شرح فيلم Cloud Atlas: رحلة خرافية عبر الزمان والمكان
6 د
مقال بواسطة/ سارة يوسف
“كل شيءٍ مُتصلٌ بِبعضه” … ليس مجرد شعار ترويجي غامض وجذاب لفيلم ذو إنتاج ضخم وأبطاله نجوم كِبار، وإنما هو في رأيي رسالة خفية تدعو من شاهد الفيلم للبحث عن الصلة التي تجمع بين قصصه الست المختلفين ظاهريًا تمام الاختلاف، لدرجة أنّ الفيلم يبدو أقرب إلى ستة أفلام منفصلة لا يجمع بينها سوى أداء نفس الممثلين لأدوار أخرى مختلفة في كل قصة داخل الفيلم.
في فيلم “Cloud Atlas” لم تكن هناك صعوبة في فهم القصص كل على حِدة، ولكن السؤال الذي تردد في ذهن كل من رأي الفيلم كان: “ما العلاقة التي تجمع بين ست قصص مختلفة كليًا في الزمان وفي المكان؟ ما الرابط الذي يُمكن أن يجمع مثلًا بين عبدٍ أسمر يُكافح للحصول على حريته قبل قرنين من الزمان، وآكلى لحوم بشر يسعون نحو فريستهم بعد ثلاثة قرون سوف تأتي؟ أو بين عاملاتٍ في مطعم يبدون كالروبوتات تمامًا ويأكلون الصابون، وبين مُسنُّون يُحاولون الهرب من دارٍ للعجزة بينما تطاردهم ممرضة غريبة الأطوار؟
ليس غريبًا أن تكون لدينا هذه الحاجة المُلحة لربط الأشياء عمومًا ببعضها، حتى إنّنا نفعل هذا بشكلٍ لا واعِ. لهذا، كان يتساءَل الكثيرون أثناء مشاهدتهم للفيلم عن العامل المشترك بين القصص الست وبعضها، مما أفقدهم التركيز وضيّع عليهم مُتعة مشاهدة كل قصة بتفاصيلها الغنية، وجاءت النهاية لِتُخيّب آمالهم أيضًا، أمّا من نجح في أن يُتابع كل قصة على حِدة فهو من استمتع بالفيلم حقًا، وربما فستزيد المتعة عندما يكتشف كيف تتحد التفاصيل الدقيقة لتصنع صورةً كاملةً وذات معنى عميق.
الرواية
فيلم Cloud Atlas الصادر عام 2012، هو مأخوذ في الحقيقة عن رواية للكاتب الإنجليزي David Mitchell، وأخرجه ثلاثة مُخرجين هم: الأختان Lana Wachowski و Lilly Wachowski اللّتان قامتا بإخراج فيلم “The Matrix”، والمخرج Tom Tykwer الذي قام بإخراج فيلم Run Lola run.
الرواية صدرت عام 2004، وأجمع النقاد عندها على شيئين: أنَّ ديفيد كاتب بارع حقًا، وعلى أنّ الرواية أشبه بِأُحجية صعبة الفهم، حتى أنّ أحد كبار الناقدين الفنيين لجريدة Sunday Telegraph أعلن رفضه لتنقيحها، أو حتى استكمال قراءتها.
ما الذي جعل من cloud Atlas لُغزًا صَعُبَ علينا فهمه؟
أولًا: تَعدُّد القصص واختلافها باختلاف الزمان والمكان أيضًا بفارق 500 عام، فهو يبدأ في جنوب المحيط الهادي عام 1849 بِقصةٍ أقربُ لِسَرْد تاريخي في دفتر مذكرات، ثم إلى 1936 في اسكوتلندا وهي قصةٌ يَغْلُب عليها الطابع الرومانسي، وبعدها في عام 1973 بقصةٍ تحمل الكثير من الغموض والتشويق في سان فرانسيسكو، ثم عام 2012 في بريطانيا بقصةٍ فيها نوع من أنواع الكوميديا الشهيرة، يتبعها في نيوسول عام 2144 وهي قصة خيال علمي، وأخيرًا في هاواي في عصر يُسمى ما بعد الانهيار عام 2321، وهي فرع من فروع الخيال العلمي أيضًا حيثُ الحياة بعد انتهاء الحضارة على كوكب الأرض.
ثانيًا: تعدد الشخصيات. كل الأبطال ظهروا في أدوارٍ أخرى بشكل مختلف تمامًا، ومنهم من تغير حتى جنسه كما شاهدنا في التحول المميز للممثل Hugo Weaving إلى Nurse Noakes.
لعب المكياج هنا دورًا هامًا، حتى أنَّ الكثيرين مِمَّن شاهدوا الفيلم كانوا يتفاجأون عند اكتشافهم للممثلين الذين تغيرت ملامحهم حتى صار من الصعب التعرف عليهم فعلًا، ومما زاد الأمر رَبْكةً أنَّ بعض الأسماء تشابهت فيما بين الشخصيات، ولم يكن هناك أيّة رابطة واضحة بين الأسماء المتشابهة وبعضها، فكان من الصعب إيجاد صلة بين الشخصيات المختلفة للممثل الواحد عبر الزمن، وأيضًا التنقل بين أحداث القصص المختلفة في نفس الوقت واختلاطهم ببعض. فمثلًا، ظهرت القصص الست في حلم لزاكري الشخصية التي يؤديها توم هانكس في قصة ما بعد الانهيار.
