🎞️ Netflix

فيلم Bolt .. وتفاصيل الوصول إلى الحقيقة بين الواقع الفلسفي والكلب بولت

فيلم فيلم Bolt
محمد إبراهيم جاد الله
محمد إبراهيم جاد الله

9 د

في عام 2008 تم إصدار فيلم الأنيميشن Bolt، والفيلم من إنتاج شركة ديزني، ومن إخراج بيرون هوارد و كريس وليامز، ومن كتابة كريس، ويليامز ودان فوجيلمين؛ وينتمي الفيلم إلى أفلام الكوميديا و الدراما والمغامرة، وعلى الرغم من أن فيلم Bolt موجه بشكل خاص للأطفال، إلا أن الفيلم يمكن رؤيته بشكل أكبر بكثير من الرؤية الواضحة أمامنا مباشرة، بل ويمكننا بسهولة بالغة أن نرى التشابه الواضح بين رحلة “بولت” الكلب وبين رحلة الإنسان في متاهة الوجود أو بشكل أكثر دقة رحلة الإنسان في البحث عن الحقيقة والتعامل معها.

قد يعتبر البعض هذا الكلام أكبر من حجم الفيلم وأننا يجب أن نخرج الحكم والأفكار الفلسفية من أعمال معينة مثل أفلام إنجمار بيرجمان أو أندريه تاركوفسكي، لكننا سنغير هذه الفكرة في هذا المقال، وسيتضح أن أي فكرة مهما كانت بسيطة يمكن معالجتها بأكثر من طريقة ونستعملها في التحرك في حيز جديد من الأفكار بأدوات جديدة.

فيلم Bolt

المرحلة الأولى: التلقين وتصديق أدلة زائفة

نرى بوادر هذه المرحلة في المشهد الأول وذلك حيث تذهب بيني الفتاة الصغيرة إلى متجر للحيوانات الأليفة وهناك تشتري كلبًا صغيرًا أبيض يدعى بولت، ونعرف في المشاهد الأخرى من الفيلم أن بيني لم تعامل بولت مثل أي كلب عادي، لكنها قررت أن تعامله بحكم عملها، ولتبسيط الأمر بيني تعمل في مجال السينما لذلك قررت أن تجعل الكلب البطل الآخر الذي يظهر في أفلامها، ومن هنا بدأت بيني بتلقين الكلب أفكارًا معينة، وفي سبيل ذلك كانت بيني تحاول إخفاء كل الأدلة التي يمكن أن تفسد ما تحاول زرعه داخل الكلب الصغير.

بيني ليست فتاة شريرة بل على العكس ففي مشاهد كثيرة يتجلى لنا الحب الكبير الذي تحتفظ به لهذا الكلب، لذلك لا يمكن القول أنها كانت تريد أن تؤذيه عندما قدمت له فكرة مزيفة عن العالم وذلك حينما جعلته يصدق أن العالم بأكمله عبارة عن استوديو التصوير الذي يعيش فيه، بل وعندما جعلته يصدق أنه بطل خارق لا يستطيع شيء أن يقف أمامه.

فيديو يوتيوب

المرحلة الثانية: إخفاء الثغرات والتمادي في الكذب

إذا كنت تحاول إقناع أحد بفكرة معينة ستجد صعوبة كبيرة في ذلك فمن النادر ومن الصعب أن يترك الإنسان ما يؤمن به ويصدقه ليذهب خلف أفكار وفلسفات جديدة، لكن ما بالك إذا كانت الفكرة التي تحاول إقناع أحد بها هي فكرة مزيفة في الأساس؟ هنا ستحتاج أن تحارب بكل ما تملك وتبذل قصار جهدك حتى تقيم عالم على ركائز من الكذب والخداع، وبالطبع لن تبذل الجهد في أمر مثل هذا إلا إذا كانت الفائدة التي ستعود إليك من تصديق أحد لهذه الكذبة كبيرة.

