فنانون عانوا من أمراض نفسية أثرت على إبداعهم
5 د
نقول في صيغة مبالغة “الفنون جنون” تعبيراً عن الإبداع الذي قد يتجاوز الحد الطبيعي، ولكن هل تلك العبارة التي نقولها اعتباطاً تعبر عن حقيقة قاسية، وهي أن الفنانين يكونون أكثر عرضة للأمراض النفسية المختلفة؟ فقد شاهدنا عبر التاريخ الكثير من الكتاب والموسيقيين والرسامين الذين عانوا من الاكتئاب والاضطراب ثنائي القطب وانفصام الشخصية.
الأبحاث قالت نعم رداً على هذا السؤال، فعام 2012 تتبعت دراسة 1. 2 مليون مريض مصابين بالاضطراب ثنائي القطب ووجدت إنه أكثر شيوعاً لدى الذين يمارسون مهن فنية مثل الراقصين والمصورين والكُتاب، وهذا ينطبق أيضاً على أمراض نفسية أخرى مثل الاكتئاب والقلق المرضي وانفصام الشخصية، وعدد الفنانين والكتاب الذين توفوا انتحاراً خير دليل على ذلك.
تفسيري الخاص لهذا هو أن الفنان حتى يستطيع الإبداع بحق يجب أن يبلغ حد كبيراً من رهافة الحس، ما يجعله أكثر ضعفاً من الناحية النفسية وأكثر عرضة للإصابة بأمراضها، وفي هذا الموضوع سنتحدث عن بعض الفنانين الذين عانوا مطولاً من الأمراض النفسية، ربما ظهورا في عصورهم غرباء الأطوار، ولم يستطع الكثيرون فهم دوافعهم ومشاعرهم، وهذه الكلمات هي محاولة بسيطة للتعاطف معهم هذه الآلام بعد فوات الأوان.
بتهوفن
الموسيقي الأسطوري بيتهوفن عانى طويلاً من الاكتئاب، وتكهن البعض بإصابته بالاضطراب ثنائي القطب أيضاً، بالإضافة بالطبع لإدمانه الكحول ما تسبب لاحقاً في وفاته بسبب كبده المتضرر.
وذكر الكاتب فرانسوا مارتن مايو في كتابه Diagnosing Genius: The Life and Death of Beethoven أن بيتهوفن أظهر تغييرات وتقلبات كبيرة في المزاج بالإضافة إلى ميله للاكتئاب والانتحار، ما يدل على إصابته بالاضطراب ثنائي القطب.
إدوارد مونش
كانت أعمال الفنان إدوارد مونش نابعة من مشاعره وآلامه النفسية، وقال عن لوحة الصرخة الشهيرة إنها كانت نتيجة معاناته من الاكتئاب والانهيار العصبي والخوف المرضي، وكانت الأمراض النفسية منتشرة في عائلة الفنان وأخته على الأخص كانت مصابة ببعضها.
وكتب الفنان النرويجي في مذكراته عن العلاقة بين عمله وبين أمراضه النفسية “الخوف من الحياة ضروري لي، فبدون القلق المرضي انا كالسفينة بدون أمواج، معاناتي جزء مني ومن فني” وأكمل “المرض، والجنون، والموت، هذا المثلث الأسود يحاوطني منذ الولادة وعشت معه كل حياتي”.
فنسنت فان جوخ
خمن الكثيرون بسهولة مرض فنسنت فان جوخ النفسي، فقد قيل عنه إنه عانى من الاكتئاب أو الاكتئاب الهوسي على وجه الخصوص، والاضطراب ثنائي القطب والهلوسات العنيف، وقد أنهى حياته منتحراً عام 1890 في عمر السادسة والثلاثين.
وقد أرجع الكثيرون معاناته إلى إدمانه لشرب الأفسنتين وهو مشروب مسكر، بينما رجح البعض الأخر إصابته بالبورفيريا والتي تبرر العديد من الأعراض العقلية والنفسية التي عانى منها الفنان وأفراد عائلته، وأيا كان السبب فقد عاش فان جوخ حياة صعبة مع الاكتئاب والأمراض النفسية ما أدى في النهاية لوفاته.
ديفيد فوستر والاس
قام ديفيد فوستر والاس – المعروف بروايته Infinite Jest ويعتبر واحد من أكثر كتاب جيله موهبة – بإنهاء حياته منتحراً عام 2008، وعانى فوستر طويلاً من الاكتئاب الذي تم تشخصيه لأول مرة خلال دراساته الجامعية.
