فيلم Dune: يمكنك أن تُخرج البشرية من الأرض ولكن لا يمكنك إخراج الأرض من البشرية

صدر حديثًا في دار السينما وقريبًا على منصة HOB الفيلم الأكثر انتظارًا لعام 2021 فيلم Dune – الكثيب. الفيلم مأخوذ عن ملحمة روائية تحمل نفس الاسم مكونة من خمسة أجزاء. لم يكن الفيلم الصادر حديثًا هو أول محاولات نقل العمل من نطاق الأدب إلى سحر السينما، فبعد محاولتين سابقتين يقدم لنا المخرج فيلنوف تجربة تستحق الانتظار على كل المستويات بالتأكيد.

كُتبت رواية الكثيب، التي تعد الجزء الأول من سلسلة من روايات بنفس الاسم عام 1965 من قبل فرانك هربرت. حصلت الرواية على العديد من الجوائز فور صدورها ومنها جائزة هوغو لعام 1966، كما يشار إليها بشكل عام أنها حتى الآن تعد من أكثر روايات الخيال العلمي مبيعًا وترجمة للعديد من اللغات. ترجع تلك الشهرة للعديد من الأمور التي ميزت الرواية عن أقرانها، فبعد ثلاثين عامًا تقريبًا من صدور العدد الأول من كوميك الرجل الخارق- superman تأخذنا الرواية لنوع جديد من الخيال العلمي الذي يعتمد بشكل أساسي على البيئة المحيطة بكل واقعيتها والصعوبات التي تواجه الفرد بها، ومن تلك الصعوبات نفسها يستمد البطل قدراته الخارقة، بل ويتعلم التوافق معها.

تدور أحداث الرواية بشكل أساسي في إطار من تشابك العلاقات. ففي المستقبل البعيد، وبعد خراب الأرض يسيطر ما تبقى من إقطاعيي البشرية على كواكب أخرى تصلح للعيش، يدين الجميع بالولاء إلى الإمبراطور شادوم الرابع، وكأي مجتمع إنساني تنشأ النزاعات بين العائلات المختلفة في سبيل الحصول على القوة والسيطرة، من بين تلك العائلة عائلتين أتريديس وهاركونين. يستغل الإمبراطور شادوم هذا العداء للتخلص من نسل أتريديس الذي يشكل خطرًا عليه عن طريق نقل ملكية مزارع “التوابل” التي تنتج مسحوق “ميلانج” الذي يعد المصدر الأساسي للطاقة، ففي هذا المستقبل يحظر استخدام الذكاء الاصطناعي وعوضًا عنه يتم استخدام قوة العقل البشري، ويعتمد على هذا المحصول لاستخدام أقصى قوة العقل. باختصار التوابل ومسحوق ميلانج هم مصدر الطاقة المحركة لهذا العالم.

في نفس الوقت الذي تنتقل به ملكية كوكب أراكيس -المصدر الوحيد للتوابل- لعائلة أتريديس تبدأ شخصية بول أتريديس في التشكل ويبدأ في اكتشاف قدراته الخارقة التي ورثها عن أبيه أولًا الدوق أتريدس كبير عائلة أتريدس، وثانيًا السيدة جيسيكا والدته التي تنتمي لجماعة بيني جيسيرت التي تتكون من سيدات فقط، يتسمن بقوى خارقة تمكنهم من التلاعب بالعقول والتنبؤ بالمستقبل، بمعنى أدق أنهن ساحرات المستقبل. قدرات بول الخارقة لم تكن محض صدفة، بالعكس فقد تم التخطيط لميلاده لمئات السنين من قبل جماعة بيني جيسيرت الذي وفقًا لأسطورة خاصة بهم بعد العديد من الإنجاب الانتخابي سيتم ولادة مخلص يحمل قدرات خاصة تمكنه من التواصل مع الأسلاف والحصول على قواهم ليتمكنوا من حكم العالم من خلاله. تمتد أحداث السلسلة لما هو أكثر من ذلك وتتشعب الخطوط الدرامية وتتشابك لتقود بول في النهاية ليكون بطل عالمه الخارق، ولكن هل قدم لنا دينيس فيلنوف كل هذا في 155 دقيقة فقط؟

حصلت رواية الكثيب على نصيب من الإنتاج السينمائي بين محاولات لم تر النور وبين أعمال نفذت الأولى من إخراج ديفيد لينش وبطولة كايل ماكلاشلان في دور بول صدر عام 1948، وفي عام 2000 صدرت أجزاء الرواية كأفلام قصيرة من إخراج جون هاريسون. وأخيرًا، النسخة الحالية من إخراج دينيس فيلنوف وبطولة مجموعة كبيرة من النجوم: تيموثي شالاميت، ريبيكا فيرجسون، ستيلان سكارسغارد، زندايا، خافيير بارديم، أوسكار ايزيك وجيسون موموا. وبين العديد من المحاولات نجح فيلنوف تقديم نسخة مختلفة من العمل، ورجوعًا لتاريخه فهذا أمر متوقع تمامًا منه.

