مراجعة فيلم «Gifted»: الموهبة سلاح ذو حدين أحيانًا
4 د
أعمال فنية عديدة تلك التي تتناول فكرة الأشخاص الموهوبين بشدة، والذين يمتلكون مَلكات وهِبات يتميزون بها عن غيرهم وتجلعهم في مصاف العباقرة، وحملة مشاعل الإبداع عبر التاريخ، وكثيرًا ما نسمع عن الأطفال الموهوبين بالفطرة في مجال معين، فنهرع لننمي تلك المواهب حتى نخلق حملة آخرين لنفس المشاعل للأجيال القادمة ولغدٍ مشرق. لكن هل حقًا مستقبل البشرية أهم من مستقبل حاضرها؟ هل تنمية تلك الموهبة قد يكون سببًا في دمار فرد من أجل ملايين؟ هل فعلًا تلك المجازفة غير المتساوية الطرفين تستحق تلك الأفعال التي نغلّفها برداء الحاجة إلى الإبداع وعدم إهدار الطاقات الهائلة؟ هذه فكرة هذا الفيلم الذي فاز بإجمالي 5 جوائز من أصل 6 ترشح لهم.
القصة
تتحدث القصة عن الفتاة الصغيرة والموهوبة بشدة «Mary Adler» – والتي تقوم بدورها Mckenna Grace – التي تسكن مع خالها Frank Adler – والذي يقوم بدوره Chris Evans – وهذا بعد وفاة والدتها. أم ماري كانت عبقرية في الرياضيات وقاربت على حل أحد أكبر المعضلات في تاريخ الرياضيات، لكنها توفت قبل أن تتمها، وبناءً عليه أخذ ابنتها أخوها لتعيش معه، وهذا كي يبعدها عن جدتها التي رعت والدتها وبثّت فيها حلم حل تلك المعضلة.
ذلك الحلم الذي أكل حياتها بالتدريج وجعلها خاويةً وأصابها بالاكتئاب حتى وفاتها المنية. أراد خالها أن يجعلها فتاةً طبيعيةً، وتعيش حياةً خاليةً من التعقيدات التي تريد أن تغرسها فيها الجدة بكل السبل، لكن الوضع الآن أصبح متذبذبًا بين الجدة وابنها، فهي تريد حفيدتها أن تكون عالمةً وتكمل ما فشلت فيه والدتها، وهو يريدها أن تتعامل باجتماعية مع العالم كي لا تصير مثل والدتها الراحلة في النهاية. تلك، المنازعات بالتأكيد لن تسفر إلّا عن اضطرابات نفسية ستنهش ماري بالتدريج، وهذا محور القصة.
انطباع عن القصة
المميز في هذه القصة أنّ الكاتب جعل محور الأحداث فتاة صغيرة ذات موهبة استثنائية، لكن بالرغم من كونها سابقةً لسنها بسنوات عديدة، إلّا أنّها في النهاية فتاة صغيرة تريد اللعب وتكوين العلاقات، وإن كانت لا تظهر ذلك. ذلك، الصراع الذي نشأ بداخلها نتيجة تضاد الشخصيات من حولها، أبرزه كاتب السيناريو بشكلٍ خفي ومستتر على مدار الأحداث، لكن في نهاية الفيلم طرحه كالصرخة المدوية في عنان السماء.
أيضًا شخصية الخال فراك إدلر أعجبتني في كونها ثابتة الموقف طوال الأحداث. مستقبل ماري أهم من ضغوطات الجدة ومن تنمر الناس، فحاول باستماتة طوال الفيلم أن يروح عنها وقام بدور الوسيط بينها وبين موهبتها، فتارةً يرضي موهبتها الرياضية، وتارةً يرضيها هي كفتاة يريدها أن تعيش حياتها كسائر البشر. ذلك، الموقف الثابت هو الذي أذعن الجدة لرغبته في النهاية. غير أنّ نظرته ثبتت صحتها في مشهد النهاية.
– الفقرة التالية بها حرق للأحداث –
حيث في مشهد النهاية أخرج فرانك للجدة حل المعضلة الرياضية التي اعتقدت أنّ ابنتها ماتت ولم تنتهِ منها بعد، وخصوصًا أنّها اشترطت أن يظهر الحل للنور بعد أن تموت الجدة، وهذا رسّخ أنّ أمها كانت لها كالكابوس وهي التي قمعت الفتاة الكامنة فيها، وهي التي دمرتها بالتدريج.
الشخصيات
ركز كاتب السيناريو على الفتاة الصغيرة أكثر من باقي الشخصيات، لكنه أيضًا اهتم – وإن كان ذلك غير ظاهر بالكامل – بأم الفتاة الصغيرة المُتوفاة، فمن وجهة نظري أفضل شخصيتين من حيث العمق هما الفتاة وأمها.
الكاتب جعل عمق الفتاة في تناقضاتها النفسية تجاه العالم وتجاه نفسها، وعمق الأم في ماضيها ذاته والقهر التعسفي من والدتها بحجة الوصول إلى العالمية، وبتر بأس تلك المعضلة التي حيرت أجيالًا خلف أجيال.
والنقطة الجيدة هنا أيضًا أنّ الكاتب في النهاية برهن أنّه بالرغم من كل شيء، نحن جميعًا بشر ونستحق فرصةً ثانيةً، وبناءً عليه جعل الجدة تتراجع عن موقفها وتعترف أنّها كانت مخطئةً في حق ابنتها، وحفيدتها كليهما.
التمثيل
حسنًا، أرى أنّ جميع الأدوار متقاربة في الأداء التمثيلي كما هو متوقع منهم، لكن يجب أن أسلط الضوء على الطفلة الممثلة المدهشة Mckenna Grace. الدور الذي قبلت به وأدته يتطلب دقةً متناهيةً في تعابير الوجه ولغة الجسد.
فهناك مواقف تطلبت منها زرانةً تامةً، وأخرى طفوليةً مفرطةً، وبالمنتصف تقع مشاهد تحتاج الموازنة بين الحالتين. لذلك، فأرى أنّ دورها كان من أصعب أدوار الفيلم، وتستحق على إظهاره بهذا الشكل تصفيقًا حارًا.
الإخراج
مخرج الفيلم هو Marc Webb والذي أخرج العديد من الأفلام البارزة مثل: The Amazing Spider-Man و (500) Days of Summer. الإخراج كان متواضعًا من وجهة نظري في مواضع عديدة، لكن يمكن القول أنّه مقبول بشكلٍ عام. لذا، ليست لدي نقاط تبجيل أو ذم بشأنه.
الموسيقى
المقطوعات الموسيقية والأغاني المرافقة للفيلم حقًا تحمل طابعًا مخمليًّا يناسب جوّ الأحداث، وكيف للفكرة والمغزى أن يكون بسيطًا، ويمكن أن تستشعره ببعض كلمات بسيطة ولحن ريفي رقيق، وصدقًا ستصفق في النهاية الفيلم.
رأي شخصي
فيلم Gifted سيجعلك تفكر في حياتك بمنظور آخر، وإذا كنت تعتقد أنّ إنماء المواهب سيكون ذا مردود إيجابي على طفلك أو من تهتم لأمره، فيجب عليك أن تفكر بشكلٍ مختلف هذه المرة.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.