مسلسل Forever .. ولعنة الخلود

غريزة الحياة وحبها لدى الإنسان، جعلته يسعى للخلود منذ البداية، وحلم الشباب الدائم يداعب أذهان الجميع، فمن لا يحب أن يبقى شابًا دائمًا، لذا قديمًا تحدثوا عن إكسير الحياة وحجر الفلاسفة أما اليوم فنتحدث عن الكريمات المضادة للشيخوخة والمانعة للتجاعيد، لكن ماذا لو كبرنا في السن دون أن نكون قد فعلنا أي شيء؟ أو الأمر الأكبر أصبحنا خالدين أو أليس هذا أجمل أحـــلام العلماء والبشر؟!الخلود؟!

“اسمي هنري مورجان، وقصتي هي قصة طويلة، وقد تبدو غير معقولة، بل أنك لن تصدقها غالبًا ولكني سأخبرك بها على أي حال، لأنه بغض النظر عن أي شيء آخر، لدي الكثير والكثير جدًا من الوقت”

تدور أحداث مسلسل شبكة ABC الأمريكية (Forever) حول شخصية الدكتور هنري مورجان، الذي يعمل كطبيب شرعي في مدينة نيويورك، وهو إنسان خالد يستخدم معرفته الواسعة لمساعدة الشرطة في حل الجرائم الجنائية.

سعى هنري مورجان للعمل كطبيب شرعي، ومحقق في القضايا الجنائية، فقط ليتمكن من معرفة وفهم لماذا هو حي منذ200 عام وكيف؟ والأهم ليبحث عن طريقة للموت، لأنه أصبح متعبًا من العيش طويلًا، ومن رؤية كل من أحبهم يموتون، وكل حلقة تعرض ذكريات من الماضي تكشف تفاصيل مختلفة من حياة هنري الطويلة.

 ونرى كيف أن التقدم أمر لا مفر منه، وأن المستقبل أقل بؤسًا ومعاناة من الماضي، ولكن الحقيقة هي أن بعض الأشياء لا تتغير أبدًا، التاريخ يعيد نفسه، فقط لا يعيش البعض طويلًا بما يكفي لرؤية ذلك.

“آسف ولكني غير معتاد على العمل مع الأحياء!”

كـ شيرلوك هولمز، هنري عادة ما يكون الشخص الأكثر ذكاء في الغرفة، ويستغل هذا في حل الجرائم، مع أنه ليس لديه فكرة عن كيف يكون الشرطي الفعلي، لذا فهو ينحني ويشم رائحة الجثة وأحيانا يتذوق دمها بطرف لسانه ليعرف كم مضى من وقت على الوفاة، وهذه التصرفات تثير نفور بقية من حوله من الشرطيين، هنري يرى أن كل جريمة، مثل كل شخص، لديها أسرارها، لم يتم الكشف عن بعضها، في حين أن بعضها مخبأة على مرأى من الجميع.

إن هنري ساخر وكوميدي، ولديه حس دعابة ساخر حول كل شيء، وهو غامض لكن ذو أخلاق، يؤمن بأن الطب مهنة سامية وأن عليه إنقاذ أي مريض يراه، هنري ليس جبانًا، لكنه ليس مثاليًا، هو فقط شخص جيد ولكن ربما فعل أشياء في ماضيه ليس فخورًا بها، ولكن بما إنه اضطر للعيش لمدة قرون، كان قادرا على التعلم من أخطائه.

“لقد رأيت الكثير من الموت، والكثير من الألم، والكثير من المعاناة”

الوحدة والألم والخسارة رفيق هنري الدائم لمدة200عام، ألم فقدان شخص تحبه لا يُمحى، وتأمل فقط أنه بمرور الوقت الجرح سيُشفى، وهذا ما حدث مع هنري وخاصة مع زوجته الحبيبة أبيجيل، أراد أن يبقى معها لبقية حياته، ومهما طال الزمن به ، رغب أن يشيخا معًا، لكن أبيجيل  كبرت هي في السن، بينما بقى هو شابًا، من ثم فقدها.

Ioan Gruffudd: في دور دكتور هنري مورجان، هنري الذي يكره الهواتف المحمولة، والحياة الحديثة، يموت  بينما كان يحاول تحرير العبيد كطبيب على متن سفينة في تجارة الرقيق الأفريقية، منذ ذلك الوقت،  كلما مات فإنه يعود للحياة، وفى كل مرة يجد نفسه في البحر وعار، ولا يعرف لهذا تفسيرًا.

Alana de la Garza: في دور المحققة جو مارتينيز حادة الطباع، المعجبة بمعرفة وخبرة هنري الواسعة ونفاذ بصيرته في حل الجرائم، وفى ذات الوقت تشمئز من طريقته في فحص الجثث!

Joel David Moore :في دور لوكاس فاهل، مساعد هنري في مكتب الطب الشرعي، الذي درس السينما قبل أن يتجه لدراسة الطب، ويمتلك ذاكرة خارقة لنشاطات هنري، ويقتله الفضول لقلة ما يعرفه عنه كشخص، ويتسلى دائمًا بمشاهدة أفلام الرعب في وقت فراغه.

