فيلم Klaus .. رسائل السلام والمحبة وأحلام الأطفال التي تصبح واقعًا
6 د
السلام والمحبة ونبذ العنف، الخير الذي تصنعه يديك، تلك الأحلام البريئة التي يحملها الأطفال بداخل قلوبهم، بريق العين الذي لا ينطفئ، والغد المشرق الذي ينتظرونه، أحلام أولئك الحالمين الذين انكسروا بسبب مصاعب الحياة، ولكن عندما جاءتهم الفرصة لينهضوا من جديد، فعلوا ذلك بكل قوة، أنفسنا الضائعة والتي تساعدنا اختبارات الحياة في العثور عليها، وغيرها الكثير من الرسائل التي جاءت في فيلم الرسوم المتحركة الرائع “Klaus”.
فيلم “Klaus” أو كلاوس، الذي حقق شهرة كبيرة، ونال إشادة واسعة من الجمهور والنقاد، نجح في اقتناص جائزة البافتا، وترشح لجائزة الأوسكار كأفضل فيلم رسوم متحركة لعام 2019، وهو من إنتاج شبكة “نيتفليكس“.
الفيلم إسباني ناطق باللغة الإنجليزية، مدته 98 دقيقة، إنتاج عام 2019، وهو التجربة الإخراجية الأولى لـ “سيرجيو بابلوس” والذي قام بكتابته أيضًا بالتعاون مع “جيم ماهوني”، و”وزاك لويس”، وقام بأداء الأصوات كل من: “جي كي سيمونز”، “جيسن شوارتزمن”، و”رشيدة جونز”.
وتدور أحداث القصة حول (جاسبر)، ساعي البريد الشاب، الذي يرسله والده إلى مدينة (سميرنسبورغ) -المدينة النائية التي يتصارع سكانها ضد بعضهم البعض- ليعمل هناك حتى يستطيع تحمل المسؤولية، وهناك يلتقي بـ (كلاوس)، صانع الألعاب العجوز، الذي يساعده في توزيع الألعاب على الأطفال؛ ليتمكن (جاسبر) من تنفيذ مهمته والعودة لمدينته وحياته الأولى.
خطوط درامية متعددة ورؤية مختلفة لأسطورة الميلاد
الفيلم تضمن خطين دراميين وإن كان يتفرع منهما عدة فروع أخرى ولكن التركيز كان على كلا الخطين وهم: الأب الذي نفذ صبره من رعونة ابنه وعيشه حياة الترف والكسل، فقرر إرساله إلى أقاصي المدن ليعمل بها (ساعي بريد) ليتدرب على تحمل المسؤولية، والخط الثاني والذي لا ندري حتى الآن إن كان هو الرئيسي أم لا، ولكن هناك تداخل كبير بين الخطين، وهو ما قدمه الفيلم من تناول مختلف ورؤية جديدة وحكاية مبتكرة لأسطورة (بابا نويل).
ولكن هذه المرة لم يكن (بابا نويل) يعمل بمفرده في إرسال الهدايا للأطفال، ولم يكن ذلك القديس الذي يظهر عشية عيد الميلاد على زلاجته التي تقودها الحيوانات، ويطير في السماء يلقي بالهدايا للأطفال من مدفأة منازلهم، بل كان (بابا نويل) هذه المرة رجلًا عجوزًا يعمل صانع ألعاب، يساعده فيها ساعي البريد الذي يجمع الرسائل من الأطفال إلى (كلاوس)، ويعود إليهم مرة أخرى ليوزع الهدايا على الأطفال الصالحين فقط، ومن يقومون بالأعمال الجيدة.
الفيلم متشعب جدًا ويمكن اعتبار كل خط درامي فيه قصة منفصلة، فإلى جانب علاقة (جاسبر) بوالده، وأسطورة الميلاد، نجد علاقة الصداقة والوفاء والطموحات الكبيرة، فالفيلم يتناول الأحلام التي تتحطم على شاطئ الواقع المؤلم، خاصة وإن كان يسيطر الشر عليه، ولكن تبقى تلك الأحلام تقاوم لتنجو، مثل ما حدث مع (ألفا) المعلمة التي حلمت بالعمل في مهنة التدريس، ولكن دُفن حلمها بكثرة النزاعات والصراعات داخل المدينة، فقررت بيع السمك لتدخر المال وتهرب بعيدًا، لكن عاد الأمل يشرق بداخلها من جديد، بعدما جاء (جاسبر) وتغير كل شيء.