ونجد الفيلم يعالج هذه الفكرة في المشهد الثالث من الفيلم، فبعد المشهد الثاني الذي يظهر فيه بولت وهو يصور مشهد ختامي لفيلمه الجديد وبعد عرض بعض قوى بولت والخدع التي يتم خداعه بها، نرى المشهد الثالث الذي يكتشف فيه المخرج ميكروفون يظهر في حيز بصر الكلب بولت، وهنا يثور المخرج ويغضب لأن هذه الغلطة البسيطة قد تجعل الكلب يفكر في سبب تواجد هذا الميكروفون، وفي النهاية قد يكتشف حقيقة ما يعيشه، وهنا يقدم الفيلم فكرة أخرى وهي أن الأفكار الكبيرة التي يقيم عليها شخص ما حياته لا تحتاج إلى أدلة كبيرة وواضحة لنقدها، بل ثغرة واحدة صغيرة والكثير من التفكير سبب كافٍ لهدم فكرة كبيرة مزيفة، وتأتي هنا جملة المخرج التي قالها لمندي باركر القادمة من الشبكة المسؤولة عن إنتاج الأفلام “نحن نقوم بصنع المستحيل لجعل بولت يظن أن ذلك حقيقي”.

فيلم Bolt

المرحلة الثالثة: دور العاطفة

تعتبر العاطفة من أهم العناصر التي يجب مراعاتها عند تبني فكرة معينة، بل المشكلة أنه في الكثير من الأحيان يتحرك الإنسان بعواطفه ويذهب لما يستريح له بعيدًا عن كون هذه الأفكار التي يتبناها حقيقية أم لا، والإنسان في الأصل يميل للعاطفة، وفيها يجد نفسه بل ويكتسب منها القوة، ومن هذا نجد الإنسان الإغريقي القديم الذي وقف على الأرض ونظر فوقه فوجد الأمطار الكثيرة والرعد المرعب والمخيف والعظيم، في هذه اللحظة لم يفكر الإنسان في الماء كماء ولا في الرعد كرعد، بل وجد الإنسان أن المنطقي أكثر أن تكون هذه الظواهر آلهة وأن زيوس من يسخر هذه الرعود، وظل الإنسان هكذا ينسب الظواهر الغامضة للآلهة؛ لذلك إذا أمعنا النظر على دوافع بولت سنجد أن العاطفة وحدها هي ما تحكم بولت وهذه العاطفة هي عاطفة حب الفتاة بيني وخوفه عليها، وهنا نجد الجملة التي قالها مخرج الأفلام في المشهد الثالث “أرى حيوانًا يؤمن بكل جزء في جسده بأن الفتاة التي يحبها في خطر عظيم”، وسيظل بولت يحارب لهذه العواطف حتى مع تغير المدخلات والحقائق حوله، ويظهر هنا في شكل بائس يشبه الكثير من المواقف التي عاشها الإنسان مثل معرفتنا أن الكرة الأرضية ليست مركز الكون.

فيلم Bolt

المرحلة الرابعة: بوادر ظهور الحقيقة ومعضلة الجمهور الجاهل

بالرغم من كل المحاولات التي كانت تبذل لجعل بولت يصدق الذي يريده من حوله إلا أن بولت في النهاية وبمحض  الصدفة استطاع أن يخرج من السيارة التي كان يتم وضعه بداخلها عقب انتهاء تصوير مشهد معين، وبعد الخروج من مكان التصوير والذهاب للعالم الواقعي -الحقيقي- بدأ الكلب يبحث عن بيني، وذلك لأن المشهد الأخير في التصوير كان مشهد خطف بيني من الشرير صاحب العين الخضراء؛ بدأ بولت بضرب سياج الحديد برأسه والتحديق للأقفال وضرب كتف الناس بيده، لكن بلا فائدة يده لم تعد تقتل الناس وعينه لم تعد تذيب الحديد ورأسه فقدت قدرتها على تدمير كل شيء.