Judd Hirsch: في دور أبراهام  آبي  مورجان، ابن هنري بالتبني،  وصديقه الوحيد، ويدعى أمام الآخرين نظرًا لفارق العمر الذي يبدوا بينهم، بأنه يعمل معه أو أنه والده ، أحد الأطفال الناجين من أوشفيتز، شارك في حرب فيتنام، يساعد والده هنري في أبحاثه عن سبب خلوده، والقلق دومًا عليه.

“أشعر بالقلق أحيانًا، أعني..أفكر فيمّن سيعتني بك حينما أرحل؟”

MacKenzie Mauzy: بدور أبيجيل مورجان، زوجة هنري الثانية وحبه الخالص، كما أنها والدة أبراهام، وهى ممرضة التقت وهنري في أحد المعسكرات النازية

Burn Gorman: لويس فابر / “آدم”، إذا كان هنري عمره200عام، فإن لويس يبلغ من العمر 2000،  ويقول أنه “كان هنا منذ البداية”،  كشف تحليل دمه ، أنه عانى من العديد من الأمراض المنقرضة، بما في ذلك الطاعون الدبلي، كما أنه كخالد تعرض للتعذيب الشنيع من النازيين أثناء بحثهم عن سبب خلوده.

“لا يمكن لأحدنا أن يعيش حياته دون أن يعاني نوعًا من الألم. وبعد أن تعرضت لكم لا بأس به من الآلام، يمكنني إخبارك أن أكثر ألم يصعُب تحمله هو ألم الوحدة، إن الحياة لعبة يجب علينا جميعًا أن نلعبها، ومهما كنا حذرين، لن نستطيع أن نتخطاها دون خدش واحد، ولكن لحسن حظنا، هي لعبة نحن غير مضطرين للعبها وحدنا.”

للخلود ثمنه، وقد نتمكن من تدريب أجسامنا على النسيان، ولكن ليس عقولنا، وشيء واحد يعيش إلى الأبد هو الماضي، الأسرار، شئنا أم أبينا، هناك أشياء لن نكون قادرين أبدًا على محوها.

ثم كيف ستكون حياتنا إذا كنا نحن فقط خالدين، بينما جميع من حولنا من أحبائنا وأصدقائنا يموتون؟ هذا مؤلم ولا يحتمل وهذا سبب سعى هنري لإيجاد وسيلة لإنهاء خلوده.

المسلسل ممتاز من حيث الفكرة، الكتابة، التمثيل وحتى التصوير كانوا جميعا رائعين، لكن هذا كله لم يشفع له عند النقاد ومنتجي المسلسل فقاموا بإلغائه بعد موسم واحد فقط، رغم الجماهيرية التي حظي بها المسلسل، والتي جعلت المشاهدين يقدمون التماسات للقناة لأجل جزء ثاني للمسلسل، لكن الشبكة تتحجج بأن Loan Gruffudd غير جذاب مما أدى لنسب مشاهدة قليلة، لذا توجّب إلغاء المسلسل بناءً على هذا! دون رغبة المشاهدين الذين أحبوا صوته ولكنته وتمثيله الرائع.

مع إن فكرة المسلسل تتمحوَر ضمن ثلاث نقاط(الحياة-الموت-البعث)، لكنه قدمها بأسلوب علمي بحت، راقي وجذاب لا يمس بأسس العقائد الدينية، لم يخلو أيضا من الجانب العاطفي حيث عشق هنري لزوجته أبيجيل، ودعمهم العاطفي لبعضهم البعض بينما هنري يكافح خلوده وهي تواجه فنائها، وحب أبراهام لأبيه هنري، ورغبته بحمايته، الجانب العاطفي هنا حقًا مؤثر، وكيف إذا كان الكبر في السن قد يفرقنا عن أحبائنا فنحزن ونقلق من الابتعاد عنهم، فماذا سيفعل بنا الخلود إذن؟ من دون سبب مفهوم؟!! أو ألن يكون هذا مخيفًا لنا؟ العيش لمدة طويلة وحيدين دون حتى أن نعرف كيف ولماذا؟

ثم أليس من الغريب أن الأشياء التي نقوم بها للتشويق والإثارة، من أجل أن نشعر بأننا على قيد الحياة، هي نفس الأشياء التي قد تقتلنا كالمخدرات، ينطبق الشيء على العلاقات الإنسانية، فمن نحب هم أكثر قدرة على إيذائنا بعمق.

لذا هو ليس بمسلسل خيال علمي فقط، وليْت صناع المسلسل ينتجون جزء ثان منه، فهو يرينا أنه قد يكون الموت حزين ومروع، إذًا هذا يفرض علينا أن نعتز بكل لحظة نعيشها، لأن الحقيقة هي أن الحياة ثمينة، لأنها قصيرة، وحتى إذا ما كنت خالدًا وأيامك تمتد لسنوات، من ثم تمتد لقرون، فإن الحياة هكذا قد تفقد معناها، بل قد تصبح أكثر صعوبة بينما تعاني لتحمل الشعور بالوحدة.