فيلم Elle… ولغز الضحية والصياد!
6 د
يعد Elle من بين الأفلام -الخارجة عن هوليوود- الأكثر إثارة للإهتمام حاليا، نظرا للجوائز المهمة التي حاز عليها والتي كان آخرها كل من جائزة الغولدن جلوب لأفضل ممثلة ذهبت لممثلته الرئيسية إيزابيل هوبير، وجائزة الغولدن جلوب لأفضل فيلم أجنبي، كما تمكنت الممثلة المذكورة من الحصول على ترشيح للأوسكار عن فئة أفضل ممثلة.
في هذا المقال، سنحاول أن نتعرف على الفيلم عن كثب من خلال التعرف على قصته وتحليلها، ومحاولة شرح الأسباب التي تجعل من إيزابيل هوبير مستحقة، وبجدارة، للجوائز والترشيحات التي تهاطلت عليها.
قصة الفيلم
تدور أحداث الفيلم التي تم اقتباسها عن رواية تحمل إسم Oh للكاتب الفرنسي “فيليب ديجان”، حول “ميشيل”، سيدة تتعرض لاعتداء جنسي داخل بيتها من طرف شخص مجهول مقنع، إلا أنها بدل أن تدخل في حالة من الصدمة أو الإكتئاب، عادت لحياتها بشكل طبيعي.
نتعرف على خلفية حياة هذه السيدة التي تعاملت ببرود شديد مع ما يمكن اعتباره أسوء تجربة قد تمر بها أية أنثى على كوكب الأرض، فنكتشف أنها سيدة أعمال ناجحة تدير شركة لألعاب الفيديو إلى جانب صديقتها المقربة، إلا أنها خلف هذا الجانب الناجح تخفي فشلا حقيقيا من جميع جوانب الحياة، فطفولتها دمرت بسبب أبيها الذي عاشت بسبب جرائمه حياة غير طبيعية، وفشل زواجها من كاتب مغمور، وعلاقتها بوالدتها سيئة جدا، ونفس الشيء ينطبق على ابنها الوحيد المنصاع لأوامر حبيبته والمتمتع بشخصية صبيانية ومزعجة جداً، وعلى الرغم من أن البطلة تصاب بنوع من الوسواس الذي يدفعها إلى النوم بجانب أداة حادة بغرض استعمالها في حالة عودة المعتدي ولجوءها إلى تغيير الأقفال، إلا أن هذا أمر طبيعي جداً ومتوقع، ولا يمكن مقارنته بأي شكل برد الفعل الذي كان سينبع من سيدة عادية تعرضت لنفس التجربة التي مرت بها ميشيل.
تأخذ القصة منحى آخر عندما تبدأ ميشيل باكتشاف أن المعتدي هو شخص قريب جداً منها، فتبدأ عملية البحث بغرض إيجاده والإنتقام منه، وعلى الرغم من أنها تتمكن من إيجاده بالفعل فإن الأمر لا يجري -تماما- كما نتوقعه.
لعل أهم ما أثار انتباهي في أحداث الفيلم هو الطريقة التي تم التعامل بها مع حادثة الإغتصاب، حيث تم إعطاؤها مساحة هامشية تماما كما تعاملت معها البطلة، وتم التركيز بالأساس على الإعتداء النفسي الذي تعرضت له “ميشيل”، وعلى آثاره المدمرة التي أتت على حياتها وعلى علاقتها بكل المقربين منها، بل ويعتبر هذا الضرر العميق أحد الأسباب التي جعلتها تعتمد على نفسها ونفسها فقط في استرجاع حقها بعد أن فقدت الثقة والإحساس بالأمان وكل مشاعر الحاجة أو الانتماء التي تدفع أي انسان إلى الالتجاء للأصدقاء والمقربين طالبا للمساعدة، وفي هذه الحالة، فإن ميشيل لم تلتجىء حتى إلى الشرطة من فرط الإحباط وانعدام الثقة التي تحمله منذ طفولتها حين لم يسعفها أي شخص ولم يحمها من المأساة التي عاشتها.
بالإضافة إلى ما سبق، فقد يجد البعض الطريقة التي تعاملت بها البطلة مع المعتدي عليها (والتي لن أتطرق إليها لعدم حرق الأحداث) غير مفهومة تماماً، إلا أن التفسير المنطقي، في رأيي على الأقل، هو أن ميشيل امرأة ترفض أن تكون ضحية أو أن يتم إجبارها بأي شكل من الأشكال، بل على العكس، نلاحظ طوال الفيلم أنها قد تمكنت من التحكم، بقصد أو دون قصد، في مصير عدة شخصيات، وهو الأمر الذي ينطبق على المعتدي الذي اختارت ميشيل أن يكون انتقامها منه هو إخضاعه إلى سيطرتها وتحكمها، واختارت أن تكون معاناتها خاضعة لرغبتها الخاصة وباختيارها، بدل أن تكون أمرا مفروضا عليها، بمعنى آخر، لقد قررت أن تتحول من طريدة له إلى صياد يتحكم فيه كما يشاء، حتى وإن كان هذا الأمر يعني استمرار تعرضها للأذى.
