مسلسل الرحلة.. عمل مميز يعرض درجة تفاوت اختلالنا النفسي
6 د
عندما تواترت الإخبار عن مسلسل الرحلة في بداية شهر رمضان وقبله ظن الكثير أنه لابد وان يكون بشكل أو بأخر مشابه لمسلسل العام الماضي 30 يوم، لعدة أسباب أهمها أن المخرج “حسام علي” ذاته اعتمد تقريبا على أهم الوجوه نفسها كما يدور العمل الجديد أيضا في دهاليز ظلمات العمق النفسي البشري، لكن ما كان مفاجئ حقا هو أن العمل ابتعد تماما عن فخ التكرار الذي توقع الجميع سقوطه فيه وجاء متفردًا ومختلفا ومن جعبة ابتكاريه جديدة تركت المشاهد في حالة من الذهول الممزوج بالمتعة والترقب.
في هذا المقال سنستعرض معك عزيزي القارئ أهم محطات هذا العمل.
مراجعة مسلسل الرحلة
التصنيف: تشويق وإثارة – غموض – دراما.
قصة نور شيشكلى، سيناريو وحوار عمرو الدالى وأحمد وائل، وإخراج حسام على.
القصة
في رحلة جوية تحمل الرقم 710 والتي تتوجه من لبنان عائدة إلى مصر يجمع القدر على متنها أبطال هذا العمل. يحمل كل واحد منهم قصته الخاصة، العقبات التي يوجهها في حياته، تجاربه، مخاوفه وشكوكه.
رانيا مع ابنتها سلمى الهاربة من زوجها أسامة، سيدة الأعمال كيمي أو كريمة مع أختها كارما عاشقة التصوير والمؤلف السينمائي أدم مع عروسه سارة.
يعود الجميع إلى القاهرة لتبدأ الرحلة الحقيقة في اكتشاف الكثير من مجريات حياتهم ومواجة تحديات داخلية وصراعات نفسية وأحداث كثيرة متشابكة بين أبطال العمل.
شخصيات العمل والممثلين
منعا للإسهاب لن أتحدث عن جميع الشخصيات وسأكتفي بذكر أهم ثلاثة منهم:
* أسامة رجل أربعيني ودكتور جامعي متخصص في علم السموم (Toxicology) ومع هذا فهو شخص مريض وسادي، يقوم بهذا الدور الممثل السوري “باسل خياط”. كان مجرد ظهور أسامة على الشاشة ومنذ الحلقة الأولى وحتى بدون أن يتحدث كفيل بأن يجلب معه إعصار من الخوف والرعب. طريقة مشيته وملابسه مع نبرة حدثيه كانت عوامل محبوكة ومتقنة بأداء باسل العالي مما قد يجعلها شخصية من الصعب أن تذهب من ذاكرة المشاهد العربي.
* رانيا زوجة أسامة تظهر من المشهد الأول وكأنها في عمر أكبر من عمرها وهي الشابة الجميلة التي كان لديها عملها الخاص وحياتها إلى أن التقت بأسامة في مدينة دبي ليغرقها بحبه ويتزوجها ثم يحول هذا الحب إلى طوق يخنقها بلا أي أمل للحرية. أدت هذا الدور الممثلة “ريهام عبدالغفور”، وقوفها أمام باسل خياط جعل منها ممثلة في موضع الند وليس التابع أو الأقل. أجادت بأن تمزج بين نظرات الكرة حتى الغثيان وبين نظرات الرعب والخوف وهي تحت رحمة زوج ينتمي عقله إلى عالم أخر وأدائها بكل الأحداث كان مكتملا ومعبرا.
* كريمة سيدة أعمال قوية ومستقلة تشمل أختها الصغرى بالحب والرعاية، جميلة وواثقة إلا أن دوام الحال من المحال لتستقبلها سحابة المصائب التي تملأ حياتها مطرا. أدت هذا الدور الممثلة “حنان مطاوع” التي بنت مجدها في عالم التمثيل على مهل ولكنها في هذا الدور قفزت قفزة جبارة، كانت انفعالاتها في محلها جميعا بأداء سلس ومختلف رأينا معها السيدة القوية الجميلة التي تستطيع أن تطلق شررا من عينها لو أرادت، ورأينها وهي كسيرة المرض بلا ماكياج أو رتوش سواء وجهها المنهك الذي صور لنا المشهد في أصدق صورة.
أداء أغلب الطاقم كان مميزا بشكل يجعل منه عمل يستحق الشكر والامتنان على هذا الإتقان والتناغم النادر الذي احترم عقل المشاهد العربي بمستوى أداء عالي ورسم أدق التفاصيل باحترافية واضحة تستحق الإشادة.
رؤية عامة
ابتعد المسلسل تماما عن مط الأحداث وعن الحشو الفارغ الممل الذي تلجأ إليه كثير من الأعمال الدرامية أحيانا. كل مشهد هنا مُستغل تماما ويصب بشكل كلي في محور القصة الرئيس بشكل ذكي. الانتقال بين محاور القصص الرئيسة في العمل وجمع خيوطها أمام المشاهد كان سلسا جدا ومتناسق بشكل تكاملي.
