مسلسل Black Mirror الموسم الرابع: مرآة لا تنظر بها؛ فقد ترى أعماقك في انعكاسها

تقييم المسلسل:

مع انطلاق الموسم الرابع من مسلسل Black Mirror يمكنني أن أصرح لك ببساطة أنّه غالبًا لن يكون مثل أي عمل قد شاهدته من قبل، فإن كنت من مشاهدي المسلسل القدامى فأنت تعرف ما أتكلم عنه، ولكن إن كنت شخصًا جديدًا يقف أمام المرآة ينتظر أن يرى ما ستقدمه في انعكاسها فدعني أعرفك على المسلسل.

المسلسل يقدم لك قصصًا منفصلةً، ففي كل حلقة سترى قصةً جديدةً تمامًا لا يجمع بينها وبين ما سبقها سوى كونها تغوص في النفس البشرية، لتقدم لك جزءًا من أعماقها ولكن أغلبها أعماق سوداء.

فرغم عدم قدرتنا على تصنيف العمل كمسلسل رعب، ولكن يمكن أن نقول أنّه رعب نفسي، حيث تطلع على النفس البشرية في أحط حالاتها.

الحلقة الأولى من المسلسل عامةً ستبقى لفترة كمثال على القتامة وسواد أعماق البشر … ولكن واقعيًا المسلسل تقل قتامته كلما اتجهت لأعلى، فكلما تقدمت في الحلقات قلت القتامة كثيرًا، فالموسم الثاني أقل قتامةً من الأول، والثالث أفضل منهما، أمّا الرابع محور حديثنا اليوم، فهو مقبول تمامًا ويمكنك أن تشاهده بدون أن تعاني من نوبة اكتئاب حادة بعد الانتهاء منه مثل سابقيه.

تعودنا في المواسم السابقة على الأشخاص البائسين، والحياة المؤلمة، والنفسيات المريضة، وأنّ الجميع تقريبًا لا يحظى بأي سعادة من أي نوع، لقد خلق الإنسان ليعاني ثم يعاني ثم يعاني كي يموت وربما عانى بعد موته، ولكن هذا الموسم قد كسر هذه التيمة، ليس دائمًا ولكن على الأقل سيفاجِئك بأن يقدم لك نهايات، يمكن اعتبارها سعيدة، أو حتى غير تعيسة.

كذلك ستجد هذا الموسم تيمات أمريكية أكثر وهو أمر قد يضايق محبي الجو البريطاني القاتم واللهجة الثقيلة – التي مازالت متواجدةً ولله الحمد – ولكن الخيال العلمي ببعض التيمات الأمريكية كان مسيطرًا لدرجة كبيرة، وإن حاول صانعو العمل إضفاء الجو الكئيب سواءً على مستوى الصورة أو الأحداث التي اشتهر بها المسلسل، ولكن حقًا ستلاحظ جو عام من الانفتاح والأمل في بعض الحلقات سيجعلك تتساءَل هل المؤلفون مرضى في هذا الجزء وأصابهم فيروس التفاؤل.

عامةً قد يكون هذا أمر متوقع فمع انتقال المسلسل لشبكة نتفيلكس، وهو يحاول الحفاظ على قاعدة عريضة من المشاهدين، أغلبهم قد لا يتحملون السواد الشديد الذي تتميز به المواسم الأولى.

الحلقة الأولى USS Callister ستفاجَأ بالجو السبعيني الذي تفتتح به الحلقة، فالمسلسل دائمًا ما تدور أحداثة في المستقبل وليس في الماضي، ولكن مع مرور الأحداث ستكتشف أنّ هذه مجرد محاكاة لعالم Star Trek من محب مخبول، ولكن تظهر باسم آخر في الحلقة.

الحلقة جديًا ستثير داخلك العديد من التساؤلات، حول المدى الذي يمكن الوصول له في التعامل مع من يتنمرون علينا في الحياة، وكيف للضحية أن تتحول لجلاد، وهل يمكن للضحية أن يحظى بتعاطفنا بعد أن حمل السوط في يده؟؟

النهاية كذلك – بدون حرقها – قد تشكل لك مفاجأةً، ولكنك ستظل لثوان تشعر بالحيرة هل هي نهاية سعيدة؟ هل هي نهاية سوداوية؟ هل انتصر الخير على الشر أم العكس هو الصحيح، أم أنّه لا يوجد خير أو شر من الأساس.

