عبقرية المشاهد والتصوير في فيلم interstellar، كيف بدا المشهد في الكواليس؟
7 د
يُمكنك إحداث التغيير في العالم، ليس شرطاً أن تكون عالِماً عبقرياً، بل يكفيك أن تَنْتَقي أفضل مشهدٍ تراه من عدسة كاميرا.
مُلئت سينما الخيال العلمي بالعديد من الأفلام التي حاولت تصوير وعرض المشهد في الحياة الأخرى خارج الغلاف الجوي لكوكب الأرض حال وجودها، وتنوّعت بين محاولة تخيّل شكل تلك الحياة والكواكب التي ستنشأ عليها، وطريقة تفكير المخلوقات الحية عليها.
بجانب ذلك، لعبت الفيزياء وعلم الفضاء الدور الأكبر في تقريب المشهد لما سيحدث للإنسان، إن تعرّض لقوانين غير قوانين الطبيعة، مثلما حدث في أفلام عدة مثل: فيلم “Gravity” ،”Contact”، وغيرها من الأفلام التي تندرج تحت ذلك التصنيف.
أمّا في العام 2014، فشهدت السينما حدثاً أسطورياً حين تم عرض فيلم “interstellar”في الـ 26 من أكتوبر، والذي أصبح أفضل أفلام الخيال العلمي – عالية المستوى – على الاطلاق بالنسبة إليّ.
عند الإعلان عن الفيلم، ترقّبه كثيرين حول العالم، وحين تم عرضه أحدث تغيّرات جذرية في حياة من شاهدوه، وانقسمت الآراء حوله، رأيٌ يرى أنه فيلمٌ علمي رائع للغاية جداً، ورأيٌ آخر يرى أنه فيلم مُبهر إلى أبعد الحدود، ورأيٌ ثالث لم يفهمه على الإطلاق، وأنه دون المستوى، السبب هو أنّ صاحب هذا الرأي ربما لم يقرأ كثيراً في فيزياء الفضاء والزمن والأبعاد!.
أمّا شريحة كبيرة من الناس قد تساءلت حول الكيفية التي ظهر بها الفيلم في الكواليس أثناء التصوير، ليظهر بتلك الأسطورة السينمائية؟.
حسناً، الإجابة تكمن في ثلاث جُمل: العمل الجاد، والتأثيرات البصرية والسمعية، والموسيقى التصويرية.
واليوم نحن بصدد الحديث عن كواليس الفيلم، والتي تُعتبر حالة فريدة من نوعها، وإبداعٍ لا متناهي، حيث ظهر كل شيء تقريباً بشكلٍ حقيقي دون استخدام الكرومات الخضراء أو الزرقاء، بل اعتمد الفيلم كُلياً على المؤثرات البصرية، والجرافيك، والبرمجة عالية الكفاءة التي مَهدّت الطريق لتنفيذ أهم مشهد في الفيلم على الاطلاق، وهو مُحاكاة الشكل الذي يبدو به كلاً من الثقب الأسود “غارغانتشوا” والممر الدودي الذي عبر منه الرّواد وفقاً لمعادلات رياضية صحيحة شارك في كتابتها وحلّها عالم الفيزياء الشهير “كيب ثورن”.
يقول مايكل كين “بروفيسور براند” عن تعقيد الفيلم من الناحية العلمية: كان ثورن يُعلّمني قول ثلاث جُمل علمية معقدة بطريقة سهلة وبسيطة، وعندما يبدأ التصوير أكون قد نسيتهم!.
تسراكت – Tesseract
سنبدأ الحديث عن أشهر المشاهد وأكثرها خطفاً للأنفاس، وهو مشهد دخول رائد الفضاء “كوبر” داخل الثقب الأسود، وظهر في بيئة خُماسية الأبعاد “تسراكت – Tesseract”، سمحت له بالتواصل بشكلٍ مادي مع الآخرين في عوالم أخرى، وأزمنة مختلفة من خلال الزمن الذي يعتبر بُعد مادي في هذه البيئة، وشفرة مورس التي استطاعت العبور باستخدام الجاذبية.
