فيلم عيار ناري… للحقيقة وجوه كثيرة
في العام 2011 تحديدًا في شهر أكتوبر وقت أحداث ماسبيرو، كنت أقوم بعملي كصحفي وجاءني هذا الخبر وطالعني على أكثر من موقع وبيان.
زوجة وعشيقها يقتلان زوجها ويضعان جثته وسط ضحايا أحداث ماسبيرو، الشك يغلب الأخ الذي يعرف أنَّ أخاه لا يشارك في المظاهرات، وتطوّرت الأمور لتكتشف النيابة بعد شكوى الأخ أنَّ الزوجَ قُتل على يد الزوجة وعشيقها.
في هذا التوقيت كانت الدنيا مضطربةً للغاية، وبالفعل نزل الخبر وانتشر تقريبًا في أغلب الأماكن، وتمّ استغلاله من قبل الدولة في هذا التوقيت للدلالة على أنَّ هناك مبالغات في تقدير ضحايا أحداث ماسبيرو، ثم انتهى الأمر أو اختفى وقتها.
أعتقد أنَّ هيثم دبور مؤلف الفيلم طالعه هذا الخبر في العام 2011، خاصةً وأنَّه من الأساس صحفي تحقيقات، وعمل في أكثر من مكان في مناصب متعددة منها المصري اليوم والوطن والشروق وبرنامج البيت بيتك وغيرهم، وأكاد أجزم أنَّ هذا الخبر تحديدًا كان النواة لفيلم عيار ناري.
كثيرًا ما يخبرون صُنّاع الأفلام أنَّ المصادفات في الحقيقة أشد تطرفًا من غيرها في عالم السينما، وأنَّ المصادفات في السينما تقلل من مصداقية الفيلم، رغم أنَّ ما يحدث لنا يوميًا أشد تطرفًا بكثير.
فيلم «عيار ناري» فيلم آخذ شكل أفلام النوار أو دعنا نقول حاول أن يصبح على غرار أفلام النوار، هو فيلم جريمة وبطله ليس البطل المثالي الذي تتعاطف معه، قد تكرهه لسلوكه أو طريقته، أحمد الفيشاوي في دور الطبيب الشرعي ياسين المانسترلي، البطل المهزوم الذي لا يجد إلَّا عمله كوسيلة وحيدة يبتعد بها عن البشر، هو عبقري في عمله بشهادة الجميع، يواجه أزمةً مع رئيسته في العمل التي تزوّر تقريرًا كتبه بيده عن أحد شهداء لاظوغلي أنَّه قتل بعيار ناري من مسافة قريبة، ولم يقتل كباقي الشهداء الذين قدموا معه من مسافة بعيدة وبعيار قناصة، ولكن مديرته تغيّر التقرير الصحيح بعد تسريبه للصحافة حتى لا تحصل البلبلة، وتفقد مركزها، وتؤكّد أنَّ جميعَ الشهداء ماتوا بأعيرة نارية من مسافة بعيدة.
ينطلق ياسين الفاقد لكلِّ شيء تقريبًا إلَّا كفاءته في العمل في رحلة البحث عن الحقيقة وإثبات نزاهته وصحة تقريره الرئيسي، ياسين ابن الوزير السابق الفاسد/غير الفاسد الذي يتعرض للمحاكمة، والذي لا يرغب في مشاهدة والده أو التحدث معه.
يقول جلال الدين الرومي: “كانت الحقيقةُ مرآةً بيد الله سقطت فتحطمت، كلّ شخص أخذ قطعه ونظر إليها فظن أنَّها الحقيقةُ كاملة”، ويطرح علينا الفيلم سؤلًا. أين هي الحقيقة؟ وهل هناك أكثرُ من وجه لها؟ وهل حقيقتنا هي الحقيقة المطلقة الوحيدة؟ الفيلم بعد أن طرح هذه الأسئلة انشغل فجأةً في مهمة ترسيخ الأسئلة بدلًا من جوابها.
