حقائق مثيرة ومواقف صادمة لا تعرفها من حياة كوكب الشرق !

الست.. بألف لام التعريف، التى تعنى أنه لا وجود لأى امرأة أخرى بجوار هالتها، لفظ مطلق يُغني عن الكثير من الكلمات، هكذا كان ومازال يلقبها محبيها، ليس الوحيد بين ألقابها الكثيرة كـ (كوكب الشرق) و (سيدة الغناء العربي) و(الهرم الرابع) وغيرهم الكتثير..

لكنه الأقرب للألسنة والقلوب والعقول، التي غزتها (أم كلثوم) بمنتهى السهولة، فقيل عنها أنه لم يجتمع العرب على شيء مثلما اجتمعوا علي صوت (أم كلثوم).

غنت الست عبر مسيرتها الفنية 300 أغنية متنوعة، ما بين عاطفية ودينية ووطنية، كما مثلت 6 أفلام سينمائية، هى:- فاطمة، سلّامة، دنانير، نشيد الأمل، عايدة، وداد، وكان موعد (الست) الثابت مع عشاقها من المحيط للخليج، في الخميس الأول من كل شهر، في حفلتها الشهيرة، والتي كانت تنقلها الإذاعة المصرية وقتها علي الهواء مباشرة.

سمحنا لأنفسنا، في الذكري الأربعين لرحيل كوكب الشرق (أم كلثوم)، أن نورد لكم بعض من المواقف والمشاهد البارزة، والتى لا تنسي في حياتها، وربما لا يعرفها الكثيرين..

اقرأ أيضاً: 4 كتب يجب أن يقرأها كل طالب جامعي

فى بداية حياتها الفنّية عام 1926م، عقب تخلّىيها عن التواشيح والأغنيات الدينية، التى كانت تُنشدها فى قريتها الصغيرة،  تغنّت الست، بأغنية )الخلاعة والدلاعة مذهبي(، ألحان وكلمات، الطبيب الموهوب، (أحمد صبرى النجريدى)، ومن تسجيل شركة أوديون، حيثُ تقول فى مطلعها:- (الخلاعة والدلاعة مذهبى، من زمان أهوى صفاها والنبي)

وعقب قيام ثورة عام 1952م، وفي اجتماع الرئيس الراحل، محمد نجيب مع اللجنة الموسيقية العُليا عام 1953م، قال لها:- (إنني أضع عليكِ آمالًا عريضة في الأرتقاء بمستوى الأغاني في الفترة القادمة)، إعتراضًا منه على محتوى الأغانى المُبتذلة المُقدمة فى ذلك العصر.

وبعدها قامت الست بسحب الأسطوانات من السوق، وذلك عندما أقترح الشاعر الكبير (أحمد رامي) عليها، وأقنعها بضرورة حذف الأغنية من الأسطوانات، واستبدالها بكلمات أخرى على نفس اللحن، لتصبح (اللطافة والخفافة مذهبي).

أغنية (يا ليلة العيد) لحن (رياض السنباطى) وكلمات (أحمد رامى) غنتها (الست) لأول مرة في عام 1939م، فأضحت من معالم الأحتفال بليلة العيد فى الأقطار العربية جمعاء، لتصبح بمثابة الدرة الفريدة فى عقد أغانى العيد، وفى سنة 1940م تم تصويرها ضمن فيلم (دنانير).

وفي يوم الأحد الموافق 17 أغسطس عام 1944م، والـ 29 من رمضان عام 1363ه، غنتها فى حفل لها أقيم بملعب مختار التتش، أو النادى الأهلى فيما بعد، وبعد صعودها على المسرح، بدأت (الست) وصلتها الأولى، فعزفت الفرقة أغنية (ذكرياتي)..

ثم غنت بعدها (رق الحبيب)، وفي الوصلة الثانية كان الجمهور على موعد مع أغنية (يا ليلة العيد)، فوجئت بالملك (فاروق) يدخل إلى الحفل، وضج السرادق بالتصفيق، توقفت (أم كلثوم) عن الغناء حتى هدأ الهتاف..