كيف تم تنفيذ المشهد؟
في بداية الأمر، لم يكن يعرف الفريق آلية تنفيذ المشهد حتى باستخدام وسائل البرمجة والمحاكاة، ولم يكن هناك بديل سوى بناء غرفة كبيرة قُسّمت للعديد من الغرف التي تُحاكي تطور حياة “ميرف” الصغيرة إلى أن أصبحت بروفيسورة تعمل تحت إشراف براند.
وباستخدام المؤثرات البصرية فائقة الكفاءة، استطاع نولان مع فريق عمل Imax (الشركة المُنفذة للمؤثرات البصرية) إظهار الشكل الحقيقي لمكان خُماسي الأبعاد، يعتبر فيه الزمن بُعد مادي، حيث تستطيع رؤية العديد من الأحداث في وقتٍ واحد.
أمّا عن تنقلات “ماثيو ماكونهي” – رائد الفضاء كوبر -، فاستخدم الفريق البكرات والأحبال للتحكم في حركته خلال الغرفة متعددة المناطق، كما استخدم الفريق العديد من أجهزة العرض الضوئية (بروجكتور) لعمل خيوط رفيعة تصل بين الغرف المتعددة، وآلة تصوير تتحرك خلفه بسهولة.
هذا الفيديو يوضّح عمل الفريق… تسعة دقائق من الدهشة والانبهار!
المركبات الفضائية
بطبيعة الحال احتوى الفيلم على مركبة الفضاء الرئيسية أندورنس، والمركبات المُتنقلة الصغيرة “رونجر”، والتي تعتبر وسيلة التنقل الوحيدة للرواد للسفر بين المجرات والكواكب من خلال الممرات الدودية.
في الكواليس، ظهرت كِلتا المركبتين بشكلٍ كامل في مشهدٍ مهيب، حيث عمل كريستوفر نولان مع فريق العمل لصناعة وإنشاء نماذج حقيقية بالحجم الحقيقي الذي ظهرت به في الفيلم.
المركبة رونجر
بالنسبة إليّ شخصياً، أدهشني ذلك المشهد كثيراً، حيث لم أكن أتوقع أن يكون النموذج قد صُنع بشكلٍ كامل وبكافة تفاصيله الداخلية، وارتكز ذلك النموذج للمركبة على محركات هيدروليكية يتم التحكم بها عن بُعد من قبل فريق العمل.
المدهش في الأمر ليس النموذج الكامل فحسب، بل حركة المقاعد التي تتجاوب مع حركة المركبة أثناء ميلها وارتفاعها، أمّا عن كريستوفر نولان فقد أصر أن يقوم بتحريك المركبة بنفسه أثناء تصوير الفيلم دون تدخل من فريق العمل الذي ترك له المجال ليظهر قدراته الحركية.
هذا المشهد يأخذك في جولة داخل كواليس صناعة رونجر، حيث كل ما رأيته أثناء عرض الفيلم كان حقيقياً.
ليس هذا فحسب، بل أُخذت المركبة التي تزن نحو 4500 كيلوغرام لأماكن خارجية لتصوير مشهدي هبوط روّاد الفضاء على كوكبي كلاً من الدكتور “ميلر”، ودكتور “مان” في بيئتين مختلفتين كلياً.
بيئة دكتور مان كانت عبارة عن كوكب تتوفر فيه المياه فقط، مجرد كوكب مائي، ولتصوير المشهد بأفضل صورة يمكن أن يظهر بها، اصطحب نولان فريقه بصحبة المركبة رونجر إلى آيسلندا، حيث انتقى نولان أفضل الأماكن التي تُظهر أكبر قدر من المياه الضحلة.
ثم انتقل إلى الجبل الجليدي الشهير “Svínafellsjökull” وبلدة كلاوستور في آيسلندا لتصوير بيئة دكتور مان الجليدية، واستمر التصوير فيها أسبوعين.
هذا الفيديو يوضّح عبقرية التصوير تحت ظروف بيئية صعبة… ثلاث عشرة دقيقة تُظهر كيف تكبّد نولان العناء لإظهار الفيلم بأقرب صورة ممكنة تُحاكي الصورة الحقيقية.
