فيلم Hacksaw Ridge …. الجندي الذي رفض السلاح بدافع الإنسانية

في ظل العديد من الأفلام السيئة التي شهِدناها السنة الفائتة، إلا أنه يجب أن تظهر طفرة فنية مبدعة من قبل مخرج أو كاتب أو ممثل ليقدموا لنا عمل فني متقن مُنقطِع النظير، لننسى الأعمال التي خيبت أمالنا.

هنا بالتأكيد أتحدث عن فيلم المخرج المبدع والممثل القدير “ميل جيبسون” الحربي والدرامي “Hacksaw Ridge” الذي يعتبر فيلمه الأول بعد أن افتقدته هوليوود لعشر سنوات منذ إخراجه لفيلم المغامرة والدراما “Apocalypto”، ويذكر أن المخرج “راندال والاس” كان مرشحاً لإخراج الفيلم في البداية إلا أن الاختيار النهائي وقعَ على “جيبسون”.

 أبدع المخرج كعادته بل وتفنن في إنتاج مثل هذا العمل الضخم الذي لا يمكن أن ننكر أنه واحد من أفضل أفلام 2016، فتعال معي عزيزي القارئ عبر سطور هذا المقال نتعرف على قصة الفيلم الفريدة من نوعها وقصة بطلها، وطاقم التمثيل الذي أعتبره شخصياً ممثلين أبهرونا بتجسيدهم للشخصيات بطريقة متألقة للغاية، وأهم الجوائز وأبرز الترشيحات التي حصدها هذه التحفة المذهلة.

الفيلم مستلهم من قصة حقيقة وتدور أحداثه عن الشاب “ديسموند دوس”، وقد قام  بتجسيد الشخصية الممثل الشاب “أندرو غارفيلد”.

“ديسموند دوس” خدم كمسِعف في الجيش الأمريكي أثناء الحرب العالمية الثانية وبالتحديد في معركة “أوكيناوا” عام 1945 رافضاً حمل السلاح وقتل البشر تحت أي مسمى وحتى خلال وجوده داخل منطقة الحرب العنيفة، الجميع يتفاجىء ويسأل كيف لشابٍ بل وكيف لجنديٍ أن يرفض حمل أي سلاح ليدافع عن نفسه وهو داخل أهوال الحرب الدامية حتى وإن كان مسعِفا!!

هنا يأتي دور المخرج في تحديد محور الشخصية البطلة والأحداث التي حصلت معه ليصل إلى ما هو عليه.

الجزء الأول من الفيلم، يبدأ فيه المخرج مع لقطة افتتاحية من قلب أحداث الحرب وموقعة “Hacksaw Ridge” حيث يحمل “ديسموند دوس” جريحاً بين الجُثث ودُخان الانفجارات وأشلاء القتلى التي لا تُحصى ولا تعد، والتي تحدث في الجزء الثاني من الفيلم، وأعطى لنا المخرج هنا لمحة عن الجحيم والمعركة الدامية الذي ينتظر بطل الفيلم “ديسموند”.

ثم بعدها تنتقل الأحداث لتبدأ رحلة بطل الفيلم وهو صبي صغير يلعب مع شقيقة “هال” ثم تحدث الحادثة، التي تعتبر  طفولية لا غير إلا أن “ديسموند” ينظر لها من جانبه الخاص وبالنسبة له فقد كانت تجربة مصيرية.

 وذلك عندما قام “ديسموند” بضرب شقيقة “هال” بقطعة حجر على جانب رأسه وفقده الوعي وكاد يفارق الحياة، لتبدأ مع “ديسموند” هواجس موت شقيقه الوحيد ويفكر بشكل مباشر بما حدث وينظر بلقطة خاطفة ليبصر لوحة تلخص قضية قابيل وهابيل في سفر التكوين في الكتاب المقدس لتنمو لديه فكرة الاستنكاف من حمل السلاح.

ولا ننسى الحادثة التي وقعت مع والده -الجندي المتقاعد-الذي حمل سلاحه ضد والدته ليزداد هذا المبدأ انغماسا في خاطره أكثر وأكثر، أي رفضه قتل وإيذاء أي شخص أو أي بشر تحت أي مسمى ومها كانت الأسباب.

بعدها يبدأ الجزء العنيف من الفيلم من معارك كر وفر بين الصديق والعدو، فالمخرج يريد أن يظهر لنا الجانب الدموي –الجانب الوحيد بالطبع-الذي يحدث في الحروب وكيف يكون الجندي “وقودٌ للحرب” لا غير.

