مراجعة أنمي «Devilman: Crybaby»: نيتفليكس، وعهد جديد في صناعة الأنمي!

في عالم الأنمي هناك قاعدتان لتقييم الأنميات: الأولى هي جودة وبراعة الرسم، والثانية هي جذب الأنمي لك من الحلقة الأولى. لكن مهلًا، هذا ليس صحيحًا على الدوام، فهناك أنميات تظهر قوتها عند حلقتها الثالثة أو الرابعة، وأنميات أخرى مقاييس رسمها مزرية جدًا لكن حبكتها تجبرك على المشاهدة. نحن الآن أمام أنمي ذو أسلوب رسم غير فائق الجودة، وحلقة أولى قد لا تكون مشجعةً للبعض، وهذا كان انطباعي الأول عنه، لكن مع مرور الحلقات أدركت أنّني أمام عمل فني راقي من الطراز الأول، والذي أثبت بجدارة وبشكلٍ غير قابل للشك قدرة شركة نيتفليكس في اكتساح عالم صناعة الأنمي. هيا بنا نتحدث عن أفضل عمل كبداية لنيتفليكس في سباق أنميات 2018، أنمي Devilman: Crybaby!

– ويجدر بي ذكر أنّ الأنمي يحوي العديد من المشاهد التي لا تصلح إلّا للكبار فقط، ولا توجد وسيلة لتفاديها، فبحذفها نحذف مشاهد محورية جدًا بالأحداث –

أسوكا ريو الطفل الضئيل يجد نفسه بأعلى صخرة تطل على البحر وهو مُرتمي عليها كالقطة المنكمشة على نفسها أسفل المطر، لكن يمد له يد المساعدة طفل آخر غريب عنه يُدعى أكيرا فودو. تنشأ علاقة صداقة بين أكيرا وريو حيث يحاول دائمًا فودو أن يرفع من معنويات ريو، هذا وحتى تم أخذ ريو لأمريكا حيث يتم الاعتناء به بينما تُرك فودو ليعيش مع عائلة صديقة أبيه وأمه الذين يسافرون العالم لعلاج المرضى والفقراء، يعود ريو بعد سنين طويلة ليصحب فودو في رحلة مليئة بالمخاطر بين شياطين وكيانات قديمة شريرة كانت تسكن الأرض قبل البشر بملايين السنين، وفي تلك المغامرة يتحول فودو إلى شيطان شديد البأس يُدعى (آمون)، لكن يستطيع حبسه بداخله والسيطرة عليه بقلبه البشري. ليصير الرجل الشيطان، والوحيد الذي نازع تحكم الشيطان به وأصبح يستفيد من قواه الجديدة كي يحمي البشر من بطش سائر الشياطين، وبين هذا وذاك تحدث آلاف المواقف التي تزيد من حماس الأنمي وتجعل الأبطال في خطر مستمر، فهل سيبقى سر فودو محفوظًا حتى النهاية؟! هذا ما ستعلمه عند مشاهدة الأنمي.

هذا الأنمي مميز في أنّه خدعني. حقًا أنا لا أبالغ، فاعتقدته في البداية أنّه أنمي صاحب رسم مزري وقصة مُكررة، لكن مع مرور الحلقات أخذت الحبكة في الانفراج بالتدريج، وعيناي تعودتا على أسلوب الرسم الذي صار في النهاية الأسلوب الأمثل لهذا الأنمي، وكي يُكمل الأنمي خداعي، أخذني في منحنيات نفسية شديدة تُحلل النفس البشرية ببطء وروية، ومع ذلك يظل إيقاع الأحداث سريعًا ولا تشعر بالملل في أي لحظة، ولا حتى يساورك شك أنّ هناك مشهدًا زائدًا، وليست له فائدة أو مردود معين بالأحداث.

البشر حثالة. هذه هي الحقيقة التي أؤمن بها في حياتي، والتي أكد عليها الأنمي بشدة. الأنمي بنى التحوّلات المحورية في القصة على مبدأ الخوف البشري الذي يقلب الموازين، ويخلق الفوضى في أشد المجتمعات تحضرًا، وتحضرني هنا مقولة لكاتب الرعب الشهير لوفكرافت تقول:

“إنّ أقوى وأقدم المشاعر البشرية هو الخوف، وأقوى وأبرز أنواع الخوف هو الخوف من المجهول”.