المركبة أندورنس
مثل سابقتها رونجر، فقد تم صناعة نموذج كامل للمركبة، مُثبت بها نموذجين للمركبة رونجر ليتم تصويرهم في مشهد الالتحام، ويتم تدوير أندورنس من قبل أشخاص عاديين في الخلف.
عند هذه النقطة، تلعب الكاميرات الدور الأبرز في إظهار حجم المركبة الحقيقي كما لو كانت في الفضاء.
هذا الفيديو يأخذك في رحلة خلف الكواليس لتصنيع وطريقة عمل المركبة الأم.
محاكاة الجاذبية داخل المركبة الفضائية
من أكثر المشاهد إدهاشاً أثناء التصوير، هو مشهد سير روّاد الفضاء داخل المركبة في ظل انعدام الجاذبية، حيث تم عمل نموذج للمركبة بشكلٍ عمودي، ويسقط فيه الروّاد سقوطاً حراً مُعلّقين في أحبال يتحكم بها فريق عمل كامل، بالإضافة لألآت تحملهم وتحركهم بسهولة بشكلٍ أفقي في المركبة رونجر.
هذا الفيديو يظهر لك المشهد في أغرب هيئته:
بناء الثقب الأسود والممر الدودي
باستخدام المعادلات الرياضية بمشاركة كيب ثورن والمحاكاة، استطاع الفيلم إظهار الثقب الأسود في أقرب صوره العلمية، أمّا عن إظهار الثقب الأسود بحجمه أثناء التصوير، فاستخدم جهاز عرض كبير لينقل الصورة من الحاسوب إلى مساحة العمل.
هذا الفيديو يظهر لك كيف يعمل كيب ثورن على بناء الثقب الأسود وفقاً لمعادلاته الصحيحة.
لم ينتهي إبداع نولان عند هذا الحد فحسب، بل عمل على تنفيذ أشهر كائنين في الفيلم وهما الروبوتين تارس، وكايس، حيث تم تصميم النموذج بشكله الحقيقي الصامت، قام بدور صوت تارس “بيل إروين”، وصوت كايس “جوش ستيوارت”.
مشهد كيفية عمل كلاًّ من تارس وكايس أثناء التصوير.
موسيقى الفيلم الأسطورية
لم يقف حد الإبداع في الفيلم عند ذلك الحد، بل قام كلاًّ من الموسيقي العبقري “هانز زيمر” بكتابة الموسيقى لكل مشهد تقريباً، وحتى يعثر على أفضل الأصوات والنغمات، لجأ إلى جوقة الكنيسة المميزة لتأدية أفضل النغمات التي يُمكن أن تُعبّر عن الفيلم.
هذا الفيديو يوضح عمل موسيقى التصوير بإرشاد من كوريستوفر نولان حتى ينتقيا أفضل ما قد يُسمع، وقد حدث ذلك.
أمّا عن تصوير الفيلم فقد استمر لمدة خمسة أشهر فقط في الثاني من شهر أغسطس وحتى شهر ديسمبر عام 2013، ولكي يختتم الفيلم عبقريته الغير معهودة، قُدّرت ميزانيته بنحو 165 مليون دولار وهي ميزانية أقل من الميزانية التي حددها فريق العمل بنحو 10 مليون دولار، وأما عن إيراداته فقد تجاوزت الـ 600 مليون دولار!.
أخيراً، حتى يومنا هذا لم أضع أي فيلم ضمن أفلام الخيال العلمي في مساواة مع”interstellar”، حيث ظل الفيلم لأكثر من ثلاثة أعوام مُتصدّر قائمة أفلامي “العلمية” المفضلة، وبعد رؤيتي للكواليس، لم أندهش لحصده نحو 5 جوائز أوسكار، فهو يستحق أكثر من ذلك بكثير.
حصول “interstellar” على جائزة الأوسكار في أفضل المؤثرات البصرية في حفل توزيع جوائز الأوسكار في العام 2015.
وقبل إغلاق المقال، يُمكنك مشاهدة هذا الفيلم الوثائقي الذي يوضّح الأُسس العلمية التي قام عليها الفيلم بمشاركة “كيب ثورن”
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.