في ذكرى رحيل خالد تاجا.. أهم أعمال أنتوني كوين العرب؛ من زمن العار وحتى الزير سالم

"مسيرتي حلمٌ من الجنون، كومضة شهابٍ زرعت النور في قلبِ كلّ من رآها لحظةً ثم مضت"
"خالد تاجا (1939_2012)"

بهذه الكلمات المؤثرة، أراد خالد تاجا ختامَ مسيرةٍ إبداعيةٍ استمرت حوالي 60 سنة أنجز من خلالها المستحيل ثميثليًّا وصنع مدرسةً بالأداء المتفرّد كانت جليّةً من خلال 150 عملًا فنيًّا.

في عالمٍ يتسابق فيه الممثلون للحصول على أدوار البطولة المطلقة، كان الراحل خالد تاجا يغرّد خارج السرب، وعلى الرغم من أن خصوصية موهبته خوّلته لاستلام أدوار البطولة المطلقة إلّا أن عدم انسياقه وراء النجومية هو الذي صنع خالد تاجا الفنان الإنسان صاحب الرسالة الأسمى في تاريخ الفنّ السّوري.

خالد تاجا أحد عظماء الفنّ العربي وعرّاب الدراما السورية، هذا ما أجمع عليه الكثير من الفنّانين الذين شاركوه بأعمالٍ تعدّ اليوم من أفضل ما قدّمته الدراما السورية، هو ممثلٌ خاص جدًّا أطلق عليه الشاعر محمود درويش لقب "أنتوني كوين العرب" لكن دريد لحام اعتبر أن موهبة خالد تاجا أكثر أهميةً وصدقًا من الهوليوودي أنتوني كوين.
كانت بدايات تاجا في السينما فقدّم "سائق الشاحنة" وتوالت بعدها مشاركاته السينمائية، لكنه ابتعد عن السينما لمدة عشر سنواتٍ بسبب إصابته بالسرطان، وعاد للتلفزيون ليكمل رسالته الفنية في أوائل التسعينيات ولفت الأنظار بموهبته الفذّة.

شهد تاجا على نهضة الدراما السورية وكان من أكبر المساهمين بوصولها إلى القمّة، تخطّى حدود الاحتراف وتركَ بصمةً مميزةً واستطاع الوصول إلى قائمة أفضل 50 ممثلًا حول العالم بحسب مجلّة التايم الأمريكية عام 2004. في ذكرى رحيله اليوم 4 نيسان، نستعرض معكم أهم الشخصيات التي جسدها الراحل خالد تاجا:

أبدع خالد تاجا في أداء الشخصيات التي يطغى عليها طابع الشر في عدة مسلسلات مثل أشواك ناعمة وقاع المدينة والخبز الحرام وشركاء يتقاسمون الخراب ولعنة الطين، لكن لعل أهمها كان شخصية أبو منذر في مسلسل زمن العار، حيث أتاحت مساحة الدّور لهذه الشخصية المركّبة أن تتطور على امتداد حلقات المسلسل؛ فكان أبو منذر الأب المتسلّط والمستبدّ والمنافق والمجرم الذي جرى خلف نزواته، وتسبب بوفاة زوجته المريضة (ثناء دبسي) لكن هذا ما استطاعت أن تكشفه بثينة (سلافة معمار) بعد أن فُجعت بوالدتها وهي تنظر لأبيها نظرات الاحتقار وتقول: "حسبي الله ونعم الوكيل".

شخصية أبو منذر الشريرة توضّح للناقد والمشاهد مدى قدرة تاجا على توظيف قدراته الفنيّة العميقة عندما يلعب مثل هذه الأدوار، ولربما كان هذا الدور هو الأهم في نهاية مسيرته الفنيّة.

لا يمكن وصف تعابير وجهه عندما ضحّى بأحد أولاده مقابل قطعة أرضٍ، كانت إيماءات بغاية الألم، جسّد معاناة المظلومين والفقراء أيام الاحتلال العثماني. كانت شخصية درويش هادئة وقليلة الكلام لكنها انفعالية ضد الظلم والظالمين، متدينة وصبورة. عدد المشاهد كان معدودًا لكن تأثير الممثل كان واضحًا ومن الصعب تخيّل ممثلٍ آخر مكانه.

للأسف لم يتم تسليط الضوء كما يجب على هذه الشخصية، لكنها رائعة بكل المقاييس. الرجل الضرير والذي كان برغم عجزه متفائلًا وبشوشًا في جميع الأوقات. أضدادٌ رائعة قدمها الكاتب خالد خليفة وقدمها الراحل خالد تاجا، وبنظرةٍ نقدية للمسلسل يمكننا ملاحظة كيف كسر خالد تاجا قواعد التمثيل بقدراته الاستثنائية؛ فإن طريقة أدائه للشخصية تتأثر بنظرته الخاصة للدور وانطباعه الخاص عنه، من الصعب تصنيف أدائه الساحر، إنه ظاهرة نادرة الحدوث عالميًا.

