فيلم Collateral Beauty…عندما تمتزج السخافة بالأداء التمثيلي الرفيع
6 د
نظرًا للعدد الكبير من الأفلام السيئة التي شاهدت بسببها، فإنني عادة ما أتجنب مشاهدة التريلرات، لكن القدر شاء أن أشاهد تريلر فيلم Collateral Beauty عند حضوري عرضًا سينمائيًا لفيلم آخر، فوجدت نفسي متحمسة جدًا لمشاهدة الفيلم، كيف لا وهو يضم ثلة من عظماء هوليوود المعاصرين وعددًا لا يستهان به من الحاصلين على ترشيحات لجائزة الأوسكار وعلى رأسهم الرائعين كيت وينسلت وإدوارد نورتن، دون أن ننسى أن البطولة هي من نصيب ويل سميث، أحد أفضل الممثلين على الساحة الفنية والذي حتما سيقدم أداءً هائلًا للقصة العميقة والفلسفية التي يتناولها الفيلم.
إذ تدور أحداث الفيلم حول رجل يحاور كلًا من الموت والحب والوقت، في محاولة لتجاوز حالة الحداد التي يعيشها على إثر فقدانه لابنته الصغيرة، وهكذا، ذهبت لمشاهدة الفيلم بمجرد إصداره في إحدى القاعات السينمائية بمدينتي، وأثناء جلوسي طوال فترة عرض الفيلم كان كل ما يجول في خاطري هي فكرة: “ما هذا الذي أشاهده بحق السماء ؟”.
القصة
لعل أكثر ما يثير الاشمئزاز والغضب تجاه هذا العمل هو الطريقة التي تم تسويقه بها، فعلى الرغم من تعودنا على تضليل التريلرات للمشاهدين بغرض جذبهم للقاعات السينمائية، لا يحدث هذا في الغالب مع الأفلام “المحترمة” التي تضم مجموعة كبيرة من الأسماء الوازنة، وحتى إن حدث فإنه يكون بغرض إخفاء مفاجئة أجمل تكون في انتظار الجماهير، والأهم، أن هذا التضليل لا يكون عن طريق استغلال موضوع حساس كالموت والحداد، الذي أكاد أجزم أنه كان سببا في تحفيز العديد لمشاهدة الفيلم لعله يمثل عزاء لهم في محنتهم.
تدور القصة “الحقيقية”- التي أؤكد أن التطرق إليها ليس حرقا للأحداث بما أن المتفرج يتعرف عليها خلال الدقائق الأولى من الفيلم – حول هاورد (ويل سميث)، رجل أعمال ناجح يغرق في حالة من العزلة والاكتئاب الحاد بعد وفاة ابنته في عمر لم يتجاوز الست سنوات، إلا أن أصدقائه وشركاؤه الثلاثة، وايت (إدوارد نورتون)، كلير (كيت وينسلت) وسيمون (مايكل بينيا)، ضاقوا ذرعًا بهذه الحالة التي يرون أنها تجاوزت حدها أكثر من اللازم بما أن حادثة وفاة طفلة المدير قد تعدت السنتين، وهو الأمر الذي يضر بشركتهم التي فقدت أهم زبائنها وخسرت عددًا كبيرًا من صفقاتها.
وهكذا يتآمر الثلاثة على صديقهم ومديرهم بهدف وضع حالته العقلية في موضع الشك وبالتالي انتشال مهمة إدارة الشركة من بين يديه، كيف ذلك؟
بسيطة: بعد اكتشافهم لكتابته رسائل لكل من الموت والحب والوقت، كنوع من التخفيف عن نفسه والإفصاح عن غضبه وسخطه عن ما حل به، فإنهم يستغلون الأمر لصالحهم عن طريق استخدام ثلاثة ممثلين سيقومون بإقناع الرجل المسكين أن كلا منهم هو على التوالي الموت، الوقت والحب، بعد ذلك سيقومون بتصوير حواراته مع هذه الشخصيات قبل إدخال تغييرات على هذه الفيديوهات بحيث يظهر هاورد على أنه شخص مجنون يصرخ لوحده ويحدث نفسه.
نعم، كانت هذه هي قصة الفيلم الذي تم تسويقه على أنه فيلم سيلامس المشاعر الإنسانية من الأعماق، أما إذا كنت تظن أن الأمر مبالغ فيه وأنه يتعلق بالأساس بتضليل تسويقي لا أكثر، لكن القصة، رغم وحشيتها، فإنها تبقى واقعية نوعا ما ومثيرة للاهتمام، فإنني أدعوك للتريث، فأنا لم أكمل بعد.
في الواقع، كل ما أشرنا له سابقا قد تم التطرق له في الفيلم قبل نهاية أول ثلاثين دقيقة من مدة الفيلم، أما بقية مدة الفيلم فاتسمت بوتيرة بالغة البطء وبأحداث بالغة السخافة، قبل أن نصل إلى آخر عشرين دقيقة اختلط فيها الحابل بالنابل لنصل إلى نهاية غريبة غير منطقية على الإطلاق.