وقبل انتحاره بثلاث سنوات قال والاس خلال خطابه الشهير في كلية كينيون “قد يبدو ما سأقوله مملاً ومتوقعاً ومكرراً ولكنه يعبر عن حقيقة مؤلمة، هناك سبب لأن أغلب من ينتحر بالأسلحة النارية يطلق النار على رأسه، وذلك حتى يقضي على أفكاره المرعبة، وفي الواقع أن من يقوم بالانتحار هو ميتاً قبل سحبه للزناد بوقت طويل”.
جورجيا أوكيف
بسبب كتاب سيرتها الذاتية عرف العالم أن في عمر السادسة والأربعون تم إدخال جورجيا أوكيف إلى مشفى في نيويورك بسبب القلق المرضي والاكتئاب، وكانت تتناول الكثير من الأدوية وتقضي أيام بدون نوم أو طعام، وعانت في تلك الفترة من عدم قدرتها على إكمال جدارية في قاعة راديو ستي الموسيقية، ما أدى في النهاية إلى انهيارها عصبياً.
سليفيا بلاث
سلفيا بلاث من أوائل الشاعرات والشعراء الذين تناولوا سيرتهم الذاتية في إبداعاتهم، وكتبت تفاصيل اكتئابها وقصة حياتها سواء في أشعارها أو على شكل روائي، وفي سن العشرين اثناء دراستها في كلية سميث سرقت أقراص النوم الخاصة بوالدتها وتناولتها ونزلت أسفل الشرفة لتموت.
ولكنها نجت من محاولة الانتحار هذه ليتم وضعها في مشفى ماكلين لستة أشهر وتحصل خلالها على علاج بالصدمات الكهربية، وفي فبراير 1963 وبعد عشرة سنوات من محاولاتها الأولى للانتحار قررت مرة أخرى قتل نفسها، فقامت إعداد إفطار أولادها وكتابة ملاحظة لمدبرة المنزل برقم الطبيب ووضعت رأسها في الفرن.
فرانشيسكو جويا
عام 1792 عانى فرانشيسكو جويا ذو الستة والأربعون عاماً من مرض غريب تسبب له في فقدان شعر الرأس والصداع وصعوبات في الرؤية وضعف في إحدى ذراعيه، وسرعان ما زادت أعراض نفسية تتضمن الاكتئاب وفقدان الوزن والهلوسة والهذيان، والمؤرخون الفنيون أقروا بأن هذه الأعراض أثرت على فن جويا وأصبحت لوحاته أكثر سوداوية.
آن سيكستون
من الصعب أن نعرف ما يحدث وفي عقل الشاعر سوى من شعره، ولكن كاتبة السيرة الذاتية ديان وود استطاعت الوصول إلى 300 تسجيل صوتي لآن سيكستون قامت بهم خلال علاجها النفسي مع الطبيب مارتين أورن، واستخدمت وود هذه الاعترافات في كتابها عنها.
ومن خلالها عرفنا أن سيكستون عانت من اكتئاب عميق وميول انتحارية، وحاولت كتابة هذه الأفكار لتستطيع التعامل معها وعلاجها، وربما هذا الصراحة المطلقة هي سبب نجاح كتابتاها الكبير.
وكانت حياة سيكستون مليئة بالمشاعر المتناقضة، فقد عانت من اكتئاب ما بعد الولادة عقب مولد ابنها الأول، وفي ذلك الوقت أصيبت بأول انهيار عصبي لها، وتم علاجها في مشفى نفسي، وهي المكان الذي زارته بعد ذلك عدة مرات في محاولة للتحكم في اعراضها، وبعد إنجابها لطفلها الثاني عانت من انهيار عصبي أخر، وعام 1974 انتحرت، وقد جمعت بينها وبين سلفيا بلاث صداقة قوية انتهت بانتحار كل منهما.
كما رأينا في الكلمات السابقة كانت حياة كل من هؤلاء الفنانين رحلة من الألم، انتجت العديد من الإبداعات العظيمة التي لا يزال العالم يحتفي بها حتى اليوم، وبالطبع هذا الإبداع تأثر بالمشاعر السلبية التي عاشوها، لنستبدل جملة “الفنون جنون” بالفن ألم وشجون.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.