فيلم Birdman .. ارجموا الشيطان – نقد للواقع الفني الذي نعيشه
مقال بواسطة محمد رضي – قاص من البحرين
“هذا ما أتحدث عنه مشاهد ترتجف لها العظام، ضخمة و صاخبة و سريعة! انظر الى هؤلاء الناس، انظر الى اعينهم تتلألأ، إنهم يحبون هذا الهراء، يحبون هذه الدماء، يحبون الاثارة لا يحبون هراء المسرحيات الكثيرة اللغو والمحبطة والفلسفة.”
هذا ما كان “بيردمان” يوسوسه في خيال “ريغان” وهو يحلّق بالقرب من أذنه كالشيطان، كانت البنايات تتفجر خلف “ريغان”، النار تندلع في المكان، يصرخ الناس من الرعب و يهربون علهم يتمكنون من النجاة، الطائر المرعب منتصب فوق احدى العمارات مطلقاً ناره فوقهم، صوت صفارات الشرطة يدوي في المكان مع رشاشاتهم النارية، إنها تماما اللحظة التي يظهر فيها البطل الخارق في افلام هوليود ليحسم الأمور “هذا ما أتحدث عنه” يقول “بيردمان” محاولا إقناع “ريغان” بالعودة إلى عالمه السابق وتقمُّص دور البطل الخارق “بيردمان .. الرجل الطائر” من جديد.
وسط أفلام السياسة، الحرب في العراق، العنصرية، وعباقرة الرياضيات، حصل فيلم الكوميديا السوداء “بيردمان” للمخرج المكسيكي أليخاندرو غونزالس إناريتو على نصيب الأسد من الأوسكار، Birdman هو أحد الأسباب التي خُلِقت من أجلها الأوسكار، إنه جزء مما تريد قوله الأوسكار إلى الناس وهي الابتعاد عن النمط التقليدي الذي قلما تبدي له الجائزة اي اهتمام، بل على النقيض فقد ترشّح فيلم Transformers في نفس العام لـ 7 جوائز “غولدن راسبيري” وهي جوائز تمنح لأسوأ الأعمال والأدوار الفنية، وحصل منها على جائزتين هما أسوأ إخراج، و أسوأ ممثل مساعد، ببساطة جزء من نمط هوليود صار على المحك وجاء “بيردمان” لمعالجته و تصحيحه.
“ريغان” حسب قصة الفيلم هو ممثل تقمص شخصية “بيردمان” أو الرجل الطائر في عدة أجزاء منذ زمن، و كان قد اعتذر عن اخذ دور البطل في الجزء الجديد للفيلم، من أجل العمل على مسرحيته القادمة. “ما الذي يدفع ممثل مثلك للتخلي عن بطولة سلسلة أفلام مقتبسة من القصص المصورة لإعداد رواية لـ (ريموند كارفر) على المسرح؟” يوجه الصحفي سؤاله إلى “ريغان” في الفيلم.
هنا، تذكرت مسرحية “الزومبي” للمخرج البحريني “عيسى الصنديد” الذي عالج فيها عزوف الناس عن المسرح، و تذكرت ايضا ان الجمهور بالكاد يملأ ربع الصالة في المهرجانات المسرحية الجادة رغم ان الدخول مجاني و الدعوة عامة، بينما كانت التذاكر تنفذ قبل أيام من العرض على المسارح الهزلية في البحرين و دول الخليج.
إن ترك “ريغان” بطولة الفيلم لكي ينهي مسيرته المهنية بشكل لائق، يدعوا الى الفخر، في المقابل كانت أعمدة الفن في الخليج والعالم العربي ممن امتعونا بأعمال لا استطيع أن أقول الا انها باتت جزء أصيل من التراث، أقصد أعمال بحجم “درب الزلق” و “مدرسة المشاغبين” وغيرها، للأسف كانت هؤلاء الأعمدة تتفنن في تشويه صورتهم في كل مرة، انهم يأخذون المطرقة ويحطمون كل عملاق كونّاه عن مسيرتهم في قلوبنا، حتى صغر هذا العملاق داخلنا وبات قزمًا يدعو للسخرية عبر مشاركتهم في أعمال هزيلة تدعو للخجل، إنها ختام المسيرة، إنها شيء نتذكره بكم قبل رحيلكم، ليتكم كنتم قد اعتزلتم الفن قبل أن تنهوا مسيرتكم بهذا الشكل المريع.
أيضاً تذكرت أننا بعد شهور وما إن ندخل موسم شهر رمضان الكريم، حتى تنتج حينها دول الخليج وحدها أكثر من “40” عملا، كم واحد منها متشابه؟ وكم منها سيأتي بجديد؟ “بيردمان” الشيطان موجود فوق رؤوسنا منذ زمن، ويوسوس لنا مثل ما كان يوسوس الى “ريغان”، لكننا لسنا “ريغان” لكي نخالفه، اننا ننصت إلى هذا الشيطان في كل عام بدل مواجهته، انه يرجمنا بدل أن نقوم برجمه، بل ونبحث عنه كلما غاب عن محطة.
ختامًا إلى نقاد ومثقفي الخليج، هذه دعوة صادقة إلى طرح جائزة شبيهة بجائزة “غولدن راسبيري” مخصصة للأعمال الخليجية، علنا نرتقي بهذه الأعمال قليلاً.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.