ثم عادت لتستأنف الغناء، من القلب إبتهاجًا بقدوم الملك والعيد معًا، وبسرعة بديهتها المعروفة، وعندما وصلت إلى المقطع الأخير، غيرت في كلماته قائلة:- (يا نيلنا ميتك سكر، وزرعك في الغيطان نور، يعيش فاروق ويتهنى، ونحيى له ليالي العيد)، حيث ربطت (الست) الأغنية بالملك (فاروق)، و أهدتها له.

بعد إنتهاء الغناء، استدعاها الملك، وصافحها، وأنعم عليها بنيشان الكمال، وأعلن مذيع الهواء أن الملك طوق عنق (الست) بنيشان الكمال، والذى لا يمنح إلا لأميرات العائلة المالكة فقط، ولقب صاحبة العصمة، وأذاع الكاتب الصحفي (مصطفى أمين) من خلال ميكروفون الإذاعة نبأ منحها النيشان من الطبقة الثالثة.

وفى أعقاب ثورة 1952م، مُنعت أغانى (الست) من الإذاعة نهائيًّا، وطردت من منصب نقيبة الموسيقيين، حيث حدث نزاع على منصب نقيب الموسيقيين، فتم إلغاء انتخابات النقابة، وعُيِّن محمد عبد الوهاب نقيبًا للموسيقيين، وكان ذلك فى سبتمبر 1952م.

وذلك لإعتبارها مطربة العهد البائد، رمزًا مضادًّا للثورة، وذلك بسبب حصولها على قلادة صاحبة العصمة، وغنائها للملك أكثر من مرة، ومن بين هذه المرات أغنية غنتها (الست) فى حضور الملك (فؤاد) قائلة:- (أفديه إن حفظ الهوى أو ضيَّعا ملك الفؤاد فما عسى أن أصنعا).

ولم يكن هذا قرار مجلس قيادة الثورة، بل كان قرارًا فرديًّا اتخذه الضابط المشرف على الإذاعة، إثر هذا الموقف، وما تردّد عن مساندة بعض الضباط الأحرار لـ (عبد الوهاب)، بلغت (الست) قرار إعتزالها للصاغ (أحمد شفيق)..

فنقل الصاغ الخبر لمجلس قيادة الثورة، ووصلت الأزمة إلى (عبد الناصر) شخصيًّا – عن طريق الكاتب الصحفى (مصطفى أمين)، فتوجّه إليها وفد مكون من (عبد الناصر) و(عبد الحكيم عامر) و(صلاح سالم)، لإقناعها بالعدول عن رأيها، وبالفعل عدلت (الست) عن قرارها، وعادت لتواصل مشوارها الفنى.

وفى عيد محافظة الدقهلية القومى الموافق 7 مايو 1960م، زار الرئيس الراحل (جمال عبد الناصر) المحافظة، وأقيم لذلك حفل تاريخى فى سرادق كبير بنادى المنصورة، وأحيته الست بحضور (عبد الناصر) ومجموعة من الوزراء وكبار المسؤولين ورجال الدولة.

وألقت (الست) كلمة أمام الحضور، رحبت فيها بـ (عبد الناصر)، وتطرقت إلى الحديث عن زيارته للهند وترحيب ساسة وفنانى الهند به، وإستقبالهم له بالبخور من أجل تحصينه، واختارت (الست) أن تُحصّنه بخير ما يُحصّن به، بكتاب الله، المصحف الشريف، فقدمت له هدية تذكارية قيّمة، وكانت هذه الهدية عبارة عن نسخة قيّمة من المصحف الشريف، موضوعه فى علبة محلّاة بالفضة والصدف، وذلك ابتهاجًا واحتفالاً بمناسبة تشريفه لمحافظة الدقهلية فى عيدها القومى.

