها والحديث عنها وما زالت النساء تخوض معاركها اليومية لتقريب مفهوم الدورة الشهرية من مكونات المجتمع وللتأكيد على كونها عملية بيولوجية بعيدة عن تفاسير الأديان والأعراف. تأخذ هذه المحاولات للدفاع عن البيولوجي في وجه الخرافي والديني أشكالًا مختلفة وتبدأ من الحملات التحسيسية والتوعية وقد تظهر على شكل فيلم وثائقي كفيلم Period. End of the sentence. هذا الوثائقي الإنساني النسوي يصور لنا رحلة نساء اخترن أن يسلكن درب النضال على أن يخبئن الفوط في أكياسٍ بلاستيكية سوداء درءًا للخزي والعار وانطلقن من هذه الفكرة اللطيفة ليصنعن فوطًا صحية تحترم الطبيعة وتباع بأثمان رخيصة. كانت هذه المبادرة الفرصة الأمثل للحديث عن الدورة الشهرية مع بقية النساء في الهند ذاك البلد الذي ما زالت النساء فيه تعاني الأمرّين.

الموت الرحيم هو عملية إنهاء حياة شخص ما بغرض دفع المعاناة والأوجاع الشديدة عنه في حالات قصوى لا أمل للمريض في النجاة منها. لكنها ليست قرارًا وإجراءً سهلًا كما نعرفه ونتحدث عنه، إذ تختلف نظرتنا إليه فمنا من يراه قتلًا وجرمًا ومنا من يرى أنه الحل الأنسب لإنهاء المعاناة. كما أنه ليس خيارًا متاحًا في عديد من الدول خاصة تلك التي تستند إلى النصوص الدينية في تشريعاتها. هذا الموت الرحيم هو حجر الأساس في فيلم Extremis الأمريكي الذي يحكي لنا قصة الدكتورة جيسيكا زيتر التي تدافع عن الموت الرحيم وخمسة مرضى تتابع حالاتهم وتتواصل مع أقاربهم فتجد بينهم اختلافا في النظر إلى هذه العملية الصعبة نوعًا ما.

تغطّي الوثائقيات الطويلة مواضيع كثيرة ومجالات متباينة وفي هذا الجزء من المقال سنحاول اختيار فيلم أو أكثر من كل مجال حتى يجد كل قارئ نفسه في هذه القائمة. فإن كنت من محبي الأعمال الطويلة، واصل القراءة حتى تكتشف الأفلام الوثائقية على نتفليكس وقصصًا متباينة ومثيرة للجدل اخترناها خصيصًا لك.

يتم الإعلان عن الألعاب الأولمبية كل أربع سنوات فتقرع طبول حرب باردة بين الدول خاصة دول الشمال وتنخرط كل دولة في سباق مع الوقت لتكون فريقًا متكاملًا وقويًا يشبع جوعها للفوز والانتصار. هذا السعي المرضي نحو المثالية ونحو الذهبية في ألعاب رياضية كان من المفترض أن تكون راعية لروح التشارك والتعاون والتآخي يقود العديد من المشاركين نحو الممارسات الممنوعة والضارة مثل استهلاك المنشطات قبل اللعب مباشرة، دون الاكتراث بقوانين المسابقة. هذا ما كان يحدث في روسيا التي تشجع رياضييها على استهلاك المنشطات في المسابقات والألعاب الدولية والتي فضح أمرها في الألعاب الأولمبية لسنة 2014 حتى صورتها نتفليكس في فيلمنا هذا.

قضيت طفولتي وأنا أتعلم الغوص رفقة والدي الذي لا يكاد يتحول إلى كائن بحري، إذ يقضّي أغلب وقت فراغه في البحر. يحدثه عن نفسه ويغوص في أعماقه ويأكل من ثرواته. لذلك، ارتأيت أن أهديه هذا الفيلم وتحديدًا هذا الجزء من المقال لأشكره على مغامراتنا البحرية أولًا وأحمله معكم في رحلة نحو المحيطات. يتحدث الفيلم عن علاقة غوّاص هو مخرح الفيلم بأخطبوط ورحلتهما معا لفترات طويلة جدًا بين المرجان والقرش وأحجار المحيط وعن تأثير هذه العلاقة في نفس الإنسان الذي لطالما ظل يرى نفسه وحيدًا يحتل وحده مركز الكون، وهو من أجمل الأفلام الوثائقية على نتفليكس.