في هذه المرحلة سيجد بولت القطة ميتانز والتي يظن أنها مساعدة صاحب العين الخضراء وبعد خوف القطة من الكلب ستقرر أن تخدعه وتدله على مكان تواجد صديقته بيني وخلال هذه الرحلة ستبدأ القطة بمحاولات عديدة لإخبار الكلب بالحقيقة، وأنه كلب -عادي- يعيش حالة من الوهم في عالم من الأكاذيب، لكن مهما حاولت القطة تفشل وتجد الكلب يصدق نفسه أكثر، خصوصًا بعد مقابلة راينو الهامستر الذي يتابع كل أفلام بولت ويصدق أيضًا أن الكلب بطل خارق كما يراه على شاشة التلفاز في بيت مالكه.


المرحلة الخامسة: تداعي الأكاذيب وتجلي الحقائق

وفي هذه المرحلة يجد الكلب أن الحقيقة تفرض نفسها على الرغم من كل المحاولات التي قام بها كي لا يرى هذه اللحظة، في البداية كان يحاول بشدة أن يجعل هذا العالم الواسع صغير أو بشكل أكثر دقة كان ينظر للأشياء بشكل خاطئ، حتى يصغر كل عظيم فتلائم الحياة وجهة نظره، وتتجلى هذه الفلسفة في الدقيقة 32 التي يرفض فيها الكلب النظر للحياة بعين محايدة لخلق وجهة نظر موضوعية بل يحاول أن يفسر كل شيء بحيث يلائمه.

لكن الأدلة كانت كثيرة فنجده لأول مرة يرى الدم يخرج من جسده ويتعجب منه، وللمرة الأولى يشعر بالجوع، ولمرات كثيرة يقوم بتجربة قوته لكن بلا فائدة، هذا بالطبع مع المحاولات الكثيرة التي تقوم بها القطة حتى تشرح له ما يحدث وتخبره ما هي الحياة وكيف يحكم عليه بشكل تم تلقينه إياه منذ صغره، وهنا نجد بولت بدأ يشك في قدراته، وفجأة يسقط البطل.

فيديو يوتيوب

المرحلة السادسة: السقوط

عندما تلاحق الأدلة الإنسان وتهدم ما يعتقده وتخبره أن هناك ما هو غير ذلك، نجد الإنسان فجأة يتنازل عن كل شيء ويقرر أن يصدق نفسه، ونجد مرحلة السقوط هذه التي صيغت على فم بولت “إن لم أكن طاردًا للأشرار فمن أنا؟” وفي هذه المرحلة الصادمة يقرر بولت أن يتخلى عن كل شيء، يترك ماضيه والوهم الذي كان يعيش فيه، لكن المشكلة أن زوال القناعات لا تولد بدائل أخرى بسهولة، بل يجد الإنسان فجأة نفسه وحيدًا في حياة خالية وغريبة، لا يعرف إلى أين يتجه ولا إلى أين يذهب، يجلس بعيدًا تحت الظلال يرفض الحديث وتصديق من يحاولون مساعدته، والفكرة هنا أن ردة الفعل هذه منطقية بشكل كبير، فخسارة المعنى الذي نعيش في الحياة من أجله لا يعتبر أمرًا هينًا.