اقرأ أيضاً: هل تحلم بالدراسة في بريطانيا؟ إليك الخطوات

بدأت القصة حين أقترحت الرئاسة المصرية إخراج فيلماً ضخماً عن حياة (الست)، بفضلِ مجهودها الإستثنائي بعد حرب 1967م، علي أن يكون من تأليف (سعد الدين وهبة) وإخراج (يوسف شاهين)، فبدأ (شاهين) في تصوير مادة تسجيلية عنها..

كان من ضمنها الحفلة الملونة الوحيدة المصوَّرة لها، في 8 مايو 1969م بمدينة (طنطا)، وتحديدًا بإستاد المدينة، والتي غنت فيها أغنيتين هما (هذه ليلتي) و(ألف ليلة وليلة)، وكان إيراد هذا الحفل مخصصًا للإنتاج الحربي.

وإليكم بعضًا من صور هذا الحفل

ولكن بعدها بدأت الخلافات سريعًا بينهم، وفشل مشروع الفيلم، فانتهى كل شيء، وظل (شاهين) محتفظ بفيديو الحفل، يرفض عرضه، ويعتبره من ممتلكاته الخاصة، وبعد 12 عاماً كاملة، حين بدأ في إخراج فيلمه (حدوتة مصرية)..

شعر أن جزءً من تلك المادة يُمكن أن يَخْرج للجمهور، فأستعان ببعض مقاطع منه في فيلمه، ولكنه أستبدل الأغنية المرافقة للصورة بشريط تسجيل إستديو لصوت (الست) وهي تغني أغنية (إنت عمري).

وفى عيد العلم عام 1964م، تقرر تكريم موسيقار الأجيال (محمد عبد الوهاب)، وسيدة الغناء العربي كوكب الشرق) أم كلثوم)، وعندما تقدما معًا لمنصة التكريم، توجه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بطلب شخصي لقمتى الفن فى العالم العربى، بإن يجتمعا معًا في أغنية من ألحان (عبد الوهاب) وغناء (الست)، فكان لقاء السحاب، الذي نتج عنه أغنية (إنت عمرى) في نفس العام.

وحققت الأغنية نجاحًا ساحقًا، وتبعتها 9 أغنيات أخرى لـ (الست) من ألحان (عبد الوهاب)، خلال تسع سنوات فقط هم:- (على باب مصر) فى عام 1964م، (إنت الحب) فى عام 1965م، و(أمل حياتى) فى عام 1965م، و(فكرونى) فى عام 1966م، و(هذه ليلتى) فى عام 1968م، و(أصبح عندى الآن بندقية) فى عام 1969م، و(دارت الأيام) فى عام 1970م، و(أغدًا ألقاك) فى عام 1971م، و(ليلة حب) فى عام 1973م.

 تعرضت الست لأحد المواقف المحرجة في الأربعاء 15 نوفمبر 1967م علي مسرح الأولمبيا بباريس، أثناء إحيائها لاحدي الحفلات الغنائية؛ من أجل الحصول علي مساعدات للجيش المصري، والتى ابتدأت وصلتها الأولى بأغنية (أمل حياتي)..

ثم أدت في الوصلة الثانية رائعة إبراهيم ناجي ورياض السنباطي (الأطلال)، ثم اختتمت بأغنية (فات الميعاد).

حيث قام آحد المعجبين بالركض في المسرح، والصعود علي خشبه العرض؛ وفي الثلث الأخير من أغنية (الأطلال)، وتحديدًا عندما بدأت الست في مقطع:- (هل رأى الحب سكارى مثلنا)، ليفاجأ الجميع  بشاب فرنسي مخمور في مقتبل العمر، فارع الطول، أنيق المظهر والهندام..

قادم من أقصى الصف الذي كان يتواجد على يسار (أم كلثوم) بخطوات مسرعة، وبحركة رياضية رشيقة، لا توحي أنه كان تحت تأثير الخمر، يقفز إلى خشبة العرض، من أجل تقبيل قدم الست، وهي مندمجة تمامًا في الغناء، ولم تنتبه إلى وجوده، فأستلقى أرضاً، وأمسك بقدميها يقبلها.