بنظرة سريعة على أعمال فيلنوف مثل Arrival الحائز على أوسكار أفضل مونتاج صوتي مع سبع ترشيحات أخرى، كذلك فيلم Blade Runner 2049 الحاصل على أوسكار أفضل تصوير سينمائي وأوسكار أفضل مؤثرات بصرية مع ثلاثة ترشيحات أخرى، ستجد أن الاهتمام بأدق التفاصيل في التصوير والمؤثرات البصرية هي لعبته المفضلة. كذلك بخفة شديدة يضعك فيلنوف في منتصف الأحداث دون الحاجة للعديد من المقدمات ومع ذلك تشعر بالألفة مع “الحدوته” بشكل مثير للغاية. وعن فيلم Dune كم التفاصيل البصرية التي يتعرض لها المشاهد في الدقيقة الواحدة مبهرة للحد الذي يشعرك بالإرهاق الذهني مع الوصول لنصف الفيلم فقط.

الحقيقة أن تجربة فيلم Dune سـ تتباين بشدة من شخص لآخر، إما أن يحظى الفيلم بالإعجاب الشديد والانبهار من الفرد أو يصاب بالملل الشديد. يرجع ذلك الاختلاف في التلقي في وجود معلومة تعدد أجزاء الفيلم عند المتلقي من عدمها، فإذا لم يكن المتفرج على دراية أن هذا الفيلم ما هو إلا جزء من سلسلة بالتالي إيقاع الأحداث وتطور العقدة الدرامية سيكون بطيئًا على حساب التنفيذ الجيد المتقن للعوامل البصرية، وبالتالي سيتعامل مع الفيلم على أنه تجربة بصرية في المقام الأول ويأتي بعدها تصاعد الأحداث، بالإضافة بالطبع للأداء المترواح بين الجيد والجيد جدًا من أغلب فريق التمثيل.

يمكنك بسهولة فك شفرات الإسقاطات السياسية والاجتماعية الموجودة في الفيلم، قام هربرت بإنشاء عالم في المستقبل البعيد يوازي في أحداثه وسياسته التي تحكمه العالم الذي نعيش به، بالأخص العالم الذي عاش به هربرت نفسه في الستينات. فسيطرة دول الخليج على النفط الذي يعد الوقود الأساسي كان له دور كبير في تحريك المشهد السياسي في كثير من الأوقات. يفسر هذا الطابع العربي الذي أسقطه الكاتب في الأساس على حضارة شعب فريمان من كلمات وعادات وحتى على مستوى العقائد الدينية والروحية. وهي في الأصل نقطة محورية في الرواية، حيث بالرغم من الصورة المنمطه عن شعب الفريمان كشعب همجي رجعي يظهرهم هربرت في النهاية كشعب ذكي قادر على فهم قوانين الطبيعة والتكيف معها واستخدام الموارد المتاحة لديه بأقصى قدر ممكن.

ينتهي فيلم Dune ببدء رحلة بول مع شعب الفريمان ليتعرف على أسرارهم ويتعلم منهم ويعلمهم كذلك الكثير، ومن هنا يبدأ في تحقيق نبوءته بقيادة ثورة ضد الإمبراطور شادوم. لا يمكن تجاهل كذلك وجه التشابه بين قصة حياة بول وقصة توماس إدوارد لورنس الذي ساعد في قيام الثورة العربية ضد الدولة العثمانية ما تبع ذلك من أحداث في مصلحة بعض القوى السياسية وضد مصلحة البعض الآخر. ما يحاول هربرت عرضه من خلال قصته الملحمية هو الطبيعة الإنسانية التي تسعى دومًا وفي أي سياق أن تستحوذ على مصادر الطاقة والموارد بشكل عام لتكون في موضع القوة، مما يترتب على ذلك من حروب ودمار أبدي وكأن الإنسان -حتى في المستقبل- لا يتعلم من تاريخه بأي شكل إن كان. بالتأكيد لا يظهر ذلك بشكل كامل في فيلم يعد جزءًا واحدًا من سلسلة ستمتد لثلاثة أجزاء لذلك الحكم بشكل عام على الفيلم يعد أمرًا صعبًا نوعًا ما.