فيلم Inside Out .. لا حياة بلا حزن ولا حزن مع الحياة
6 د
في بعض الأوقات، يمكننا اكتشاف أنفسنا من جديد عبر شيء غير متوقع، صورة قديمة، أغنية لا نعرفها، خبر ما في جريدة، فيلم رسوم متحركة، مثل فيلم Inside Out الذي أراهن أنه كان سبباً في اكتشاف الكثيرين لأنفسهم من جديد، اكتشاف مشاعرهم، حياتهم، أفكارهم، سبب تعاستهم واكتئابهم، سبب حزنهم وفرحهم..
دائماً ما تنجح بيكسار في التغلغل إلى أعماق مشاعر مشاهديها، عبر منحهم جرعة من الإنسانية والعذوبة بشكل أكبر بكثير من الأفلام المجسدة الواقعية، تدخلنا إلى عالم خيالي ظريف، لكنه في ذات الوقت، عميق جداً، يمكننا فيه ابتلاع الكثير من الأشياء غير القابلة للتصديق، كتحليق منزل كارل بالبالونات في فيلم Up، كرحلة مارلين في البحث عن ابنه الصغير نيمو عبر البحار في فيلم Finding Nimo، كمهارة ريمي الفأر الأبيض الظريف في الطبخ في فيلم Ratatouille، كذكاء وإخلاص وحساسية الألعاب الملقاة في حجرة مظلمة بعدما ينام الجميع في سلسلة أفلام Toy Story، كالمشاعر الخمس الأساسية في عقل رايلي الصغيرة وهي تحاول جاهدة إبقائها بخير حال في فيلم Inside Out.
ملاحظة: يحتوي المقال على بعض المعلومات والمشاهد المتعلقة بأحداث الفيلم
في هذا الفيلم الممتع، نتابع كيف تتحول رايلي الصغيرة من السعادة إلى الحزن بضغطة زر من هذه المشاعر داخل عقلها، تكبر وتبدأ في اختبار أحاسيس جديدة مثل الخوف، الإشمئزاز والغضب، هذه المشاعر الخمسة، التي قام مصممي الجرافيك بتجسيدها بشكل دقيق ورمزي بدقة بالغة، إن دققنا في الملاحظة، سنجد “جوي” السعادة على شكل نجمة، “سادنيس” الحزن على شكل دمعة، “ديسكاست” الإشمئزاز على شكل حبة بروكلي، “فير” الخوف على شكل عصب، “آنجر” الغضب على شكل قالب ناري.
تحاول جوي السيطرة على مقاليد الأمور لتنعم رايلي بالسعادة طيلة الوقت، في عقل أمها مثلاً نلاحظ أن الحزن هو المسيطر، في عقل الوالد يمكننا ملاحظة أن الغضب هو المسيطر، كلما كبرنا كلما توارت السعادة لحساب المشاعر السلبية، لكن هذا لا يمنع أبداً أهميتهم جميعاً في رحلة النضج، وهذا ما يحاول فيلم Inside Out إيصاله لنا.
فسيطرة جوي على عقل الطفلة الجميلة تجعلها غافلة عن أهمية باقي المشاعر، بالذات أهمية الحزن الذي تحاول تهميشه دوماً، بإبعاد سادنيس عن لوحة التحكم ، وإلهائها بأمور فرعية تافهة، لتبقي رايلي سعيدة حتى ولو كانت سعادة مزيفة تحاول تجاهل الوقائع.
الطفلة التي تخطو إلى المراهقة بثبات تعاني من تجربة جديدة مروعة لمن هم في مثل سنها، وهو الانتقال لمدينة بعيدة، مدرسة جديدة، منزل جديد، بلا أصدقاء أو هوايات، بلا حتى طعامها المفضل، وسط إنشغال والديها بالحياة الجديدة، تشعر بالوحدة، تحاول أن تعبر عن حزنها، إحباطاتها، لكن جوي المتحكمة في عقلها ترفض منحها هذا الحق، الأمر الذي يؤدي لعواقب وخيمة.
بعد رحلة مضنية في عقل رايلي، تكتشف جوي أنها لا يمكن أن تنجح بلا سادنيس، الحزن في الحقيقة هو المكمل للسعادة، لا يمكن الشعور بأحدهما دون الآخر، الحزن مؤلم طبعاً، ربما نحاول جاهدين الهرب منه والبحث بشكل مطلق عن نقيضه، لكننا ننسى دائماً أنه هام لنتمكن من الاستمرار والمعافرة. لا يمكن أن تكتمل الحياة في الحقيقة إلا بالحزن، وبالرغم من ذلك، فهو ليس سوى وجهاً آخر للسعادة.
كم مرة شعرت بالحزن بسبب فقدان عزيز مثلاً، وماذا بعد عودته؟ هل تذكر شعورك الخرافي بالفرحة العارمة، هذا الشعور الذي ربما لم تختبره أبداً لولا أن ذقت الحزن من قبله؟
كم مرة اشتد حزننا بسبب الوحدة، الفشل، الخيانة، الغربة، المرض، الخذلان، وفي المقابل، كم مرة حلقنا بين النجوم عند إحاطتنا بالأحباء، عند النجاح المبهر االمنتظر، عند التقدير والاهتمام، عند العودة إلى الوطن، عند رد الإعتبار؟
تعتقد جوي في فيلم Inside Out أنها وحدها كافية لإعادة الحياة إلى رايلي الطفلة التي تقرر الهرب من المنزل والابتعاد عن عائلتها، بعدما فقدت شعورها بالسعادة تماماً، لكنها كانت مخطئة، فعودتها وحدها للتحكم والسيطرة على عقل الطفلة لم يكن كافيا بلا هذه اللمسة السحرية من الحزن، من البكاء، من التعبير عن إحباطاتها واكتئابها، لتستطيع في النهاية أن تتمكن من العيش.