أسلوب التشويق والإثارة الذي قدمه المسلسل كان مختلفا ورائعا فهو ليس من نوع المسلسلات التي تستمر في حالة مغلقة من الغموض المميت ثم تفتح كل أقفال أسرارها في الحلقة الأخيرة، بل يستعرض في بداية كل حلقة مشهد من حدث قديم مدته حوالي 4 دقائق يجيب فيها على تساؤلات حيرت المشاهد في الحلقات السابقة أو محور وعنوان للحلقة الحالية هذا الأسلوب المتوازن بين كفة التشويق والدراما صنع من هذه العمل تحفة فنية تستحق المتابعة.
العمق النفسي
نرى في هذا العمل فلسفة الخير والشر وصراعهما المستمر ليُبقيان الحياة متجهه في مسارها الصحيح، هذا ما يؤكده المسلسل منذ الحلقة الأولى ولكن ممارسة هذه الفلسفة هو الميدان الشائك الذي يتساقط حوله الكثير، أسامة مثلا مريض بشكل معقد ومركب من حيث ساديته وعقده القديمة وتربيته التي شابها الكثير من الظلام وبالرغم من ذكائه وإتقانه للكثير من الأمور والتي تعتبر معظمها شرا محضا إلا انه يعتبر نفسه أحد حواري الحب والمحارب الشجاع عن قلعته الحصينة وفردوسه الطاهر الذي نراه نحن قطعة من جهنم، إذا نظرنا إلى أسامة بحيادية ولمنهجه بشكل نظري فقط فأننا سنرى أن ما يتحدث عنه يبدو صحيحا 100% فهذا العالم ملئ بالكذب والخداع والغش والناس جميعهم سيئون ووحوش ولكن بنسب متفاوتة ومختلفة.
يظل الفرق بين المنهج النظري والتطبيق العملي هو نفسيتنا التي تتشكل معنا منذ الصغير والوسائل والأدوات التي ننتهجها لتنفيذ هذا الخير الذي نراه من زاويتنا الخاصة.
شخصية أسامة المعقدة جعلت مشاعر الناس تتأرجح بين الإشفاق عليه لأنه مريضًا بالأساس وتكرهه لأنه مجرم بلا شك بجانب أداء “باسل الخياط” الذي استعطف الناس بحديثه وهو يزم شفته ويلفظ الجمل البطيئة وكأنها تخرج من بين قلبه وعقله خصوصا في حديثه عن معشوقته رانيا، كل هذا صور لنا بحور من عوالم النفس البشرية المتخبطة.
تفاصيل
لم يخرج أحد من هذا المسلسل إلا وهو ملبوس بالجملة الشهيرة “أنا بحميكي من الناس اللي برا دول من الوحوش اللي برا دول” رغم تكرار هذه الجملة في كل حلقة تقريبا وربما أكثر من مرة في الحلقة الواحدة إلا أن الأداء التمثلي لباسل خياط لم يجعلها مملة أو مكررة على الانطلاق ففي كل مرة يقولها تكون بنبرة مختلفة تتنوع بين الغضب والحزن والأسى وربما النصح والفضل والمنة.
اللون الأصفر بدرجاته الذي سيطر على كل المشاهد تقريبا ودلالته النفسية كان مؤثرا ومستحوذا وملقيا بظلاله النفسية على طول خط الأحداث.
في دور الطفلة الصغيرة سلمى ابنة رانيا بانفعالاتها التلقائية كلما اقترب منها شخص أو لمس كتفها يصور مشهد معبر وصورة صارخة عن الخوف في أسوء حالاته.
وتيرة المسلسل اختلفت نوعا ما، ففي العشر الحلقات الأولى تقريبا طغى عليها طابع التشويق والحدة والخوف تعلقت الأبصار واحتبست الأنفاس وكان الهروب هو سيد المشهد، أما في السبع الحلقات التي تلتها بدأ عقل المشاهد يتابع ويحلل بأكثر عقلانية ويقف على مسافات متفرقة من شخصيات العمل.
مع مرور الأحداث وتباين انعكاسات المواقف من أبطال العمل، ظهر جليًا أن كلنا أسامة ولكن بدرجات متفاوتة، حتى أولئك الذين يتشدقون بالمثالية الى أبعد حد ويكتبون عنها. نحن مخلوقات ندور برقصة مولوية حول مصالحنا وذواتنا المقدسة المنتفخة برغباتنا التي لا تعرف إلا لغة ألانا العليا التي تحدث عنها يوما عالم النفس فرويد. أظهر المسلسل بالبداية وبشكل صادم بشاعة هذه الصورة الفجة المتمثلة بهذا الشخص الذي نعتناه جميعا بالمعتوه ثم تدرج بذكاء وبهدوء إلى تفاصيل صغيرة من تصرفات هذا المخبول (الرسمي) التي نمارسها جميعا وبشكل مستفز وبدون حتى أي إحساس بالندم.
الاعلان الترويجي الاول للمسلسل
الاعلان الترويجي الثاني للمسلسل
أخيرًا وليس أخرًا.. لا استبعد أبدا أن تحمل الحلقات القادمة من المسلسل وقائع قد تفاجئ كل متابعيه وتقلب طاولة التوقعات على أصحابها ولهذا أُأكد للمرة الثانية انه يستحق المتابعة خاصة أذا كنت عزيزي القارئ ممن تستهويه هذا النوع من الأعمال ذات الطابع النفسي.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.