سيناريو هيثم دبور لا يخلو من العيوب بعض الجمل الحوارية الساذجة، مثل: جملة عارفة عبد الرسول، وهي تتحدث على الهاتف: “مين اللي على الناحية التانية”.
مشاكل في زمن الفيلم وسرعة تنقل الأحداث ما بين مقتل الشاب أحمد مالك، وتسلم أهله لشقة من المحافظة لم يتخطَ الأُسبوع، وهي سرعة أحداث عجيبة من حوار محمد ممدوح نعرف أنَّه تمّ تكريمه، وظهر في أكثر من برنامج في مدّة زمنية قصيرة، وهو أمرٌ أيضًا لا يتمّ بهذه الصورة… ولكن جميع هذه العيوب صغيرة، ويمكن التغاضي عنها.
لكن مشكلة السيناريو الأكبر من وجهة نظري هي دفاع السيناريو طوال الوقت عن فكرته من خلال مشاهد كثيرة تؤكّد على هذه الفكرة، ويمكن الاستغناء عنها بسهولة… وكأنَّ مؤلف الفيلم يعرف المنطقة الشائكة التي يدخلها ويرغب من الجميع أن يفهموا ما يقصده، حتى أنَّهم كتبوا الفكرة مباشرةً أمام أعيننا على الشاشة في أحد مشاهد الفيلم، وقالها بطلا الفيلم صراحةً لبعضهم البعض في أحد المشاهد الأُخرى… هذا الانشغال أدّى إلى كون الحوار مباشرًا للغاية، وهي مشكلةٌ أُخرى في سيناريو الفيلم.
الإخراج كان جيدًا للغاية من كريم الشناوي في تجربته الروائية الطويلة الأولى، هناك مشهد One Shot في نهاية الفيلم كان جيدًا للغاية وبه بعض الابتكار، مشاهد ولقطات متميزة للغاية خاصةً في مشهد المحاجر ومشاهد المشرحة، كان يغلب عليها طابع استعراضي مقبول في التجربة الأولى… يرغب كريم من وجهة نظري أن يثبت إمكانياته كمخرج في بعض المشاهد، ولكن دون تكلف كبير ولم يضر الفيلم على الإطلاق… أقل المشاهد إخراجيًا من وجهة نظري هو مشهد المشاجرة بين علاء/أحمد مالك، ووالدته/عارفة عبد الرسول، وشقيقه خالد/محمد ممدوح.
أحمد الفيشاوي كان في أحد أفضل حالاته التمثيلية جسد دوره باحتراف، روبي كانت هي الأُخرى جيدة للغاية في دور الصحفية مها، ولكن مساحة الدور لم تعطيها حقها بما يكفي. أفضل أداء تمثيلي في الفيلم كان من نصيب عارفة عبد الرسول التي جسدت الأم المكلومة التي تعاني بشكلٍ رائع للغاية، ومحمد ممدوح الذي جسد دورًا مركبًا للغاية، ومن داخل طبقات دوره خرجت انفعالات جيدة للغاية، وتفهمها بعد اتّضاح الحقيقة كاملةً في نهاية الفيلم.
إشادة مهمة للغاية بالمكياج في الفيلم، وأعتقد أنَّه من توجيهات المخرج، استطاع الماكيير – الذي لم أستطع معرفة اسمه بالبحث – من أن يجعل الأشقاء يشبهون بعضهم البعض بشكلٍ كبير، أحمد مالك ومحمد ممدوح، هنا شيحة وأحمد الفيشاوي، كما جعل الاثنين يشبهان والدهما أحمد كمال، وهي تفصيلة مهمة وجيدة للغاية جعلت الفيلم به جزء كبير من المصداقية… ساهم في ذلك بالتأكيد أيضًا زوايا التصوير التي اختارها عبد السلام موسى.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.