مراجعة مسلسل Fleabag: درس في كسر الجدار الرابع وقلوب المشاهدين معه
5 د
سطع نجم الكاتبة والممثلة الموهوبة فيبي وولر-بريدج Phoebe Waller-Bridge مع ظهور مسلسلها التراجيو-كوميدي الشهير فليباغ Fleabag سنة 2016؛ ومذ أن ذاع صيته أضحى اسم فيبي وولر-بريدج دليلًا واضحًا على أن ما ستشاهده قد كُتب من قبل عقل عبقري حديث سيرسم ابتسامة على وجهك ويؤلمك في ذات الوقت.
أصول مسلسل Fleabag
بدأت رحلة وصول فليباغ إلى شاشة التلفاز من تحٍد بين الأصدقاء، حيث قبلت وولر بريدج بتحدي صديقتها لكتابة فقرة كوميدية صغيرة لا تزيد مدتها عن 10 دقائق. طوّرت بعدها وولر-بريدج تلك الفقرة إلى أن أصبحت مسرحية كاملة عنوانها فليباغ. لم يتضمن طاقم تمثيل هذه المسرحية سواها ومع ذلك كان هذا كفيلًا بأن تحظى المسرحية بالمركز الأول ضمن مهرجان إدنبرة الفني.
كانت الخطوة التالية بعد النجاح المبهر لهذه المسرحية هي تحويلها إلى عمل تلفزيوني، وهنا ظهرت العبقرية الحقيقية لوولر بريدج. مزج العناصر المسرحية مع التلفزيونية أدى إلى خلق نتيجة مبتكرة واستخدام أدوات فنية لم يتم استخدامها بهذه الطريقة من قبل.
لكن قبل التحدث عن العبقرية الفنية لهذه الكاتبة والممثلة الذكية لنلق نظرة سريعة على هذا المسلسل المؤلم والممتع على حد سواء.
القصة
تدور أحداث مسلسل Fleabag حول بطلتنا التي تبقى غير مسماة وتتبع حياتها الصاخبة في مدينة لندن، حيث نرافقها في كل منعطفات هذه الحياة ومصاعبها وتحدياتها مشاركة إيانا أعمق أسرارها بتعليقات ذكية لاذعة تخفف وتزيد من الحدة الدرامية وثقل الأفكار التي يناقشها المسلسل. يرافق ذلك كله طاقم تمثيلي أكثر من رائع يبث الحياة في تلك الشخصيات التي كانت وولر-بريدج تحاول تقليدها في مسرحيتها.
كسر الجدار الرابع
في ظل هذه القصة التي قد تبدو اعتيادية تتحرك وولر-بريدج بطريقة مبتكرة. فتعيد تدوير أداة مسرحية نُقلت إلى الشاشة الفضية قبل أن تنقلها هي إلى مسلسلها بزمن طويل، ولكنها تزيد عليها بعدًا جديدًا. فهي لا تكتفي بكسر الجدار الرابع (التكلم بشكل مباشر مع الجمهور) بل تبني حول شخصيتها حائطًا يبعد جميع من حولها عنها ويجعلنا نحن المتفرجون أصدقائها الأقرب إليها.
صداقتنا مع فليباغ
منذ اللحظة الأولى في المسلسل توجه فليباغ حديثها لنا نحن المشاهدون. إما تشرح أو توضح أو تعلّق أو ببساطة ترمي لنا بنظرة سرية بين الأصدقاء ساخرة من سخافة ما يحدث حولها بينما تدير وجهها الجدي نحو الآخرين.
فيمضي المسلسل وتتوطد علاقتنا مع فليباغ. نكتشف بأننا الوحيدون الذين نعرفها بشكل جيد ونعلم ما تفكر وما تحس بحق. نشعر بأننا مميزون وبأننا أذكياء ونعلم أشياء لا تعلمها حتى تلك الشخصيات التي تسكن عالم فليباغ. مما يزيد من ثقل نهاية المسلسل. فقد انتهت معه علاقتنا نحن وفليباغ التي دامت يومًا كاملًا.
فعلى الرغم من قصر المسلسل وإمكانية مشاهدته في ليلة واحدة، تلك العلاقة التي بنيناها مع شخصيتنا الرئيسية، التي لا تزال مجهولة الاسم، تبدو حقيقية بقدر ما هي علاقاتنا مع الأصدقاء المحيطين بنا.
