أفلام عن الشِعر والشعراء.. ما بين لغة الصورة ولغة القصيدة

نبدأ بالشاعر الأعظم والكاتب الأول في تاريخ الشِعر والمسرح ويليام شكسبير. في هذا الفيلم محاولة من كاتب السيناريو والمسرح توم ستوبارد لاستكشاف ما إذا كان هناك قصة حب حقيقية استوحى منها شكسبير مسرحيته الشِعرية الرومانسية الأخلد عبر التاريخ ”روميو وجولييت“.

يختار إسم فيولا لكي تصبح الحبيبة الملهمة للكاتب المسرحي الشاب ويليام شكسبير. يختلق مواقف رومانسية رائعة ويتم تضفيرها بأشعار المسرحية الأصلية بصوت الممثل جوزيف فيننيس الذي قام بدور شكبير. تتابعات بصرية رومانسية يغلب عليها الديسولف لكي تشعر أن الخيال والواقع هما شيء واحد. مشاهد على خشبة المسرح ومشاهد حب ملتهب تتتابع في تواز. شكسبير يعشق ولذلك يكتب بهذا الجمال.

عنوان هذا الفيلم هو مصطلح في الوسط الأدبي وتحديدًا في الكتابة الإبداعية ويشير إلى مبدأ هام في الكتابة وهو ”قتل“ أو ”التخلص من“ جملة أو تعبير تحبه ولكنه لا يخدم العمل ككل ولا ينسجم معه. جاءت هذه الجملة في هذا الفيلم بشكل مغاير تمامًا وبمعناها الحرفي حيث يتصدر الحدث الرئيسي جريمة قتل.

الشِعر والأدب في قلب هذا العمل الذي يدور حول ثلاثة شعراء وعلاقة صداقة تجمع بينهم في أوائل الأربعينيات. أثناء محاولاتهم للخروج بإنتاج أدبي ثوري يصطدمون بأنفسهم وبهذه الجريمة الغريبة. لا يبدو الفيلم كقصيدة شِعرية ولكن يبدو كديوان شِعري غير متكامل.

نادي سري يسمى Dead Poets Society ينضم له ثلاث طلاب بدعوة من أستاذ اللغة الإنجليزية في محاولة لجعل فن الشِعر أداة للشفاء من مشاكلهم الحياتية والأسرية العديدة. عبر سيناريو حاز على الأوسكار وأداء أكثر من عبقري للممثل الأسطوري روبن ويليامز في دور المدرس جون كيتنج يدور بنا الفيلم في دوائر من القصائد الشافية للروح.

وسط أشجار الغابات الكثيفة يلتقي أعضاء النادي السري Dead Poets Society ويتبادلون سماع وقراءة القصائد. طقس مستمد من قصيدة للشاعر هنري والدون بعنوان Life in the Woods. دعوة من الفيلم للثورة على التقاليد ومحاولة تربية النشء على الخيال والتحرر من سيطرة الآباء الذين توقف بهم الزمن في منطقة ما. يظهر دور الشعر هنا كبديل لجلسات الدعم النفسي الجماعي. تلعب الحروف والأبيات دور الطبيب المعالج وتصنع فيلمًا محوريًا يتخذ من فن الشعر والشعراء قوة للتعافي.

أقرأ أيضًا: فيلم Dead Poets Society: رحلة كيتنج من مجتمع الأحياء العنيف إلى مجتمع الشعراء الموتى

يحمل هذا الفيلم الكوري الجنوبي إسم ”شِعر“ هكذًا مجردًا من التعريف. مرة أخرى يظهر الشِعر كأهم وسيلة للتعافي والارتقاء بالروح الإنسانية المتعبة. سيدة كورية في الستينات من العمر تشهد ظروفًا أسرية قاسية وفي المراحل الأولى من مرض الزهايمر. تقرر أن تلتحق بفصل لتعلم فن الشِعر.

الكتابة والتعبير بوضع الحروف والأفكار والمشاعر على الورق هي بالفعل أداة للتعافي لدى كل الأطباء النفسيين. نشهد هنا مستوى آخر من قدرة الكتابة على المساعدة في علاج مرض عضوي مثل الزهايمر. الكتابة توثق كل المراحل الإنسانية وفي الشِعر يستخدم التكثيف ويكون الذهن مطالبًا بالاقتصاد والتلخيص قدر الإمكان.