الحلقة في جوها العام ليست كئيبةً، ولكنها مازالت تحافظ على جو الانغلاق الذي يشعرك أنّ العالم يتطور للأسوأ.

مدة الحلقة: ساعة و 16 دقيقة

بطولة: جيسي بليمونز – كريستين ميليوتي – جايمي سيمبسون

إخراج: توبي هاينز

تأليف: شارلي بروكر – واليام بريدجيز

شاهد إعلان الحلقة من هنا

الحلقة الثانية Arkangel، طوال الحلقة ستشعر أنّ هناك جو أمريكي ما تسلل لها، مرة أخرى حلقة أقل كآبةً ولكن أكثر تحريكًا لعقلك حول المدى الذي يمكن للأهل أن يصلوه بدعوى حماية أبنائِهم.

كلنا يشعر بضرورة حماية أطفالنا، ولكن البعض يتسم بكونه overprotective، بعض الأهل قد يحولون خوفهم لقيد يخنق أطفالهم، بل قد يصل لتحويلهم إلى أشخاص غير أسوياء.

ستظل طوال الحلقة تنتظر المأساة التي ستحدث، كلما حدث أمر ستشحذ أعصابك استعدادًا للحظة التنوير، ولكن تكتشف أنّ الأمور تسير، حتى تصل للنهاية المستحقة.

الحلقة جميلة وقد تثير داخلك الكثير من الكآبة إن كنت تكره القيود كثيرًا، وتعشق الحرية.

مدة الحلقة: 52 دقيقة

بطولة: روزماري دوايت – بيرنا هاردينج – أوين تيجو

إخراج: جودي فوستر

تأليف: شارلي بروكر

شاهد إعلان الحلقة من هنا

الحلقة الثالثة Crocodile هي الأكثر قتامةً وكآبةً، ستذكرك بالمواسم الأولى من المسلسل، حيث الصورة الضبابية بعض الشيء، الإضاءة الخانقة، حتى مواقع التصوير موحشة، تجعلك طوال المشاهدة تتساءَل داخلك لماذا يعيش بشر طبيعيون في أماكن مرعبة كهذه؟ كالعادة الحلقة تدور في المستقبل القريب، والتكنولوجيا غير المطروقة في عالمنا الحالي جزء هام من الأحداث.

ستعرف كذلك مع تطور الحلقة أنّه لبعض الأشخاص الجريمة لا تفيد، وأنّ الكارما Karma (عاقبة الأفعال) لا تعبث، ستتمنى كثيرًا أن تسير الأحداث في مسار آخر، ولكن غالبًا لن يكون هذا هو يوم تحقيق أمانيك.

مدة الحلقة: 59 دقيقة

بطولة: أندريا ريزبورج – كيران سونيا سواير – أندرو جوير

إخراج: جون هيلكوت

تأليف: شارلي بروكر

شاهد إعلان الحلقة من هنا

الحلقة الرابعة Hang the DJ أن تشاهد حلقةً رومانسيةً في Black Mirror فهذا أمر غريب فعلًا، بالتأكيد هي رومانسية لا تخلو من السوداوية والقلق، ولكنها تبقى حلقةً رومانسيةً.

فالفكرة نفسها غريبة، حيث عالم لا تملك به حق اختيار شريك حياتك بنفسك، لا تملك أن تنهي علاقة، ولا تملك أن تبدأ أخرى، لا يمكنك أن تنفصل عن شريك حياة غير ملائم، ولا أن تقرر الارتباط بشريك آخر تراه الأفضل.