ما الذي يمكن أن يعلمه كائن قديم في سلم التطور الجيني لإنسان اكتشف العلوم والتكنولوجيا وسافر بين غيوم السماء؟ ما الذي يمكن أن تعلمه الطبيعة لمتساكنيها الذين عاثوا فيها فسادا وهل مازلنا في حاجة للرجوع إليها لفهم دواخلنا؟ شاهدوا الوثائقي لتفهموا الحكاية وتتعلموا دروسا من عند أستاذ ليس إلّا أخطبوطا.

قد نعيد النظر في العنوان بمجرد مشاهدة اللقطات الأولى من هذا الوثائقي، إذ يظهر في جل المشاهد عمّال صينيون وتظهر شركة صينية تدعى “Fuyao” في قلب مدينة Moraine وترتسم معها ملامح الطبقة العاملة والوسطى في الولايات المتحدة الأمريكية في فترة زمنية محددة وخصائص المصانع وسياسات العمل الصينية التي حاربت وما زالت تحارب أمريكا صناعيًا وتكنولوجيًا. هو صراع الأضداد ولكن ليس بمعناه الفعلي بل بمعناه الاقتصادي الذي ينقسم بمقتضاه العالم دائمًا إلى نصفين وكفتين وعدوين أكبرهما حاليًا أمريكا والصين. فهل ستفوز الصين الشعبية أخيرًا بهذا الصراع العمّالي الاقتصادي أما ستفتك الولايات المتحدة الأمريكية الصدارة؟

هل يمكن لكاتبة وصحفية أن تتحول إلى قاتلة؟ وما الأسباب التي قد تجعلها تقوم بذلك؟ أ للخيانة أو الغيرة أو الصحة العقلية دخل في الموضوع أم أنها نفسها ضحية لمجرم آخر؟ يروي هذا الوثائقي حادثة قتل الطالبة الشابة مريدث كيرتشر التي تم العثور على جثتها ملقاة في غرفة نومها. بعد تحليل البصمات الموجودة في مسرح الجريمة، وجهت أصابع الاتهام إلى الصحفية أماندا نوكس وحبيبها السابق وتقرر أن تقضي 4 سنوات في السجن ثم تحال مجددًا على المحكمة. كانت حيثيات الجريمة أكبر من ذلك بكثير وكانت الشخصيات الحاضرة فيها لا تنحصر في أماندا وحبيبها كما كانت ضبابية ومبهمة، حيث أن تحاليل DNA مأخوذة من مسرح الجريمة لم تثبت اتهام الفتاة بل جاءت بمتهم ثالث هو Rudy Guede.

نعود مع هذا الفيلم إلى عالم الرياضة وما تخفيه وراء ملاعبها وأضوائها وكؤوسها من مصائب ومشاكل ومظالم قد لا نتفطن إليها ولا نسمع عنها ونمر من منشطات يستعملها الفريق الروسي في الأولمبياد لسنة 2014 إلى تحرش جنسي يمارسه لاري نصار طبيب فريق الجمباز النسائي الأمريكي على عضوات الفريق. ولئن قدمت شكوى ضد هذا الطبيب من قبل بعض الفتيات المنخرطات في الفريق الأمريكي في التسعينات، فقد ظل يمارس مهنته ويتحرش بهن ويسيء إليهن حتى سنة 2015. ينخرط الفيلم في إطار عمل صحفي استقصائي حول التهم التي تحوم حول هذا الطبيب وينجح في فضح ممارساته وتسليم ملفه إلى القضاء وما أحوجنا إلى مثل هذه الفضائح التي تعيد للمظلوم حقه ولو جزئيًا وتعاقب الظالم خاصة حين يتعلق الأمر بظاهرة التحرّش التي تهدد سلامة وحياة الفتاة أينما كانت وبالطبيب وأصحاب المهن المرموقة التي عادة ما تبعد عنهم الشبهات وأصابع الاتهام.