فيلم Inside Out مفعم بكل ما يمكن أن يثير الشجن ، الفرح، الدموع، فرحلة جوي عبر عقل رايلي لم تكن سهلة أو بسيطة، في هذه الرحلة، تختبر هي نفسها الخمس مشاعر الأساسية التي لا طالما اعتقدت بعدم أهميتهم، فهي تشعر بالخوف من المهرج العملاق في غرفة العقل الباطن، وتشعر بالإشمئزاز من صديق رايلي الخيالي (الذي تم استلهامه من عضو فريق One Direction بالمناسبة!) تشعر بالغضب من تراخي سادنيس واستسلامها، تشعر بالحزن عند القائها في حفرة الذكريات المنسية.
لجأ مصممو الجرافيك في هذا الفيلم مع المخرج بيت دوكتر إلى أخصائيين نفسيين لمحاولة تخيل شكل العقل وغرفة تحكمه من منطلق كارتوني مبسط، كرات الذكريات بألوانها المختلفة، آلية انتقال الذكريات قصيرة المدى أثناء النوم لتتحول إلى ذكريات دائمة، أو تلقى في حفرة النسيان على حسب أهميتها، بالإضافة إلى فكرة تكون شخصية الإنسان على حسب تجاربه وذكرياته.
رايلي مثلاً تتحدد شخصيتها بسبب ذكريات طفولتها مع والديها وهم يحيطانها بالحب والثقة، وهي تلعب الهوكي، وهي تلهو مع صديقتها..
أما الشخصية التي جاءت أكثر إنسانية في الفيلم فهي -للعجب- شخصية الصديق الخيالي “كونج فو” الذي تخيلته رايلي كخليط من الفيل، الدولفين، الدب وحلوى غزل البنات، والذي يبذل كل ما في وسعه لإعادة السعادة إليها من جديد، حتى لو تكلف ذلك اختفائه في حفرة النسيان.
الحقيقة أن هذا الفيلم الممتع الذي يمكن للأطفال مشاهدته والاستمتاع بألوانه وقصته الطفولية الجميلة، هو فيلم إنساني من الطراز الأول. من نوعية الأفلام التي تأتي لتبقَ بلا محو على ذاكرة حاسبك، ولتعيد مشاهدته كل فترة مستمتعاً بعذوبته.
بعض الحقائق المسلية عن الفيلم:
- كان من المفترض أن يكون هناك 27 شعوراً في عقل رايلي، لكن الكتاب قام باختصارهم إلى الخمسة الأساسيين، من ضمن هذه المشاعر كان هناك المفاجأة، الثقة، الكبرياء.
- جاءت فكرة فيلم Inside Out إلى رأس بيت دوكتر بعد مشاهدته لمعاناة ابنته في مرحلة المراهقة وتخبّط مشاعرها طيلة الوقت.
- الرفوف الضخمة المنحنية التي تضم كرات الذكريات، صممت لتشبه التجاعيد والطيات التي تظهر على القشرة الخارجية لسطح المخ.
- المشهد المضحك لحارسي العقل الباطن وهم يتشاجران حول قبعة كل منهما، هو في الحقيقة مشهد مقتبس من المسرحية العبثية “في انتظار جودو” لصامويل بيكيت.
- في البداية يمكننا ملاحظة أن كرات ذكريات رايلي الطفلة أحادية اللون، كرات زهرية للذكريات السعيدة، خضراء للذكريات المثيرة للإشمئزاز، حمراء للذكريات الغاضبة، لكن مع انتقالها إلى مرحلة المراهقة في النهاية، سنلاحظ أن ألوان الكرات تداخلت معاً في مزيج واحد. تعبيراً عن التعايش والنضج.
- شخصية جوي لا تملك ظلاً على الأرض بعكس باقي الشخصيات، إشارة لتوهجها الدائم طيلة الوقت.
- ملابس المشاعر الخمسة تدل على طبيعتها، فجوي ترتدي فستان أخضر مبهج أقرب لملابس “تنكر بل”، سادنس ترتدي كنزة عالية الرقبة وجينز واسع ونظارات طبية أقرب لملابس المكتئبين المهملين في مظهرهم، دسكاست ترتدي فستان على شكل حبة البروكلي، فير يرتدي بذلة كلاسيكية كموظف بسيط لا يحب المشاكل، أما آنجر فيرتدي قميص أبيض قصير الأكمام وربطة عنق حمراء كتحية لمؤدي صوته الممثل لويس بلاك الذي يرتدي هذا الستايل دائماً.
- شغف “سادنس” بلمس كرات الذكريات الذهبية السعيدة وتحويلها إلى اللون الأزرق الحزين هو في الحقيقة رمز لميل المراهقين للاكتئاب ورغبتهم في تحويل كل ماهو سعيد إلى مسببات جديدة للحزن بسبب اضطراب هرموناتهم.
ماذا عنكم انتم؟ هل شاهدتم الفيلم؟ ما رأيكم به؟
تريلر فيلم Inside Out
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.
في الحقيقة فيلم رائع بكل معنى الكلمة , يكفي فقط ان يعلمنا اننا قادة انفسنا والمتحكمين فيها نحو السعادة او التعاسة , خلاف من جعل المشاعر هي من يحكمنا ويقودنا
يعطيكم العافية ممكن رابط للفيلم
مقالة جميلة شكراً
فيلم رائع جدا ولا أُمِل من اعادة تكراره
شكرا على الحقائق اللى في المقال التي لم اكن اعرفها عن الفيلم 🙂