تتميز القصة بحبكة ذكية تتحدى توقعات المشاهد وتضعه في حالة ترقب مستمر لتذكرنا بأفلام “هيتشكوك” التي كانت قادرة على حبس أنفاسنا طيلة مدة الفيلم، على الرغم من وجود بعض كليشيهات الأفلام الفرنسية التي تصيب المتفرج بالملل والانزعاج من حين لآخر، وعلى رأسها المشاهد الطويلة والحوار المتحذلق والنهاية الغير المرضية أو المشبعة للفضول، والتي تكون إما مبهمة غير مفهومة، أو نهاية “سهلة جدا” وغير مقنعة.
شخصية ميشيل
لن نتطرق لباقي الشخصيات لأنها بكل بساطة لا تتقارن ولو بشكل قريب مع شخصية ميشيل التي تدور حولها الأحداث بشكل حصري، وكما يدل العنوان، فإن الفيلم يتطرق إليها “هي”، ولا أحد غيرها، “هي” التي تمكنت من الحصول على انتبهنا التام حتى في المشاهد التي لم تنطق فيها بكلمة واحدة والتي حافظت فيها على ملامحها وتعابير وجهها الجامدة التي تدفعنا إلى محاولة توقع ما تحس به أو ما تفكر به دون فائدة، وكل أفعالها وتحركاتها طوال الفيلم كانت من أجلها “هي”، بحيث لا يوجد مشهد واحد تظهر فيه على أنها تهتم بأي شخص آخر غير نفسها ورغباتها “هي”.
ميشيل امرأة انتشلت منها الأيام أحاسيسها ومشاعرها لتتركها فارغة تماما لا تكن لأي شخص أي نوع من العواطف، ولو حتى لابنها الوحيد الذي لا تحمل تجاهه أياً من مشاعر الأمومة، بل أنها “لا تعرف ما هذا الشيء الذي خرج من بطنها” و تعتبره “أحد أسوء التجارب في حياتها” على حد تعبيرها، بل أنها غير قادرة حتى على إظهار ردات الفعل حزينة كانت أم سعيدة في مختلف المواقف التي تواجهها حيث نشاهد الطريقة البالغة البرودة التي تعاملت معها مع وفاة إحدى الشخصيات القريبة منها، وهو الأمر الذي يجعلنا نتفهم الأحداث التي تلت تعرضها للإعتداء، والتي كانت مثيرة للإستغراب في بداية الفيلم.
من ناحية أخرى، لا أعرف إن كان ضعف الشخصيات الذكورية الموجودة في الفيلم أمرا متعمداً أم أنه راجع فقط لسوء اختيار الممثلين، أو ربما لأننا لم نحظى بالوقت الكافي لمشاهدتهم نظرا للمساحة الضيقة جدا التي تم تقديمهم ضمنها، إلا أنه مهما كان السبب، فإنني أجد هذا الضعف مناسبا بشكل غريب مع القصة التي يلعب فيها الرجال دورا حقيرا جداً ساهم أيضاً في رسم شخصية ميشيل المخيفة، فجميع الرجال المحيطين بها، دون استثناء، بما فيهم أولائك التي كانت تظن أنهم يكنون الود تجاهها، قد قاموا بخذلانها وجرحها وصدمها إلى أن وصلت إلى حد لم تعد تؤثر فيها أي من الصدمات ولتتحول إلى “إنسانة” لا يعرف الخوف إليها طريقاً، حيث أصبحت امرأة مستقلة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ليست بحاجة لحماية أو رعاية أي شخص، وليس بحاجة لإرضاء أي طرف مهما كان قريباً منها، فكل ما يهمها هو مصلحتها، ومصلحتها فقط، وليذهب الآخرون إلى الجحيم الذي ذاقت عذابه بسببهم.
شكل الفيلم عودةً للمخرج الهولندي “بول فيرهويفن” بعد غياب طال لعشر سنوات، وقد عرف هذا المخرج بعدة أفلام شهيرة من بينها Basic Instinct وTotal Recall، ويعتبر فيلمه الأخير أول عمل سينمائي ناطق بالفرنسية من إخراجه، وبالطبع، فقد شكل عودة موفقة جداً له نظرا للضجة الواسعة والنجاح الكبير الذي خلفه، لكن يجب علينا الإعتراف بأن كل جهود المخرج لم تكن لتعطي ثماراً كالتي أعطت لولا وجود “إيزابيل هوبير” التي لا يمكن تصور الفيلم بنفس الجودة والتشويق، والإزعاج أحياناً، دون أدائها المستفز، والمثير للإعجاب في آن واحد، فعلى الرغم من أن الفيلم يدفعنا لكره الشخصية الرئيسية في البداية والاستغراب من أفعالها الغير المفهومة، إلا أننا شيئا فشيئا نبدأ بتفهم العوامل التي صنعت ميشيل، لنبدأ في التماس الأعذار لها، ثم لنجد أنفسنا مكنين لها إعجاباً بقدرتها على تحويل مآسيها إلى قوة حقيقية قادرة على دعس كل من يتجرأ على إيذائها.
في النهاية، فإنني أنصحكم بمشاهدة الفيلم إذا كنتم من عشاق الأفلام الخارجة عن المألوف، لكنني أشير لأن الفيلم لا يصلح لجميع الأذواق وقد يعتبره البعض مزعجاً، أما إذا كنتم قد شاهدتم الفيلم فما رأيكم به ؟ شاركونا في التعليقات.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.
نصيحة لله لا تنشروا صور نساء او تروجوا للمحرمات اخاف عليكم اثمها وسيئات جارية