مسلسل قيامة أرطغرل … لماذا كل هذه الضجة؟
اعتدنا في عالمنا العربي الرائع أن نسمع كل حين عن مسلسل أو برنامج يتابعه جميع الناس، ويتحدثون عنه وعن عظمته وروعته، وتجد بعد فترة وسائل التواصل الاجتماعي قد مُلئَت بالحديث عنه، وتبدأ الصفحات بالحديث عنه ومتابعة أخباره ونشر صور لأبطاله وتطورات المسلسل، وكل ما يتعلق به صغيرًا كان الخبر أم كبيرًا حتى يصبح الجميع ملمًا بحياة الأبطال والمخرج والمنتج حتى (صبي الشاي والقهوة) فيه …
مؤخرًا كانت هذه الضجة الكبيرة من نصيب مسلسل قيامة أرطغرل، والذي صار مضرب مثل في المروءة والشجاعة والقوة، وكأنّ كل الأبطال التاريخيين لم يعد لهم أي قيمة أو أهمية …
مدفوعة بالفضول قليلًا، وعدم وجود خيار آخر غير متابعته مع العائلة مساءً، شاهدت بضع حلقات منه وشدني كما شد الكثيرين غيري، وجعلني أتابعه وأرغب بمعرفة كيف ستنتهي الأحداث، وكيف ستمر الأزمات التي تعصف بهم على خير …
لماذا يتابعون قيامة أرطغرل بهذا الشغف؟
في البداية أرطغرل هو ابن سليمان شاه ووالد عثمان مؤسس الدولة العثمانية، من هنا جاءت الأهمية الكبيرة لهذه الشخصية التاريخية الهامة التي كان لها الدور الأكبر في وصول الدولة العثمانية إلى الدرجة التي وصلت إليها فيما بعد، والقوة والتوسع الكبيرين التي استطاعت أن تصل لهما واستمرت لأربعة قرون …
دائمًا نملك ذلك الشعور الغريب والحنين الذي يعيدنا إلى الماضي المجيد الذي نتغنى به، ونهرب إليه من حاضر مؤلم وربيع عربي تحول بعده الوطن العربي إلى منطقة قطبية متجمدة! … فنلوذ بحكايات الماضي وأمجاده ونجد فيها سلوى لمآسينا وضعفنا الذي نعيشه … لكن قيامة أرطغرل لم يكتفِ بذكر تلك الأمجاد وذلك الماضي، ولم يعرض لنا قومًا أقوياء لا يهزمهم أحد متماسكون لا يفرق بينهم خائن … بل في عز ضعف الدولة السلجوقية وقوة المغول وبدء الصليبيين في التحضير للحملات الصليبية على البلاد العربية … تخرج قبيلة تؤمن بأهمية الدفاع عن أرضها دون أن تفكر في مصالحها وحمايتها فحسب، بل يأتي أرطغرل ليقود مسيرة تحرير البلاد …
إذًا لدينا هنا بطل غير خارق، يواجه الدسائس والمؤامرات ويخطئ أحيانًا … يتعرض لمواقف سيئة ويعارضه حتى أخوته … مندفع في كثير من الأحيان، وهذا عامل من أهم العوامل التي تدفع الناس لمتابعة هذا النوع من المسلسلات: القوة والواقعية والنهايات السعيدة عند كل أزمة رغم أنّها ما تلبث أن تلحقها أزمة أخرى، وسلسلة لا تنتهي من المصائب التي تحل عليهم.
أعتقد أنّ الأتراك رومانسيون بشكل عام، فكل مسلسلاتهم لا بد أن تحمل قصص حب جميلة، وهنا أضيف الرقي والأخلاق العالية على قصص الحب التي تضمنها المسلسل، والتي أيضًا تجذب أي مشاهد عربي يحب أن يرى ذاك العاشق الذي يسعى لإنقاذ محبوبته، والتعرض للأخطار في سبيل ذلك …
العنصر النسائي له دور هام جدًا في المسلسل، فمن والدة أرطغرل التي تستلم رئاسة القبيلة بعد موت والده، والتي أراها من أجمل شخصيات المسلسل وأروعها، حيث تمثل المرأة الحكيمة وتمتلك كل صفات الأم الحنون والمربية الصالحة التي تخاف على مصلحة أولادها وأهلها، وتقاتل بالسيف وتدافع عن نفسها عند الحاجة … إلى الزوجة التي تدعم زوجها في كل موقف … كل النساء في المسلسل مقاتلات بارعات لا يقللن أهمية عن أي محارب في القبيلة، ومثّلن دور الشر بكيد النساء الذي يغلب أحيانًا قوة الرجال وعقلهم … ومع كل هذا لا تجعلهنّ هذه القوة والقدرة ينافسن الرجال والشعور بالتفوق عليهم، فهنّ يحملن مسؤولية القبيلة تمامًا كما يفعل الرجال … هذه الموازنة بين قوة المرأة في تلك القبيلة التي تعيش بمنأى عن الحضارة والخلافة، وبين أنوثتهن التي حافظن عليها بطريقة تفتقدها نساء هذا العصر ولا يجدن هذا التوازن، فانعكس الإسلام الذي تدين به القبيلة بشكل بارع في هذه الناحية.