عدونا اللطيف
ولكن مع مجيء الموسم الثاني يظهر لنا منافس؛ القس الذي يبقى أيضًا غير مسمى. يتسلل القس، الذي يلعب دوره الممثل الموهوب أندرو سكوت Andrew Scott، بيننا نحن وفليباغ، يلاحظ نظراتها التي توجهها إلينا، وفي لقطة مرعبة تمامًا يتجرّأ على النظر باتجاهنا نحن المشاهدون مخترقًا خصوصية تلك العلاقة السرية التي قضينا الموسم الأول بأكلمه نبنيها نحن وفليباغ.
نشعر بالتهديد وعدم الارتياح كما تشعر فليباغ تمامًا. فقد رآنا أحد. وبالنسبة لفليباغ نحن نمثل أعمق أسرارها وصورتها الحقيقية التي كانت تبعد الجميع عنها. يراودنا شعور بأنه تم افتضاحنا، لا نعلم إن كنا سعيدين أم غاضبين تجاه ذلك. فخرق هذه العلاقة السرية يعني بأن فليباغ تتواصل بحق مع أحد ما من عالمها، وأنها تتوجه نحو التعافي من صدمات حياتها الماضية؛ ولكن ذلك يعني أنها ستتركنا أيضًا عندما تحصل على ذلك.
تحولت أداة كسر الحائط الرابع إلى أداة بناء. فقد بنت فليباغ عالمًا يضمها هي ونحن فقط تشاركنا فيه حقيقتها وتتصرف على سجيتها، ولكن في الموسم الثاني تحطم هذا العالم لتبني علاقات حقيقية بينها وبين الشخصيات التي تسكن عالمها هي.
أداة ذات حدين
لتلك الأداة الفنية جانب مظلم يمكننا بسهولة أن نغفل عنه بسبب وقوعنا في سحر شخصية فليباغ.
في الشكل الأصلي لفكرة فليباغ، لم يظهر سواها على المسرح وهي تروي لنا جميع الأحداث وتقلد لنا حوارات الشخصيات من حولها. كل ما يصلنا عن عالم فليباغ كان من خلال أعينها مُؤطَرًا من قبل سردها. فبسهولة شديدة تستطيع أن تخبرنا شيئًا وتخفي عنا أشياءَ، وتلك العلاقة التي بنتها بيننا قد تمسي وهمًا هدفه فقط أن نقف في صفها ونبرر لها وندعمها.
لن نفكر مرتين في التشكيك بحقيقة ما تخبرنا إياه فليباغ أو بطبيعة هذه العلاقة التي بنتها أو حتى بفكرة أن هذه العلاقة محكومة بطرف واحد متحرك وآخر ساكن لا يستطيع أن يفعل شيئًا سوى استقبال كل ما ترميه فليباغ في طريقه.
إذًا يمكن لـفليباغ أن تصور نفسها وكل من حولها بالطريقة التي تريدها. وبعد وقوعنا تمامًا في سحرها سيصبح من المستحيل أن نوجه لها أي انتقادات أو أن نقف ضدها. فهي ذكية للغاية وتعلم نقاط ضعفها وأخطاءها وكيفية إظهارها بطريقة لا تجعلنا نحكم عليها كشخص سيئ بل نرتبط بها على أنها شخص يشبهنا؛ وبذلك لا يمكننا النفور منه أو كرهه أو الحكم عليه بالسوء لأن ذلك يعني بأننا نحكم على أنفسنا بذلك.
هذا لا يعني أن فليباغ شخصية سيئة متلاعبة تريد فقط خداعنا نحن الجمهور لتقول ما تريد أن تقوله، ولكنها ذكية بما فيه الكفاية لأن تصعّب علينا مهمة انتقادها والتشكيك بأمرها، فنغدو مثلها غير موضوعيين وننظر للأشياء فقط من أعين شخصيتنا الساحرة. إنها بذلك تسهل على نفسها قول أي شيء تريد أن تقوله وتنجو بفعلتها لأنه لا يوجد أحد يشكك في صحة أي شيء تقوله سواء عن حياتها الشخصية أو تعليقاتها العامة عن الحياة.
أقرأ أيضًا: هل تورثنا السينما الخوف والقلق؟ تحليل لتأثير السينما النفسي على المشاهدين
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.