مسلسلٌ أبدع بكتابته الراحل ممدوح عدوان، والذي جعل منه عملًا استثنائيًا هو خالد تاجا بأداءٍ شديد الخصوصية لشخصية الدكتور عزمي صاحب الأبيض والذي نتفاجأ بنهاية المسلسل أنه مريضٌ نفسي دفعته نرجسيته لقتل أخته غير الشقيقة، استطاع تاجا من خلال هذا الدور تحويل قصةٍ بوليسية إلى مسرحيةٍ يتخللها أداءٌ شكسبيريّ.

قد يكون هذا العمل متواضعًا إنتاجيًّا، لكن إنتاجه عمل نقلةً نوعيّةً في الدراما السورية ومن بعده انطلقت الدراما السورية وأصبحت من أكثر الأعمال انتشارًا في الوطن العربي. وقع اختيار المخرج هيثم حقّي على خالد تاجا الممثل العائد بعد انقطاع سنواتٍ، أضاف الممثل الراحل طابعه الخاص على العمل ومن بعدها أصبحَ ممثلًا عربيًا لا يشقّ له غُبار.

الرّجل الإقطاعي والظالم قاسي القلب جسده خالد تاجا في مسلسل الثريا، بعد أن دَهش النقاد بأدائه في هجرة القلوب إلى القلوب وأيام شامية. لعبت شخصية اسماعيل بيك دورًا في تأثر الممثل الراحل في أعمال البيئة الشامية وقدّم بعده عدة أعمالٍ من نفس النّمط تكللت جميعها بالنجاح مثل مسلسلات أولاد القيمرية والحصرم الشامي والزعيم.

شخصية مثيرة للجدل، نائب المدير الفاسد الذي يواجه صراعًا نفسيًّا وخارجيًّا مع المدير العام لشركة مشهورة بفسادها الإداري. رسم خالد تاجا الشخصية بطريقةٍ كوميدية رائعة من خلال الكلام ولغة الجسد والتمرّد الحذر ضد المدير العام. مسلسل يوميات مدير عام من أفضل ما قدّمته الكوميديا السورية بلا شكّ، وساهم وجود خالد تاجا في انتشار العمل وجماهيريته التي امتدت لأجيالٍ عديدةٍ.

كانت شخصية الجدّ كريم في قمّة النبل والرّقي، الرجل الشامي العتيق الذي تظهر رومانسيته وحساسيته في كل حلقةٍ من الفصول الأربعة، هذا العمل الذي أصبح جزءًا من ذاكرة كلّ سوريّ، ولا يمكن تخيّل أيّ شخصٍ آخر بدور الجد كريم غير الراحل خالد تاجا، والذي بجهده وموهبته يمكن وضع الثقة التامة فيه لأداء الدور وبدون أدنى مجازفة.

بعيونٍ ملأى بالحسرة والخيبة، نقل لنا حزن ونكبة الشعب الفلسطيني، تقول أغنية شارة المسلسل من أشعار إبراهيم طوقان وألحان المايسترو طاهر مامللي: "صامتٌ لو تكلّمَ لفظ النار والدّمَ، قل لمن عابَ صمته خُلق الحزم أبكما"، إن كانت تتحدث هذه الكلمات عن أحد فإنها تتحدث عن شخصية أبو أحمد التي أبدع الممثل الراحل بتجسيدها على مدى المسلسل بجملٍ حوارية معدودة أجبرت الممثل على استخدام لغة العيون لإيصال الإحساس للمشاهد.

الدور الذي عشقه خالد تاجا وكان أحب الأدوار على قلبه، حيث كان حلمه عندما كان شابًا أن يجسد مسرحيات شكسبير على المسرح.

الممثل الوحيدُ الذي كان بإمكانه لفت أنظار العالم بعروض شكسبير في دمشق هو الممثل الراحل خالد تاجا، ولحسن الحظ اقتربت أحلامه من التحقق، فقد عُرضت عليه شخصية ابن عباد في مسلسل الزير سالم، إنها ملحمةٌ شكسبيريةٌ بقلم ممدوح عدوان، تفاجأ بها تاجا بعد أن قرأ النص وأذهلته وأصر على لعبها مع أنه عُرض عليه دورٌ آخرٌ أيضًا في نفس العمل. أكسبت شخصية ابن عباد العمل نجاحًا منقطع النظير ودخل في وجدان الفن العالمي إلى الأبد في مشهدٍ تقشعر به الأبدان، عندما قُتل ولده جبير فقال:

قربوا مربط النعامة مني

أين سربالي.. أين لباسي ودرعي؟

أين سيفي ورُمحي؟

أقسم لأقتلنّ به عدد النجوم والحصى والرمال..

ويلاه يا جُبير… ويلاه يا ولدي…

اقرأ أيضًا: اكتئاب وطفولة صعبة وانتحار حبيبته السابقة.. قبسات من حياة جيم كاري نجم هوليوود المبدع