المرحلة السابعة: التعامل مع الحياة بين المدارس الفلسفية

الأحمق فقط هو من يبكي على اللبن المسكوب إلى الأبد، أما العاقل فبعد فترة من الحزن والبكاء يعاود الحياة مرة أخرى، تعتبر الفلسفة الوجودية واحدة من أفضل الفلسفات التي عالجت هذا الأمر، وذلك حيث جعلت الإنسان هو موضوعها فمثلًا نجد الفيلسوف سورين كيركغارد يخبرنا أن الإنسان يجب أن يجد معنى لوجوده في هذه الحياة بعيدًا عن المعاني الجاهزة الفلسفية والدينية والمجتمعية، وبهذا نجد الفرد هو محور الأحداث، وليس كما تعودنا أن تكون الأحداث هي المحور ونجد الإنسان في صورة بائسة يحاول أن يكون شيئًا هامشيًا فيها؛ ونجد أيضًا فلسفة قريبة من هذا وهي فلسفة ألبير كامو في “أسطورة سيزيف”، سيزيف هو الشخص الأمكر الميثولوجيا الإغريقية، وبسبب مكره وخداعه المستمر قرر زيوس معاقبته بصخرة ضخمة يرفعها لأعلى الجبل طوال اليوم وفي نهاية اليوم تسقط مرة أخرى ثم يعاود رفعها وهكذا إلى الأبد، وهنا نجد ألبير كامو يشبه حياة الإنسان بسيزيف إلا أن ألبير حاول إيجاد معنى لسيزيف ولتحريك الصخرة بالرغم من كل العبث الحادث؛ وهذا بالضبط ما فعله الكلب بولت في النهاية.

فيلم فيلم Bolt

حياة حقيقية

بعد الصدمات الكثيرة التي تعرض لها بولت قرر في النهاية أن يكمل حياته، والحياة هنا ستكتمل بالمعطيات الجديدة التي حصل عليها أثناء رحلته طوال الفيلم، وتتجلى السعادة الحقيقية عندما تقبل كل شيء خصوصًا عندما أخبرته القطة أن يخرج رأسه من نافذة القطار ويخرج لسانه لأن هذا الفعل تحبه الكلاب، وبالفعل قام بولت بإخراج رأسه من نافذة القطار وشعر بسعادة كبيرة، وهنا لأول مرة يشعر المشاهد بالراحة جراء سعادة الجرو، وذلك لأنه يعرف في قرارة نفسه أن هذه السعادة حقيقة ولا يتم خداع بولت بأي شكل من الأشكال، بل سنجد بعد ذلك أن الكلب بدأ يتحكم في زمام الأمور، وعند حدوث مشكلة حقيقية لم يصنعها أحد، شعر الكلب بقيمة نفسه في حياته وحياة الآخرين وذهب لإنقاذ حياة صديقته إنقاذًا حقيقيًا تمامًا بلا أي خدع سينمائية.

وهكذا نرى التشابه الكبير بين رحلة الكلب بولت في الفيلم، وبين رحلات أكبر الفلاسفة في العالم، والحقيقة أني أعتقد أن صناع الفيلم قد اختاروا أفضل الخيارات المطروحة أمامهم، فبعدما يعيش الإنسان صراعًا مع أفكاره ثم يتخلى عنها، نجد أن أمامه العديد من الخيارات، فمثلًا بعض الأشخاص تتمسك بأفكارها القديمة لأنها تحقق لها راحة معينة، والبعض الآخر لا يتحمل الحقيقة، ونجد صنفًا ثالثًا ينكرها مهما تزايدت الأدلة، لكن الاختيار الأفضل الذي أراه هو ما اختاره الكلب، وهو الاستمتاع بتفاصيل الحياة الصغيرة، وتصديق نفسه والحقيقة التي عرفها، ومنها بدأنا نرى شخصية أخرى أكثر تماسكًا، وتقف على دعائم قوية؛ وبعيدًا عن الفيلم يمكننا الخروج بفكرتين من المقال، الأولى هي قدرتنا على الخروج بأفكار فلسفية من أعمال كثيرة مهما كانت بسيطة وأن الأمر في النهاية يتوقف على عين المشاهد ومعالجته، والأمر الآخر هو تبرير لحبنا للسينما، وأنها تشاركنا حياتنا وتقدم حلول لمشاكلها وتعالجها معالجة جيدة حتى لو كان الذي نتحدث عنه هو فيلم كرتون.

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.