في الأنمي يظهر أنّ الخوف من النهاية المجهولة، والتي تحمل احتمالين فقط دون ثالث: الموت، أو الحياة. وبناءً عليه يُظهر البشر النزعة الدفينة بداخلهم لإيذاء الآخرين، وإخراج الهمجية والبربرية في أقسى وأبشع صورها.

في الأنمي العالم به بشر وشياطين، ولكل منهم من المفترض أن تكون له صفات تميزه. لكن مع مرور الأحداث تجد أنّ الحابل اختلط بالنابل، وصار البشر أشد قسوةً وشرًا من الشياطين أنفسهم. على أقل تقدير الشياطين تعترف بمبدأ البقاء للأقوى، لكن البشر يرون أنّهم الأقوى دون منازع أو مُحارب على نفس المكانة من القوة والسلطة والجبروت، فأخذ البشر يقسمون أنفسهم إلى شرائح، وكل شريحة تؤمن في دخيلة نفسها أنّها الأفضل، والباقون لحشرات تزحف وتستحق الدعس في أقرب فرصة.

ببساطة ذلك الأنمي أبرز نزعات البشر الدفينة نحو الكمال، والطريقة الوحيدة للكمال في هذا العالم القاسي هي أن تمحي من أمامك كل عائق، وإن كان هذا العائق إنسانًا بشريًّا من لحم ودم ومشاعر تصنع له ماضيًا وحاضرًا ومستقبلًا. مستقبلًا بات أسودًا ونالته الكُدرة من كل جانب بفضل تدميره لنفسه من أجل المفهوم الزائف للحرية.

الشخصيات قد تبدو لك سطحيةً في البداية، لكن مع الوقت يزداد عمقها وتبدأ خيوط ماضيها وحاضرها تنكشف مما يخلق لها أدورًا محوريةً بشدة في الأحداث، فأي شخصية تم ذكرها في هذا الأنمي كان لها دور تم توظيفه ببراعة شديدة في القصة دون جعلها متفاقمة الضخامة في التفاصيل، أو حتى أن تجعل الأنمي مُكدسًا مما يصنع منه عملًا صعب المشاهدة. من وجهة نظري أرى أنّ أفضل شخصية بالأنمي كله هي شخصية ريو. ذلك، الفتى الذكي والمهووس بالحرب! فدائمًا ما أقع في عشق تلك الشخصيات التي يرقص قلبي عند سماع صوت المدافع والصرخات في أرض المعركة، فببساطة تلك الشخصيات هي الأقرب إلى الواقع دونًا عن سواها بكل تأكيد.

لن أعيب أسلوب الرسم؛ لأنّ الأنمي من إنتاج استوديو Science SARU والمتميز بأسلوب الرسم هذا دونًا عن سائر الاستوديوهات، وبالرغم من بساطة الرسم، إلّا أنّه في بعض المشاهد نرى لوحات فنيّة بديعة تفنن الاستوديو في نسجها كي يضيف لمسةً راقيةً على الأحداث الملحمية والدماء المتناثرة هنا وهناك، أمّا التحريك فكان مذهلًا بالنسبة لنوعية الرسم، فلم أشعر بسحب الخطوط خلف بعضها، مما ينم على أنّ دمجها كان مناسبًا للحفاظ على تدفق – Flow سريع وخالي من الشوائب.

الآن أنا أكتب لكم هذه المراجعة مباشرةً بعد انتهائي من الأنمي، وأنا أسمع المقطوعة الأوركسترالية التي صدحت في نهاية الحلقة العاشرة والأخيرة من الأنمي. مقطوعات هذا الأنمي حقًا طابقت أحداثه بشدة لتدخلك في الحالة الشعورية للملاحم القتالية بشكلٍ سيدفعك للبكاء دون أن تشعر، وإليكم بالفيديو بالأعلى تلك المقطوعة التي أذهلتني.

أنمي رائع جدًا ويستحق العلامة الكاملة دون شك، فيُعتبر من روائع نيتفليكس ويبرهن أنّ المنافسة معها في مضمار صناعة الأنمي سيكون أمرًا عسيرًا بالمستقبل. أتمنى لكم مشاهدةً ممتعةً لهذا الأنمي الرائع، وأرجو أن تكون المراجعة قد نالت رضاكم.