الذهن المريض يتعافى عندما تدور فيه الأبيات بسلاسة. إيقاع بطيء للغاية يشبه السرعة التي يحاول بها عقل البطلة استيعاب الكلمات والحروف. أداء مذهل من الممثلة الكورية يونجهي يون حصدت به العديد من الجوائز على مستوى العالم. كما حصل هذا الفيلم على جائزة أفضل سيناريو في مهرجان كان ٢٠١٠ وجائزة من لجنة التحكيم في قسم نظرة خاصة حيث جاء في أسبابها ”برغم المرض وقسوة التجربة النفسية تتعافى جِدة من المرض الشرس عبر رحلة تأملية من خلال سحر فن الشِعر“.

هذا ليس فيلمًا عن الشعراء أو الشِعر بشكل مباشر وإنما هو مستوحى من واحدة من أهم القصائد الملحمية التي كتبت في تاريخ الشِعر وهي ”الإلياذة“ للشاعر هوميروس. ثلاثة من المُدانين يهربون من السجن للعثور على كنز مدفون بينما يقتفي آثارهم محامي.

الإلياذة هي رحلة يقابل فيها البطل ”تروي“ شخصيات أسطورية طوال الطريق، بينما في الفيلم يقابل أيفريت وأصدقاؤه شخصيات مريبة وغريبة تجعل من الرحلة كوميديا سوداء. الشِعر ليس دومًا نظْم رقيق شاعري حالم ولكن يصلح لأن يحكي قصصًا بطولية خالدة تتخذ من الشجاعة في الحروب إطارًا لها. تيمة الرحلة والإيقاع المشوّق يسيطران على هذا الفيلم الممتع.

هل لاحظت العنوان الساخر الذي تم استخدام لغة الشِعر فيه؟ 

”أين أنت يا أخي؟“ هو الترجمة الأقرب وهذه الصياغة اللغوية تنتمي تاريخيًا إلى اللغة الإنجليزية الأوسط التي امتدت لحوالي أربعمائة عام من ١١٠٠ وحتى ١٥٠٠ بعد ميلاد المسيح.

لا يوجد بهذا الفيلم شِعر أو شعراء ولكنه قصيدة سينمائية وينطبق عليه بالكامل الجملة التي بدأنا بها هذه المقالة. أبيات مرئية مصحوبة بمجموعة مكثفة من المشاعر عبر رحلة صبي صغير مع أخيه لاستكشاف المجهول. يدعم فكرة القصيدة المصوّرة، إن الفيلم من إنتاج مشترك لثلاث دول عربية هي الإمارات وقطر والأردن مع المملكة المتحدة، حيث تفوق العرب في الشِعر وتفوق المخرج الأردني ناجي أو نوار على نفسه ورُشح الفيلم لجائزة الأوسكار لأحسن فيلم أجنبي عام ٢٠١٥.

ربما يعتبر البعض أن التعليق الصوتي بصوت الآخر في خلفية الصورة هو بمثابة قصيدة نثرية طويلة، ولكن يظل الفيلم خاليًا من أي إشارات مباشرة إلى الشعر والشعراء.

يمكننا أن نصنع قائمة كاملة على نفس منوال هذا العمل الشِعري الملحمي ”ذيب“ ولكن أردنا فقط أن نستثنيه من بقية أفلام هذه القائمة لأنه يستحق ما هو أكثر. ربما يكون لدينا فرصة لصنع قائمة أخرى في القريب.

ما بين ملل وإحباطات الحياة اليومية يظهر الشِعر ليعيد الروح للإنسان الذي يُقتَل كل يوم تحت وطأة أقدام الروتين. سائق شاحنة لنقل الركاب يتغلب على رتابة الأيام بكتابة شِعر في منتهى العذوبة والصدق. يعيش قصة حب ملهمة وتشجعه حبيبته على نَشْر قصائده في كتاب.

مدينة ”باترسون“ هي الخلفية للأحداث. تمر الأحداث ببطء مثل قصيدة مستعصية على القراءة والكتابة. دفتر الأشعار الجميل الذي يحمل المشاعر كلها هو بطل من أبطال هذا الفيلم بالإضافة للكلبة ”نيللي“ التي حصلت على جائزة ”الكلب الذهبي“ في مهرجان كان!

من بين كل الممثلين الذي قاموا بأداء دور الشاعر في هذه القائمة يظل آدم درايفر أو باترسون في الفيلم هو المفضل بالنسبة لي. يظهر الرجل صامتًا متأملًا لا مبالِ بتلك المحطات التي يمر به يوميًا ولكن في عقله وقلبه هناك نهر من الكلمات يجري.

مشهد النهاية أيقظ بداخلي مشاعر كثيرة وجعلني أحب فن السينما أكثر بينما أنتمي لفن الشِعر ولشخصية باترسون وأتوّحد معها.

أقرأ أيضًا: ترشيحات أفلام للمشاهدة مميزة ومسلية: لغير المخضرمين في حب السينما