فيلم Django Unchained .. العبودية من وجهة نظر تارنتينو

تقييم الفيلم

تعد الفترة التى أستعبد فيها الإنسان أخيه الإنسان من أكثر الفترات اظلاماً فى التاريخ، وأكثر من تضرر من هذه الفعله الشائنه هى القاره الإفريقيه، بسكانها الذين تم إختطافهم من منازلهم وسوقهم كالنعاج حتى يباعوا فى الأسواق الأمريكيه.

ومن يريد أن يعرف أكثر عن كيفيه معاملة العبيد أثناء نقلهم من بلادهم وحتى أسيادهم الجدد من الممكن أن يطلع على رواية الجذور لأليكس هايلى التى تناولت قصة أسلافه وتم تحويلها  لفيلم ومسلسل شهير  بأسم بطل الرواية “كونتا كنتى”.

والمجتمع الأمريكي إلى الان يحاول أن يكفر عن هذا الذنب بشتى الطرق، ومنها أفلام جلد الذات التى تدور حول العبوديه والتى لا يمر عام أو إثنان حتى تقدم لنا هوليود عملا جديد ينتمي لهذه الفئة، لعل من أخرها فيلم 12 Years a Slave الذى أكتسح الترشيحات عام 2014 وفاز بثلاث جوائز أوسكار وحجز لنفسه مكانا بين أعظم الأفلام فى التاريخ .

واليوم نكتب عن فيلم أخر عن العبودية لكن من وجهة نظر المخرج Quentin Tarantino وهو من تأليفه و إخراجه، وتم إنتاجه عام 2012 وفاز بجائزتي أوسكار، ومن بطولة ذو الألف وجه Jamie Foxx الذى نجح فى تمثيل الجزء المأسوى فى حياة العبد جانجو وإضفاء لمسة ساخرة تشى بخفة ظله المشهورة .

تدور الأحداث حول العبد جانجو  الذى يلتقي بالطبيب السابق وجامع الجوائز وقاتل المجرمين الحالي الدكتور شالتز ،ويساعده فى قتل ثلاث أخوة كانوا –فيما سبق- أسياده، وفرقوا بينه وبين زوجته مقابل أن يهبه (شالتز) حريته ..

بعد إتمام المهمة يعقدا إتفاقا جديدا بمقتضاه يقوم جانجو بمساعدة الطبيب فى عمله أثناء فصل الشتاء على أن يساعده الطبيب فى العثور على زوجته وتخليصها من أسرها الجديد وبالفعل يحدث هذا بعد أن تجمع بين الإثنين علاقة صداقة وطيدة.

بعد إنتهاء الشتاء تبدأ مهمتهما الجديدة فى إسترجاع برومهيلد من أسرها، ليكتشفا إنها قد تم بيعها إلى صاحب الأملاك ومحب مصارعة الزنوج الثرى المعروف كالفن كاندى والذى يقوم بدوره الساحر Leonardo DiCaprio ليبدأ الفصل الأهم فى الفيلم .

كان هذه الفيلم سيفتقد الكثير إن لم يشترك فيه دى كابريو الذى أضفي على الفيلم الكثير من الحيوية بعد أحداث رتيبه نوعاً ما فى الجزء الأول  وذلك بأدائه المتميز لشخصية الثرى المجنون قليلاً كالفن كاندى ..

كالفن العاشق لمصارعة الزنوج المدخل الوحيد له هو التظاهر إن الطبيب ومساعده قادمين لشراء زنوج بسعر خيالي ما أغراه وجعله يصطحبهم إلى منزل أخته حيث وجدوا برومهيلدا مسجونه بسبب محاولاتها الهرب ،وحين تكاد الصفقة أن تتم تنقلب الأمور رأساً على عقب بتدخل الخادم ستيفن.

منذ المشهد الأول الذى ظهر فيه الخادم ستيفن الذى يقوم بدوره Samuel L. Jackson فى دور من أفضل أدواره ، حتى لفت الإنتباه برفضه إقامة جانجو فى المنزل ومعاملته بطريقة سيئه لإنه زنجي على الرغم من إنه عبدا هو الأخر.

هذا الخادم رغم إنه يحمل نفس الجينات وأصول العبيد إلا إنه بمكانته كرئيس الخدم يشعر انه أفضل منهم ويعاملهم بمبادئ البيض  فى عنصرية بغيضة بين أصحاب اللون الواحد،  وبدهائه يكتشف أن شراء زنوج المُصارعة ماهو إلا غطاء للحصول على الفتاه وهو مايخبر به مرؤوسه لتنهار الصفقة وينتهى الأمر بأن يقوم الطبيب بشراء الفتاه بمبلغ كبير بعد تهديد كالفن بقتلها .

الطبيعة البشرية قادرة على اختراع النظريات لتفسير كل عيوبها وأخطائها ،فالذى يسرق من صاحب العمل يعلل فعلته بضعف الراتب، وغيرها من الأمثلة.

أما عن العبوديه فيعود سببها فى نظر كالفن  لخضوع السود، فلو ثاروا أو قتلوا أسيادهم لاحترمهم وأعطاهم حريتهم ودلل على ذلك بالشرح على جمجة أحد خدم والده السابقين، وأن المنطقة الخاصة بالفكر المستقل لدي البيض يوجد بها لدى ذوي الأصول الأفريقية ما يفسر خضوعهم.

وهى فعلا النظرية التى كان يبرر بها الكثير  من البيض لأنفسهم العبوديه بالإضافة  لنظريات اخري مثل أن ذوي الأصول الإفريقيه بدونهم لن يستطيعوا تدبر أمرهم أو إنهم من جنس أدنى من البشر.

رغم أن الفيلم حاول ان يُظهر جانجو بشخصية البطل الذى يحارب البيض، لكن الحقيقة انه كان يقوم بذلك لتخليص زوجته، وليس دفاعا عن مبدأ يؤمن به وإلا كان سيترك الطبيب يساعد أحد الزنوج الذى رماه كاندي لتأكله الكلاب ولكنه على العكس نهاه عن ذلك حتى لا يعرقل خطته.

كان يحمل التعاطف لبنى جنسه والغضب لما يحدث لهم لكن الأهم كانت سعادته الشخصيه وهو مانزع عنه صفة البطولة.

ولكن من يستحق كل إحترام فى الحقيقة هو الطبيب ،الذى ساعده منذ البداية وحرره فى أول فرصة أُتيحت له وكان أكثر إهتماماً من جانجو بمصير الزنوج الأخريين وأختار أن يموت على أن يتخلي عن مبادئه.

بعد إتمام الصفقة يمعن كالفن فى إذلال الطبيب ويطالبه بمصافحته وإلا يعتبر ما بينهما منتهيا، وهو ما أستفز الأخير بشده حتى أضطر لقتله وبالتالى قامت معركة كبيرة أدت لوفاة الطبيب والعديد من الخدم والمساعدين وأسر جانجو.

فى الحقيقة كان من الأفضل أن ينتهى الفيلم عند هذا الجزء سواء بإنتصار جانجو أو هزيمته لكن المخرج أراد أن يضيف فصلاً جديداً من المغامرات وإضفاء هاله أسطورية على إنتصار جانجو وهو ما أوقعه فى فخ الملل فلم تكد تمضي بضع دقائق على مشهد المعركة الدموية الأولى حتى بدأت الثانية والتى أنتهت كما هو متوقع بإنتصار جانجو.

فى النهاية الفيلم يقدم عرضا مختلفا للعبودية فى الولايات المتحده مع أداء تمثيلي أكثر من رائع لكل النجوم وموسيقى تصويرية ملفته.