فيلم Far From the Madding Crowd .. عودة جديدة للرواية الرومانسية إلى الحياة
4 د
تقييم فيلم Far From the Madding Crowd
الاقتباس السينمائي الرابع للرواية الرومانسية الشهيرة
قد تكون المصادر الفكريّة للأفلام أكثر من أن تُحصى، وأضف عليها دوماً المبادرات والمشاريع السينمائية المبتكرة التي لم تملك سابقاً أي أساس قصصي أو أي نقطة تُذكر لبناء الفيلم عليها، ولكن عندما نشاهد رواية شهيرة تُقتبس أربعة مرات لأعمال سينمائية مختلفة يدفعنا الأمر للتشكيك في بنك القصص السينمائية، لكن لنغض النظر قليلاً عن ذلك ولنرى كيف كان فيلم Far From the Madding Crowd لهذا العام؟ وهو رابع فيلم يتم بنائه على رواية توماس هاردي الشهيرة.
تعجّبتُ أولاً من قدوم فيلم مشابه مرّة جديدة إلى شاشة السينما، فلقد شاهدنا سابقاً كما ذكرت أربعة أعمال سينمائية كان أولها عام 1915 يحمل الاسم ذاته، وتكرر الأمر عام 1967 في أفضل اقتباس عن هذه الرواية بنفس العنوان أيضاً، وآخر ظهور سينمائي لهذه الرواية كان عام 2010 مع بعض التغييرات وخاصةً في العنوان الذي أصبح Tamara Drewe.
شهدت الرواية أيضاً اقتباساً خاصةً بشاشة التلفاز كان عام 1998 أيضاً بنفس العنوان، وبعد هذا بأكمله عادت الرواية مرّة أخرى في 2015 عسى أن تحمل شيئاً مختلفاً إلى عالمنا السينمائي الحديث أو حتى تغيير بسيط يجعل الفيلم متميّزاً عن الأعمال الأخرى، لكن التغيير الطبيعي الذي شهدناه هو في طريقة عرض القصة بعيداً عن أي لمسات خارجيّة تؤثر على مسير الرواية.
كان فيلم Far From the Madding Crowd الحديث لطيفاً رومانسياً، ابتعد بشكل عام عن الدراما الحادّة واتّبع طريقة سرد قصصي بعيداً عن العمق العاطفي مستفيداً بشكل كبير من المشاهد العديدة المُريحة للعين الذي عرضها الفيلم وإخراج نقيّ جذّاب أشرف عليه توماس فينتيربيرغ.
حيث شكّلت طريقة عرض الفيلم بكل ما امتلكه من تصميم إنتاج وأزياء وحتّى مواقع تصويرية مثالية جميلة مُشبعة للرغبات البصريّة مدعومة بتصوير سينمائي قريب من الواقع بعيداً عن عالم المؤثرات البصريّة ليتسّم الفيلم ببساطة فريدة تجعل من مشاهدته متعة زاهية سيستمتع بها كل متابع أفلام شغوف بعالم السينما.
من ناحية أخرى، فرضت كثرة الأحداث والشخصيات على الفيلم رتماً سريعاً في التنقّل بين المشاهد معتمداً على مبدأ الانسحاب إلى الشاشة السوداء قبل الذهاب إلى مقطع آخر، ومع ذلك كانت أيضاً هذه المشاهد سريعة بعض الشيء ركّزت بقدرٍ هائلٍ على أحداث القصة فضلاً عن إعطاء المَشاهد المُختلفة وقتها الكافي لتجييش المشاعر العاطفية وتثبيت صلة خالصة مع المُشاهد.
فشلت أجدد نسخ فيلم Far From the Madding Crowd في نقل العاطفة على المستوى الصحيح، وبالتالي كان مستوى الدراما منخفضاً جعل من الفيلم قصة رومانسية سريعة خالية من الشغف الضروري الذي اتسمت به الرواية الأصلية، ليحاول في مشاهد عديدة إضافة المشاعر المؤثرة واللمسات الدرامية الجيّدة لكن سرعة الانتقال بين الأحداث حالت دون ذلك.
حصّل الفيلم نقاطاً إيجابيّة إضافية عن طريق الموسيقى المُستخدمة، موسيقى كلاسيكية مميّزة كانت الكمنجة طاغية على أغلب مقاطعها مع وجود إضافات خاصة بموسيقى التراث الايرلندي والاسكتلندي، وكانت النتيجة ذهبيّة خالصة فكما كان الفيلم مريحاً للعيّن كان مثالياً للأذن بموسيقاه التصويرية التي أشرف على إبداعها كريغ ارمسترونغ في عودته إلى عالم الموسيقى السينمائية منذ فيلم The Great Gatsby عام 2013.
حاول فيلم Far From the Madding Crowd في نسخته الحديثة تقديم الرواية إلى عالمنا الحاليّ، مُركّزاً في مشاهد عديدة على ما قد يثير اهتمام الجيل الحالي، وظهر ذلك بشكل واضح على الشخصية الرئيسية التي أتت مع عدّة رسائل نسائية مميزة إلى جانب حياتها العاطفية المُتشعّبة.
لا يمكنني نقد الأساس الروائي المدهش والشهير لهذا الفيلم، والذي كان مصدر قصة الفيلم، قصة جميلة بالفعل تحدثت عن امرأة مُستقلّة وقويّة جداً في العصر الفيكتوري (1873 – 1901) في إنجلترا والتي تحاول إثبات نفسها في مجال هيمن عليه الرجال في وقت تحاول الحفاظ فيه على استقلالها مع تقدّم ثلاثة رجال مختلفين تماماً بطلب للزواج بها وهم مُزارع فقير، جندي مُتهوّر وعازب ناجح مُتقدّم قليلاً في العمر.
لتصبح بعد ذلك عالقةً بين قرارها في عدم الزواج واثبات قدراتها كامرأة عزباء واعتمادها على نفسها، ومن ناحية أخرى في اختيارها بين الرجال الثالثة. تلعب ماري موليجان دور باتشيبا إيفردين بطلة الفيلم والرواية بينما ذهبت أدوار الرجال الثالثة إلى كل من ماتايس شويناربتي، توم ستوريدج، ومايكل شين، والذين قدّموا إلى جانب ماري جميعهم افضل ما لديهم للعب هذه الشخصيات المتنوعة في أداءٍ راقي تُرفع له القبعة.
عُرض هذا الفيلم البريطاني في منتصف موسم أفلام صيف 2015، لذلك كانت المنافسة شديدة جداً في شباك التذاكر الأمريكي والعالمي لكنه مع ذلك حظي بعرض جيّد حقق من خلاله (28.7 مليون دولار) على مستوى العالم بالإضافة إلى نقد إيجابي وتقديمه للوحة سينمائية مختلفة وجميلة في منتصف هذا الموسم المزدحم.
الفيلم ممتع، جيّد لا بأس به، بصرياً خلّاب لكن مع ذلك افتقر إلى المزيد من العاطفة والدراما وأهم من ذلك افتقر إلى الشغف الذي تتّسم به جميع الأفلام الرومانسية الجيّدة، يُعتبر محاولة رابعة جيّدة لاقتباس هذه الرواية سينمائياً مع أنه فشل في نقل أهم ما يدور بين أسطر الرواية على النحو المناسب.
هل شاهدتم الفيلم أعزائي القراء؟ ما رأيكم به؟ شاركونا بتعليقاتكم وآرائكم..
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.