وذعرت الست، وعندما حاولت أبعاده عنها والتخلص منه، وقعت الكارثة، وسقطا معًا علي الأرض، حدث كل هذا، ولم يتحرك رجال حفظ النظام في القاعة، الذين كانوا بعيدين، كما لم يتحرك أعضاء الفرقة الموسيقية، سقطت (أم كلثوم) على ظهرها، وأستقلت على الأرض، حتى كادت مؤخرة رأسها تصطدم بالأرضية..

في غضون كل ذلك انكشف ثوب الست، وبدت ساقاها إلى ما بعد الركبة بقليل، كانت صورة جدّ مؤثرة لامرأة جاوزت الستين تتعرض لخطر غير مألوف من مخاطر المهنة، آنذاك قام أفراد فرقتها من أماكنهم يساعدونها على النهوض، ثم صعد عملاقان من أفراد حفظ النظام بالقاعة، وأمسكا المعجب المجنون، وأنزلاه من المسرح مطأطأ الرأس .

وبذكائها المعتاد، حوّلت (أم كلثوم) الأمر لنكتة لطيفة، عندما هبت واقفة سريعًا، واستأنفت الغناء –رغم ألم السقوط- من حيث توقّفت، ولكنها أكملت الأغنية بعد استبدال كلمة (مثلنا) بـ(بيننا)، فغنت:- (هل رأى الحب سكارى “بَيْنَنا”)، وهي تشير إلى الشاب الذي كان رجال الأمن يقودونه للخارج، فضجّ المسرح بالضحك والتصفيق والإعجاب بمهارتها الفائقة في التخلّص من الموقف المُحرج، والخروج منه بهذه البراعة.

وإليكم صور ما حدث

وفي آحد حفلات (الست) في دار سينما قصر النيل، وتحديدًا في عام 1966م، وأثناء غنائها لأغنية (بعيد عنك)، أراد عازف الناي الشهير (سيد سالم) في فرقتها الموسيقية، والذي كان يجلس دائمًا بجور (القصبجي) علي المسرح، إن يتمرد عليها، ويسحب البساط من تحت قدميها، ويستحوذ هو علي إعجاب وصيحات الجمهور..

وكأن الناي هو سيد الموقف، وكأنه هو أم كلثوم، فقام بالخروج عن النص الموسيقي، بإداء حركة عزف فريدة وتقسيمه عجيبة علي الناي، نالت إستحسان الجمهور، فتفاعل معها بالصياح، وتوقفت (الست) عن الغناء وقالت:- (إيه ده؟!)، لتتعالي صياحات الجمهور، ويعيدها (سيد سالم) علي هدوء مرة آخري، لتشتهر هذه الحفلة بـ (تغزيله سيد سالم).

وصل خبر وفاة عبد الناصر للست فى أثناء تواجدها فى إحدى الحفلات فى روسيا، وكان ذلك فى 28 سبتمبر من عام 1970م، فعادت إلى مصر وغنت أغنية (رسالة إلى الزعيم)، من كلمات الشاعر السورى الكبير (نزار قبانى) وألحان (رياض السنباطى)، والتى ترثى فيها (عبد الناصر) بعد وفاته.

وفى 3 فبراير 1975م علت ملامح الحزن وعدم التصديق وجوه الجميع، وتندمج إذاعات الشرق الأوسط والبرنامج العام وصوت العرب فى موجة واحدة؛ لتعلن الحقيقة حيث ظهر (يوسف السباعى) فى تمام السادسة مساء ليلقى النبأ..

بينما وقف المهندس (سيد مرعى) رئيس مجلس الشعب دقيقة حداد، فقد ترك رحيل سيدة الغناء العربي كوكب الشرق (أم كلثوم) صدمة كبيرة للمصريين والعالم العربي، ويُقدّر عدد المُشاركين بجنازتها الشعبية المهيبة بحوالي أربعة ملايين شخص.

وبعد أربعين عاماً على رحيل كوكب الشرق، لا يزال صوتها يتربع على قمة النغم العربي الأصيل..

اقرأ أيضاً: أفضل خمس قنوات تعليمية عربية على اليوتيوب