فيلم Going in Style … فيلم كوميدي من طراز سياسي مناضل
4 د
فيلم “Going in Style” أحد الأفلام التي شاهدتها في فترة الركود لنوعية الأفلام التي أفضلها فقررت مشاهدة فيلم الممثل العظيم مورجان فريمان، والحقيقة أنّ الفيلم قد أحببته للغاية، فهو يميل لنوعية الأعمال التي تصنف كـ “كوميديا سوداء”.
بالفعل الفيلم ينتمي لتلك النوعية، فالعديد قد يشاهدونه ويعجبون به، ولبساطة الفكرة كما يظنونها بسيطة، ولكن بالفعل العمل لا يصنف ضمن الأعمال الكوميدية فقط، وليس عملًا مسمطًا لا يدور حول أفكار بل أنّه فيلم سياسي من الدرجة الأولى -تحسبني مخبولًا حين تقرأ كلامي هذا ولكن أكمل المقال وستتأكد- وسأسرد لكم كيف أنّ هذا الفيلم سياسي، ويحاول النيل من النظام الرأس مالي، ويبعث برسائل هامة “توقفوا عن سرقة الفقراء وإلاّ سننال منكم كما تنالون منّا”.
قصة الفيلم
الفيلم يدور حول ثلاثة أشخاص مسنين أصدقاء منذ سنوات عدة، يعملون في أحد المصانع التي تخرج منتجاتها من أمريكا، ولكنهم تحايلوا على القانون وقاموا بنقل المصنع لإحدى الدول المجاورة، ولم يعطوا العمال المسنين حقوقهم، وفي نفس الآن يتعرض الأبطال لأزمات مادية ضخمة، ويقررون سرقة أحد البنوك، وتدور أحداث العمل في إطار محفوف بالكوميديا السوداء من صعوبة العيش في ظل السرقة التي يتعرض لها الشخص من الرأس ماليين.
السيناريو
أنا كشخص متابع، متفرج، ولست ككاتب أكره من يحاول أن يعبث داخل رأسي، ويملي عليَّ أفكاري، ويحاول اختراق عقلي الباطن، ويترك بداخله أفكاره، لتتطور تدريجيًا تلك الأفكار، وتصبح جزءًا من معتقداتي، وفي فيلم “Going in Style” استطاع كاتب السيناريو ومن قبله القصة التي اقتبس منها العمل ووقائعه والتي حدثت عام 1979، استطاع أن يجعل من أحداث تلك القصة مادة رائعة تقدم في عمل فني، ويجعلني أمقت الرأسمالية، وما تفعله بالفقراء، وأؤمن بأنّها سبب تعاسة الفقراء، السيناريو أوصل كل تلك الأفكار بداخل عقلي و تركها، وبرهن لي على صدقها وتركني، ولكن السلاسة تجعلني أقف له تبجيلًا واحترامًا فقد قدمها بمرونة رائعة قدمها من خلال قالب كوميدي يدخل في عقلي الباطن، ولا يخرج أبدًا منها، ويجعلها أحد القصص التي تبعث على التعاسة والضحك في ذات الوقت، فقد انتصر لضعفِ هؤلاء المسنين.
والحبكة الدرامية للأحداث كانت موزونة لدرجة كبيرة من الحرفية، كُتِبت بشيء من الاحترافية، واستطاعت القصة أن تجعل جميع الخطوط الدرامية تسير في نفس الاتجاه، في نفس التوقيت، إنّها حرفية الكتابة، والتوقيت، والأداء.
رسم الشخصية
بالطبع سمعت في أحد المرات شخص يتحدث عن السهل الممتنع وعبقريته، إن كنت لم تعرف كيف يكون هذا السهل الممتنع، كيف يجسد ستراه في الثلاث شخصيات الرئيسية في العمل، وعبقرية رسم الشخصية كانت في “بساطة التعقيد”، هذا ليس خطأ إملائي، بل ما قرأته هو ما قصدته، الإنسان بكل بساطته شخص معقد، وهذا ما أبرز في العمل من خلال الثلاثة أبطال، الشخصيات التي كتبت كانت تشبه أشخاص تقابلهم، أو قابلتهم، أو بالتأكيد ستقابلهم يومًا ما، أشخاص يعيشون على الفتات، ولكن حين عصفت بهم الدنيا والأحداث تمردوا على الواقع، على الظلم، فكانوا مثلنا حين نصل للطريق المسدود تتحول شخصياتنا فتلك التحولات هي التعقيد في بساطة الشخصية، إنّها “بساطة التعقيد” دون أدنى شك.
الفكرة المجردة
نادرًا ما أشعر أنّ كتّاب السيناريو ينتصرون لأفكارهم المجردة، أو من الأصل كان هناك فكرة حاولوا الانتصار لأحداثها بل تسير بهم أحداث القصة التي يعكفون على كتابتها حتى يصلون لطريق مسدود، ولكن من يُسيطر على مجريات كتاباته، ويعرف من أين تبدأ ومتى تنتهي، وكيف سينتصر لأفكاره فهم القلة المبدعون، وفي العمل إن كنت ممن يتفقون مع القصة من عدمها، إلاّ أنّه انتصر لفكرته البسيطة “الظلم لن يدوم” تلك الثلاث كلمات هي الفكرة التي أقيمت عليها الأحداث، وانتصر لها الكاتب في نهاية العمل.
الإخراج
الإخراج في العمل كان الرابط، الذي استطاع أن ينسج من خيوط العمل ثوبًا رائعًا، يستحق أن يتباهى به، ونخبره كم هو منسوج بعناية، ودقة فائقة، بالفعل المخرج كان جيد على درجة كبيرة، واستطاع أن يكمل منظومة العمل الجيدة التي شاهدها الجمهور في السينمات، أو من وراء حواسيبهم.
وإيمان المخرج بالفكرة التي قام عليها العمل ظهر جليًا، فالإيمان في مثل تلك الأعمال هو وقود نجاحها، ومحرك إبداعها، والزهرة الجميلة التي تخرج رحيق يسر كل المشاهدين، لا أريد الغوص في التكنيك الذي اعتمده المخرج، واستطاعته أن يجذب المشاهدين ويصرف عنهم الملل، والكادر وبراعته وإن حتى وقع في بعض الأخطاء، فتلافت وتلاشت وتبخرت في وسط العمل الذي يجذب كل حواسك أثناء مشاهدته.
الممثلين
لن أتحدث عن كل ممثل على حدى في العمل ولكن حديثي سيشمل مورجان فريمان، ووكريسوفر ليود، ومايكل كين، الثلاث شخصيات في العمل مثّلوا آلاف بل ملايين الأشخاص البسطاء الذين يعانون الهجر، والوحدة، والفقرة، والتلاعب بهم، واندهاسهم تحت عجلات أصحاب رأس المال، وقدرة البسطاء على الحصول على حقوقهم كاملة بطرق غير مشروعة كما تم خداعهم بنفس الطرق الغير مشروعة، فهم مثّلوا الطبقة الكادحة التي تواجه رأس المال، لذلك تحدثت عنهم بشكل مجتمع.
في النهاية: العمل أعجبني، وأعجبتني تلك الرسالة التي تخرج من عمل ينتج من بلد الرأس مالية العالمية لتخبرهم بمدى زيفهم، ونضالهم الكاذب، وعلى المستوى الفني استطاع العمل أن يخدم الفكرة بشكل رائع.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.