نتحدث في هذا الجزء من المقال عن مخرجة مميزة وملتزمة قدمت لنا هذه المرة عملًا وثائقيًا جميلًا في نقله لبشاعة الواقع ولبطش الأنظمة ولظلمة الليل في السجون كما قدمت لنا سابقًا فيلم “Selma” ومسلسل “When They See Us”. رشح هذا الفيلم الوثائقي لأوسكار أفضل وثائقي سنة 2017 وتوج بآراء نقدية إيجابية ظلت تمدحه وتبين محاسن نصه وصورته وإضائته ووفائه للحقيقة. إذ نجح هذا العمل يفضح واقع الولايات المتحدة الأمريكية التي تعرف بـ “بلد الحقوق والحريات” وبكشف ما يحدث من انتهاك حقوق وتعذيب وثلب واضطهاد خلف جدران زنازينها.

ينطلق الفيلم من محاولة تبسيط وفهم تاريخ المؤسسة السجنية في أمريكا منذ القدم ومن أرقام مخيفة تغطي كل من زجهم النظام في الزنازين الأمريكية، متحدثا عن تواريخ لا تنسى لارتباطها بمظالم كبرى في حق السود ذي الأصول الإفريقية ومستندا أيضا لتعرية حقيقة سجونها إلى وقائع مصورة وموثقة وحقيقية ويكشف كذلك الفيلم حقيقة استمرار سياسة العبودية حتى بعد إلغاء القوانين الرادعة لها ويصور الأطر الملتوية والنظامية في آن واحد التي استعملتها الدولة لتعنيف السود.

الإفراط في الشيء قد يدمره ويدمر صاحبه وهو عادة بشرية اكتسبها الإنسان وعاش بها بالرغم من الوعي بخطورتها الشديدة. عن الإفراط في صيد السمك يتحدث هذا الفيلم الوثائقي الطويل الصادر هذا العام.

يمكنك أن تسخر من فكرة الإفراط في الصيد البحري، عزيزي القارئ، فتقول إننا معًا نكون سلسلة غذائية تستمر بأكل الأضعف منها وأن التحدث عن إفراط في الصيد هو مجرد هراء وسفسطة لا تسمن ولا تغني من جوع. لهذا، نبدأ بتعريف هذا النوع من الإفراط الذي لا يستقيم التحدث عنه إلّا إذا تجاوزت سرعة صيد الحوت وكمية الحوت الذي اصطدناه سرعة تكاثره وكميته في البحار والأنهار والمحيطات. هذه الظاهرة المتفشية في عالمنا البحري الحالي والتي تهدد ثرواتنا السمكية وهذه النظرة الواقعية والبشعة التي ارتسمت في عقل “علي” بعد حلمه بعوالم بحرية تشبه في جمالها “أطلنتس” هي مربط الفرس ومحور الحديث طيلة 89 دقيقة شيقة ومفيدة.

الخاتمة: 

قد لا تكون الأفلام الوثائقية أفلامك المفضلّة ولكنها تظل واحدة من أهم مصادر الفهم والتحليل والوعي بكبرى المسائل الوطنية والعالمية، خاصة إن كنت تمرّ بفترات لا يمكنك فيها حمل كتاب واحد بين يديك أو إن كنت بكل بساطة لا تهوى المطالعة والانغماس في الكتب وهي اليوم، جرّاء تطور الصورة والصوة، أعمالٌ يقارب ويفوق حتى جمالها جمال الأعمال الدرامية. عملت نتفليكس على هذا المحور وأتقنته كما أتقنت كل ما فعلته في السابق ففازت معظم هذه الأعمال بأوسكار أفضل وثائقي وبجوائز أخرى ذات قيمة عالية كما فازت باهتمام المشاهد العالمي وبتكوين رأيه بالمعنيين السلبي والإيجابي. انطلاقًا من هذه الفكرة وإيمانًا منّا بأن النبش في المعلومات والمصادر ضروري، ننصحك بمشاهدة الأفلام الوثائقية على نتفليكس وبالبحث في مواضيعها حتّى يكون لك نصيب هام من كنز المعرفة وتكون موسوعي التكوين.