تاريخ واقعي يعرضه المسلسل مليء بالخونة وضعاف النفوس الذين يرتكبون الأخطاء في سبيل مصالحهم الشخصية، ويعودون إلى الطريق الصحيح أو ينالون جزاءهم … الرمادي اللون المفضل للجميع، مزيج الأبيض والأسود في كل واحد منا، الصراع الذي قد يعيشه أي شخص تعرض لمصيبة … ليسوا ملائكةً وشياطين … بل مجرد أشخاص طبيعيين …
تاريخ إسلامي جميل يعرضه غير العرب، لم نعتد هذه التركيبة في الإعلام لكن المسلسل فعلها وبنزاهة، وبعيدًا عن حريم السلطان الذي أعطى بطريقة غير مباشرة صورةً سيئةً عن المسلمين وعن سيطرة النساء على كل شيء حتى عقول بعض الرجال والتحكم بمصائرهم، جاء قيامة أرطغرل ليرينا التزام القبيلة بالإسلام كدين وليس تقاليد توارثوها، بل يؤمنون به ويطبقون أوامره ويعتبرون إيمانهم هذا الدافع لهم في تنفيذ أي أمر أو القيام بأي خطوة، حتى أنّك كثيرًا ما تراهم يدعون الله ويلجؤون إليه في أحلك المواقف، ويعرفون أنّ النصر من عند الله لمن دافع عن دينه وكان على شرعه، وأعد ما عليه من قوة وتجهيز خطط دون سلبية أو تواكل.
هل يعرض العمل أحداثًا تاريخيةً حقيقيةً؟
الجدل الأكبر الذي حصل عن المسلسل كان بسبب غموض السنوات التي تحصل فيها هذه الأحداث دون معرفة أي سنة أو عصر كان وجوده، وحتى من تعقب تاريخ عثمان بن أرطغرل مؤسس الدولة العثمانية، وعلاقة أرطغرل بالسلاجقة والمغول والحروب التي خاضوها وجد بعض التناقض بينهم، مما سبب لبسًا للمشاهدين، لكن يمكن القول أنّ هذه الأحداث كانت في القرن الثاني عشر الهجري …
لكن في الحقيقة يبقى هذا مسلسلًا تاريخيًا، وليس فيلمًا وثائقيًا اعتمد على شخصية لا نعرف عنها الكثير. لذلك، كان لا بد من بعض الأحداث الدرامية التي تدعم المسلسل فنيًا، وتغنيه مع الاعتماد على الشخصيات الأساسية الموجودة في التاريخ حقيقةً وتوصيف انتماءها.
عمل فني من الدرجة الأولى
يقال أنّ تكلفة الحلقة الواحدة من المسلسل كانت ما يقارب ثلاثمائة وستون ألف دولار، وإذا حسبنا عدد الحلقات التي تم عرضها، فسيكون لدينا رقم مهول لن يكفي المقال لذكره، ويمكن رؤية انعكاس هذه الميزانية على الملابس والديكورات والخيم التي يتم التصوير فيها، إضافةً إلى الأسلحة والخيول وأدوات الحرب غير العادية، والتي من النادر أن ترى مثلها في مسلسل تاريخي خارج هوليود، وربما يعود هذا إلى الدعم الكبير الذي يتلقاه المسلسل من الحكومة التركية.
كل الممثلين أدوا أدوراهم ببراعة، وقد كرهت الأشرار فيهم حتى لا أتخيل أنّي قد أراهم في مسلسل آخر في دور آخر، وبشكل عام وبعبارة بسيطة هذا عمل رفيع من الدرجة الأولى، الاهتمام العظيم بكل التفاصيل الصغيرة جدًا فيه، الحوار الذي لا توجد فيه كلمة لا داعي لها، الحلقة التي لا تحوي مشهدًا مملًا، فإن فاتتك حلقة فقدت القدرة على فهم ماحدث، وتحتاج إلى وقت حتى تستعيد تشابك الأحداث …
يعرض حاليًا الجزء الرابع من المسلسل بمعدل حلقة كل يوم أربعاء، ومن المتوقع أن ينتهي المسلسل عند نهاية هذا الجزء دون التأكد من عدد الحلقات التي سيكون عليها المسلسل عند انتهائِه.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.
اروووع مسلسل 🙂
للتصحيح:
١- الحكم العثماني دام تقريبا ستة قرون وليس أربعة كما كُتِب.
٢-الوقائع حدثت في القرن الثاني عشر الميلادي وليس الهجري.
وشكرا على هذه المقالة الرائعة.
حقيقة مسلسل أكثر من رائع, ولكن تمنيت لو غطيت جانب النقد أيضا فلا يوجد مسلسل كامل غني عن الخطأ. يوجد أخطاء يمكن غض النظر عنها ولكن في هذا المسلسل يوجد كثير من الأخطاء الغبية جدا, أذكر منها:
الجانب الموسيقي: في لحظات الحماس أو الخوف والمصيبة يضعون صوت الرعد فيها وهذا ما يقلقني جدا ويفسد موسيقى المسلسل الجميلة.
من جانب التمثيل: عند القتال, الدم يصنع بواسطة المونتاج وبعد الضرب بالسيف كثيراأحيانا مايكون السيف أبيضا خالي من الدم وجسم الضحية أيضا.
من جانب التصوير والمونتاج: أكثر ماأكرهه ويبغضني في المسلسل كثرة “التصوير البطيء/ Slow Motion” فلا تمر مدة من الزمن ولا لحظة حاسمة إلا وضعوها .
من العنوان توقعت ان المقال نقدي ولكن كان العكس
اجمل ما في المسلسل الحشمة بالنسبة للباس النساء حتى غير المسلمات
اذاََ الضجيج عن هذه التحفة الفنية بالأحرى ليس ضجيجاََ بل ولع بروعة أحداثه وتفاصيله التي تنقلنا لهذا العصر من الزمان . .
بوركتِ يا لينا بعرضك المتقن لجميع جوانب المسلسل = )
أنا متابعة جديدة وقد أحببت مواضيعكم جداً ، وبالنسبة للمسلسل تمنيت لو تابعته ولكني للأسف لم أسمع غير شارته الحماسية