ويبين لنا كيف تكون بشاعة الحروب بكل تفاصيلها، فهو لا يريد منا أن ننتظر من يفوز ومن يخسر في النهاية فكل ما يريد إيصاله للمشاهد هو الوجه والجانب الحقيقي للحرب وما يستطيع البشر فعله من قتل وخراب.

وكيف بإمكان شاب عشريني يأبى حمل السلاح أن ينقذ الأرواح وسط هذا الدمار مهما حصل، وأستطاع “جيبسون” بعد انتظاره عشر سنوات أن يظهر لنا ما أراد قوله حول الجانب العنيف والدموي المترسخ في كيان الإنسان وكيف لشاب مثل “ديسموند” نبذ وكراهية هذا الجانب البشع.

تمثيل جميل ومحكم بشكل ابتكاري لا يوصف ومبهر بالتأكيد، ومفاجئ بالنسبة للنجم الشاب “أندور غارفيلد” الذي تقمص شخصية بطل الفيلم “ديسموند دوس” بالشكل الكامل، فقد كانت للشخصية طابع عفوي وبسيط واستطاع الممثل أن ينجح في تقديم الشخصية بأتم إبداع ولن ننكر تمكن الممثل من إتقان لكنة “ديسموند” الفرجينية الغربية بالشكل المطلوب.

الممثل الكبير “هوغو ويفنغ” لعب دور “توم دوس” والد “ديسموند” وأدى اداء كان الأقوى، بالكاد أستطيع وصفه، وإن كان دوره ثانوياً فقد أجاد دوره وقدم لنا شخصية الوالد المريض النفسي والثمل بشكل جيد، وأداءه الذي ظهر في بداية الفيلم وبالتحديد حول مائدة الطعام –شخصياً-أعتبرها واحدة من أبرز وأجمل اللقطات التي قام بِها الممثل.

والنجم “لوكا برايسي” والحسناء “تيريزا بالمر”  قاما بأداء جميل وممتع، الأول “لوك” لعب دور الجندي “سميتي” رفيق “ديسموند” ، و”تيريزا” بدور الممرضة المحبوبة وحبيبة “ديسموند” والتي جسدت الدور بشكل رقيق وبسيط وفاتن.

نبداء بإستحواذ الفيلم على أهم وأبرز جوائز الأكاديمية الأسترالية للفنون السينمائية لفئات أفضل ممثل رئيسي للنجم “أندرو غارفيلد” وأفضل فيلم وأفضل ممثل مساعد ل”هوغو ويفنغ” وأفضل تصوير سينمائي وأفضل إخراج للمتألق “ميل جيبسون” والعديد من الفئات الأخرى التي استحقها الفيلم بجدارة.

 وفاز بجائزة فيلم السنة من قبل معهد الفيلم الأمريكي، وحصل على جائزة أفضل ممثل رئيسي ل”أندرو غارفيلد” من قبل جائزة اختيار النقاد، والمثير للاهتمام أن الفيلم خرج خالي الوِفاض من جوائز الغولدن غلوب من أصل ثلاث ترشيحات.

 وفي الجانب الأخر تمكن الفيلم من الحصول على أربع ترشيحات لجوائز البافتا المهمة، المقرر كشف السِتار عنها في 12 شباط/فبراير، لفئات أفضل ممثل رئيسي وأفضل سيناريو مقتبس وأفضل تحرير وأفضل مكياج، وفاز أيضاً بجائزة مخرج العام للمبدع “ميل جيبسون” في مهرجان “Capri Hollywood”.

 وكانت من بين أفضل عشرة أفلام لسنة 2016 من قبل تصنيف وضعه معهد الفيلم الأمريكي (AFI)، وغيرها من الجوائز التي فازها الفيلم وأخرى ترشح بها.

وقد ختم موسم الجوائز السينمائي بستة ترشيحات للأوسكار هي أفضل فيلم وأفضل مخرج وأفضل ممثل في دور رئيسي، وأفضل تحرير وأفضل مزج للصوت وأفضل تحرير للصوت.

في النهاية يمكنني القول أن هناك بعض القلائل من الناس أمثال “ديسموند” ينظرون للعالم كما يراه هو وينبذون قتل البشر مهما كانت الدوافع، فتِلك اللقطة الملفتة ل”ديسموند” في الفيلم عندما قام بمساعدة جندي ياباني جريح بدون أن يكترث للعواقب التي ستلاحقه وتحيط به كانت جديرة ببطل حقيقي لا يمكن إنكاره.

بعد مشاهدتك لهذا العمل العملاق هل تؤمن بوجود “ديسموند” في زمننا الحالي ؟؟