ثالثًا: طول الفيلم الذي جعل تداركنا للأحداث أبطَأ من العادي، فلن يتضح لنا بأنَّ القصص غير مترابطة إلّا بعد مُضي 20 دقيقة تقريبًا من الفيلم، وعندها يبدأ عقلنا بالفصل بين كل قصة وأخرى لمتابعتها منفردةً، آملين في أن نجد مع مرور الوقت الرابط الذي يجمع هذه القصص معًا. وعند الدقيقة 40 تقريبًا سنبدأ فعليًا في فهم ما يحدث بصورة أفضل.
السؤال الأهم: ماهي العلاقة بين القصص وبعضها؟
الأمر يحتاج إلى بحثٍ لدقيق لإجابة هذا السؤال، فهناك روابط مادية وروابط فلسفية تجمع بين القصص وبعضها. الروابط المادية التي يُمكن أن نراها بين القصص وبعضها كثيرة، معظمها ظهر بصورة مُبهمة في الفيلم ومن الصعب إدراكه في المرة الأولي، وحتى عند المشاهدة الثانية فلن تُدْرَك كل التفاصيل؛ لأنَّ المُخرجين الثلاثة بالغوا في استخدام الألاعيب التي تزيد من القصص غموضًا لِيُصْبح الأمر أكثر تشويقًا.
العلامات الست:
كل شخصية محورية من شخصيات القصص الست لديها علامة الميلاد المميزة هذه.
كيف تقاطعت حياة أبطال القصص الست مع بعضهم البعض؟
على الرغم من أنَّ هذا قد يبدو غريبًا جدًا نظرًا للفترة الزمنية الطويلة التي تفصل بين كل قصة وأخرى، إلّا أنّه قد حدث بِشكل غير مباشر كالآتي:
– روبرت فوربشر قام بقراءة جريدة آدم أيونج (آدم هو صاحب أول قصة)
– لويزا راي قامت بقراءة خطابات فوربشر ل سيكثميث، وأيضًا استمعت لمقطوعته الموسيقية “cloud atlas sextet“
– تيموثي كافنديش قام بقراءة نص عن لويزا راي بعنوان “Half-Lives: A Luisa Rey Mystery“
– سونمي – 451 شاهدت فيلمًا عن تيموثي كافنديش.
– زاكري وعشيرته كانوا يُقدِسُون سونمي – 451 كإله.
ونظرًا لكل هذا التعقيد المُحيط بالفيلم، فقد صنع محبو الفيلم خرائط عديدة، و إنفوجرافات توضح العلاقات بين شخصيات الفيلم في محاولة منهم لتبسيط الأمر قدر الامكان، وأيضًا اكتشاف كل التفاصيل الدقيقة التي ستغيب حتمًا عن كثيرٍ ممن شاهدوا الفيلم، كما نرى في هذا الإنفوجراف الممتع حقًا.
البُعد الفلسفي للفيلم
“نحن لا نمتلك حياتنا، من الرحم إلى القبر نحن مربوطون بالآخرين، في الماضي وفي الحاضر، وفي كل جريمة ومع كل فعلٍ طيب، نحن نخلق مستقبلنا”.
“في أوقاتٍ كهذه أشعر بقلبك يدق كما أشعر بقلبي تمامًا. أعرف أنَّ انفصالنا مجرد وهم، حياتي تمتد لما هو أبعد من حدود نفسي”
تكررت هذه الفكرة أكثر من مرة في حوار الفيلم، ووجد النُّقاد أنّها تعود للنظرية الافتراضية لنيتشه وهي نظرية “العَود الأبدي” أو “تكرار الأبدية”، والتي فيها يُؤمن نيتشه بأنَّنا نعيش حياتنا مرة بعد مرة، وأنَّ ما حدث سابقًا وما يحدث الآن سوف يتكرر مجددًا وإلى الأبد.
لهذا فَسَّر النُقَّاد بأنَّ شخصيات الفيلم ماهي إلّا نسخ أخرى من بعضها، وأنَّ بعضها تطور بالإيجاب، وبعضها بالسلب، وبعضها بقي محايدًا، وذكروا على سبيل المثال قصة لويزا راي الصحفية وعلاقتها العاطفية بإيزاك ساكس التي لم تكتمل، والتي عاودت الظهور بينهما مجددًا في قصة ما بعد الانهيار عندما تحولا إلى ميرونيم و زاكري.
وأخيرًا فإنَّ المعنى الأساسي الذي يدور حوله الفيلم بقصصه الست هو العبودية والصراع من أجل نيل الحرية، وعلى هذا الأساس يمكننا تقسيم الشخصيات إلى ثلاثة أنواع: المناضلون الذين يجاهدون للحصول على حريتهم، وهم من يحملون علامة الميلاد المميزة على جسدهم، وهناك الأشرار الذين يحاولون قمع المناضلين، وهؤلاء يمكن تمييزهم بسهولة كآكل لحوم البشر أو الشيطان ذو القُبعة، وأخيرًا المُنقذُون الذين يُساعدون المناضلين للحصول على حريتهم.
وفي النهاية، فإنَّ فيلم Cloud Atlas من الأفلام التي تتطلب الصبر حقًا لمشاهدتها، فبخلاف طوله هو يعتمد على انتباهك لكل تفصيلة صغيرة يمكن أن تلمحها في كل مشهدٍ تراه؛ حتى تصل للرؤية الكاملة والمعنى العميق المختبئين داخل فَوْضَاه وتعقيده.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.
كيف يمكنني نشر مقالاتي على المنصة !!!