فكل شيء وفق نظام محسوب، يقوم بتوفيق العلاقات وفق خوارزميات دقيقة، ماذا ستفعل إذن أن أصرت هذه الخوارزميات أنّ من تحبه لن يكون شريك حياتك؟ هل تتمرد؟

مدة الحلقة: 51 دقيقة

بطولة: جورجينا كامبل – جو كول – جورج بلاجدين

إخراج: تيموثي فان باتن

تأليف: شارلي بروكر

شاهد إعلان الحلقة من هنا

الحلقة الخامسة Metalhead هي الحلقة الوحيدة المصورة بالكامل بالأبيض والأسود، لو أردت رأيي سأخبرك أنّ ذلك لم يعجبني ولم أجد له أي ضرورة درامية، ربما فقط لكثرة الدماء والمشاهد البشعة في الحلقة تم اختيار الأبيض والأسود لتقليل حدة العنف، الحقيقة أنّ الحلقة بأكملها تشعرك بأنّه لا ضرورة درامية لها، وأنّها تواجدت في المسلسل على سبيل الخطأ.

فهي من المفترض دراما من النوعية الأمريكية الشهيرة لما بعد المحرقة، ماذا يفعل البشر المتبقيين بعد فناء العالم، ولكنك جديًا لن تفهم لما فنى العالم وكيف يبدو وماذا يحدث، بل لن تفهم الدافع الذي يجعل سيدة تترك العالم وهو يفنى لتذهب في رحلة خطرة لتحضر شيء ما، لن تعرف أهميته، أو لن تفهمها، بل لو تفكرت قليلًا لن تفهم كيف لهذه الأشياء، لن أحرق الحلقة فيجب أن تشل وحدك، أن تفنى العالم من الأساس فأصغر جيش في أصغر دولة قادرًا على إفنائها.

الحلقة بأكملها مونولوج فردي للبطلة عدا أول 3 دقائق فقط يظهر شخصان آخران، عامةً هي الحلقة الأسوأ في الموسم من وجهة نظري، وكذلك من وجهة نظر تقييمات المشاهدين عبر IMDB.

مدة الحلقة: 41 دقيقة

بطولة: ماكسين بيك

إخراج: دايفيد سلاد

تأليف: شارلي بروكر

شاهد إعلان الحلقة من هنا

الحلقة السادسة Black Museum في رأيي الشخصي هي من أجمل حلقات الموسم وربما هي الأجمل بلا منازع، فعندما تدخل المتحف الأسود مع “نيش” وتبدأ في متابعة الواجهات الزجاجية وسماع كل قصة من قصصها، إذا كنت أحد القُرّاء العتيدين لسلسلة “ما وراء الطبيعة” لأحمد خالد توفيق، فبالتأكيد ذهنك سيربط الحلقة بالرواية المسماة بنفس الاسم “المتحف الأسود”، وإن كانت الأحداث مختلفةً، ولكن القتامة وراء كل قصة لكل واجهة متشابه.

يجمع بين القصص الثلاث شعورك بالاختناق، فأنت تضع ذاتك مكان كل من الأبطال لتجد أنّك تختنق لا يمكنك أن تتخيل كيف يمكن أن يكون هذا مصير شخص ما للأبد، تشعر بالقلق تشعر بالتطور، تشعر بأنّ ما يحدث أمر غير أخلاقي فلا يجوز أن يتحكم شخص في مصائر آخرين هكذا.

عندما تصل للنهاية – التي لن أجرؤ على حرقها – قد تشعر بالرضا، ولكنك أيضًا قد تشعر بأنّ الأمور ليست عادلةً.

أفكار الحلقة مبتكرة، والمجهود المبذول بها واضح، ولن تشعر بالملل طوال الأحداث رغم كونها ثاني أطول حلقة في الموسم بعد الحلقة الأولى، ولكن ربما شعرت إنّ الحلقة انتهت سريعًا وأنّك تريد المزيد.

مدة الحلقة: ساعة و9 دقائق

بطولة: دوجلاس هودج –  ليتيتيا رايت

إخراج: كلوم ماكارثي

تأليف: شارلي بروكر

شاهد إعلان الحلقة من هنا

في النهاية إن كنت أحببت Black Mirror لجوه القاتم وكآبته وسوداويته، فأنت ستشعر بشيء ما ناقص في هذا الموسم، من التقليل من جرعة السوداوية لصالح الدراما، أمّا إن كان هذا الجو الكئيب قد دفعك لترك المسلسل في السابق، أو حتى تكملته غصبًا فأبشرك يمكنك أن تشاهد هذا الموسم بلا قلق، فهو يقدم لك دراما مميزة بسوداوية أقل، وأعدك بأن تقضي وقتًا ممتعًا حقًا مع أحداثه.