لقد كانت النهاية جميلة جدًا، مؤثرة، وصادمة، والتي لن أذكرها بالطبع لأنها تمثل حرقًا فعليًا للأحداث، لكنها كانت نهاية شديدة الغرابة لكونها غير مرتبطة بالأحداث التي شاهدناها طيلة الفيلم، والتي مهما حاولنا أن نفكر في تفسير منطقي لها لن نستطيع ذلك، لقد كانت النهاية جيدة لدرجة تبدو معها وكأنها نهاية عمل سينمائي آخر، أو أنها كانت أول جزء تمت كتابته في نص الفيلم، إلا أن الكتاب عجزوا عن إيجاد تسلسل أحداث منطقي يربط بين بداية الفيلم وصولا إلى تلك النهاية.
باختصار، يمكننا أن نقول أن الفيلم يحمل رسالة جميلة تمت كتابتها بشكل كارثي!
طاقم التمثيل
كما ذكرت سابقًا، جمع الفيلم عددًا من أفضل نجوم هوليوود الذين لا أملك أدنى فكرة عن سبب مشاركتهم في عمل مماثل، إلا أنهم قدموا أداءً بالغ الروعة لدرجة تثير الارتباك نظرا لتفاهة محتوى الفيلم، ولأن الجو السوداوي لهذا الأخير وموسيقاه الحزينة وأداء ممثليه المحترف والصادق يجعل منه عملا يبدو وكأنه “يرغمك على البكاء”، إلا أنك بعد وهلة من التفكير تجد أن العمل أسخف من أن تذرف دمعة واحدة أثناء مشاهدته.
أما طاقم تمثيل الفيلم فهو كالتالي:
– ويل سميث : قدم ويل سميث أداءا هائلًا كعادته، وعلى ما يبدو فإنه، كباقي طاقم التمثيل، كان يضع ثقة كبيرة في مخرج الفيلم نظرا للجهد الذي وضعه في دور “هاورد” الذي أداه بشكل مثالي، حيث شاهدنا أبًا منكسرًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ورجلا لم تعد تعني له أموال العالم أي شيء بعد أن فقد فلذة كبده التي كانت أكثر شيء أحبه في هذا الكون.
– كيت وينسلت : كان دور كيت ثانويا جدا في الفيلم ولم يقدم إضافة عدى عن كونها الشخصية الوحيدة التي تملك “ضميرا” بين الأصدقاء الثلاثة، حيث انحصر دورها في تعبيرها عن حزنها وصدمتها وانتقاد شريكيها بين الفينة والأخرى واتهامهم بكونهم عديمو الأحساس، وهي انتقادات لم تغير شيئا ضمن المخطط التي كانت بدورها جزءًا منه.
– مايكل بينيا : تماما ككيت، كان دور مايكل هامشيا جدا وتمثل دوره في كونه محفزا لسير العملية لأسباب شخصية نتعرف عليها أثناء الفيلم.
– إدوارد نورتون: كان دور إدوارد هو الأقوى بين الشركاء الثلاثة، فهو الذي أتى بالخطة في المقام الأول رغم كونه الصديق المقرب لهاورد، ورغم كون هذا الأخير قد ساعده كثيرا خلال حياته، ورغم أنه لا يملك أي سبب “يدعو للتعاطف” -كمايكل بينيا- ليبرر له فعلته، وهو الأمر الذي يدعونا لأن نستنتج بأن إدوار قد أدى دور “النذل” أو “الشرير” في الفيلم، وعلى الرغم من محاولة إضفاء بعض الإنسانية على شخصيته عن طريق التطرق لعلاقته بابنته، فإن الحوار الدائر بينهما كان مملا لدرجة لا تطاق.
– هيلين ميرين : قامت هذه الفنانة القديرة بأداء الشخصية الأكثر إمتاعا في الفيلم، حسب رأيي على الأقل، فقد قامت بأداء دور الممثلة التي تقمصت دور “الموت” لخداع هاورد، وذلك بطريقة كوميدية وممتعة جدًا تمثلت في حبها الشديد للتمثيل وبحثها عن التقدير في ظل كونها ممثلة مغمورة، وبالتالي فإنها تقوم بتقمص أدوارها بشكل مبالغ فيه ثم تقوم بسؤال الجميع عن مدى جودة أداءها وارتجالها، علما أن لا أحد يهتم لهذا الأداء بما أن هدف الجميع هو إثبات جنون المدير.
– كيرا نايتلي: قدمت الجميلة كيرا دور الممثلة التي تقمصت دور “الحب” بشكل رقيق جدًا وجميل، حيث شكلت الممثلة الوحيدة التي دخلت هذه اللعبة الشريرة بهدف مساعدة هاورد لا غير.
– جاكوب لاتيمور: قدم جاكوب الممثل الذي تم اختياره لتأدية دور “الوقت”، وقد قدم أداءا متوسط الجودة بالمقارنة بالممثلتين السابقتين، وهو أمر مفهوم نظرا لخبرة كل من هيلين وكيرا بالمقارنة مع جاكوب الذي لا يزال في بداية مسيرته.
– ناعومي هاريس : إلى جانب ويل سميث، كان دور ناعومي هو الأكثر صدقا وتأثيرا في الفيلم، حيث أدت دور سيدة تحاول مساعدة هاورد رغم رفضه المتكرر، علما أنها أكثر الأشخاص كفاءة للقيام بهذه المهمة لكونها قد فقدت طفلتها بدورها.
الفيلم من إخراج ديفيد فرانكيل الذي أخرج سابقا الفيلم الرائع The Devil Wears Prada لكن على ما يبدو فإن هذا الفيلم سيبقى أفضل فيلم في مسيرته الإخراجية التي لم يقدم فيها الكثير.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.