وما جزاء الإحسان إلا الإحسان
الشر لا يدوم مهما طال وقته، فهو زائل لا محالة، وسينتصر الحب في النهاية، وعندما تقوم بعمل جيد ستحصل على المكافأة والشكر الذي تستحقه، فكان نتاج تلك الأعمال الطيبة التي قام بها الأطفال، أن تغيرت أحوال المدينة، وتبدلت من حال لحال؛ لتنتهي الحروب والنزاعات ويحل السلام وتسود المحبة.
الرسالة الأخرى التي قدمها فيلم Klaus هو ألا تحكم على أي إنسان من مظهره، ولكن انظر إلى أعماقه، فذلك الرجل الضخم الذي خاف منه (جاسبر) في البداية، لم يكن في الحقيقة سوى إنسان رقيق القلب، يحب الأطفال ويتمنى أن يراهم سعداء، معنى إنساني رائع، ومشاعر فائضة تشعر بها عندما تشاهد الفيلم.
أما الرسالة الأهم بالنسبة لي هي أن يجد الإنسان نفسه، أن يصنع شيئًا جيدًا ومفيدًا في حياته وحياة من حوله، أن يكون مؤثرًا بشكل إيجابي، ويتحدى الظروف الصعبة ليحقق هدفه، (جاسبر) الذي ظهر لمن يشاهد الفيلم منذ بدايته بالشاب المدلل الذي لا يستطيع تحمل المسؤولية، وكل ما يرغب به هو النوم على فراشه الحريري، وتناول الطعام الساخن وشرب القهوة، كان في الحقيقة شخصية قوية بالفعل، استطاع التغلب على هذه الظروف القاسية، التي لم يعتاد عليها في حياته، وثابر حتى حقق هدفه.
وإن كان الهدف الرئيسي لديه تغير بعد ذلك، ولكن الأهم أنه وجد نفسه، فأحيانًا الدروس التي نتعلمها في أثناء رحلتنا في الحياة، تكون أكبر وأقوى من التي نتعلمها بعد الوصول للنهاية، ففي الرحلة تجد نفسك التي ضاعت منك، وتدرك معها الكثير من الحقائق عن ذاتك التي ربما لم تعرف عنها شيئًا من قبل، تتكشف لك معادن من حولك، وتكتشف في نفسك القوة على مواجهة الصعب لتصل إلى ما تريد.
الفيلم فيه أيضًا دعوة لتقبل الشخص المختلف وحبه وغمره بالعطف، مثل تلك الفتاة التي كانت تتحدث بلغة لا يفهمها أحد، ولكن ظل (جاسبر) يجلس معها، ويتحدث إليها، ويناقشها وكأنه يفهمها.
عناصر متنوعة في فيلم Klaus أضافت له الكثير
الكوميديا في الفيلم كانت خفيفة الظل جدًا وموفقة، وهناك الكثير من المشاهد التي تجعلك تضحك وبقوة، بل وقد يعلو صوتك بالضحك فيها أيضًا، رغم أن صناعه لم يهدفوا بشكل رئيسي إلى أن يكون الفيلم كوميديًا، ولكن كما هو الحال في أغلب أفلام الأنيميشن المخصصة للعائلة، فهي لا تخلو من المشاهد الكوميدية اللطيفة.
الفيلم لم يخلو أيضًا من مشاهد الحب والرومانسية، وإن لم تكن غالبة على الأحداث، حتى أنني شعرت بأن تطور الأحداث فيها جاء سريعًا، ولكنها كانت متناسقة ومنطقية من خلال تسلسل الأحداث، المرتبط بتطور القصة الرئيسية للبطل.
الفيلم قد يظهر لمن يشاهده بأنه تقليدي نوعًا ما كقصة، وأحداثه قد تكون نوعًا ما متوقعة، ولكن ما يميز هذا الفيلم عن غيره من الأفلام ذات القصص المستهلكة، أنه إنساني وحساس ورقيق لأبعد الحدود، أثناء مشاهدتك له ستجد قلبك يدق بشدة من الفرح، فلحظاته الإنسانية مُعدية لمن يشاهدها، وسيحبه بكل تأكيد.
أقرأ أيضًا: البوكس أوفيس العالمي ينتعش بسبب نجاح فيلم Peninsula في السوق الآسيوية
موسيقى مميزة تأسرك بسحرها
الموسيقى في الفيلم كانت وكأنها قادمة من عالم آخر، عالم من السحر والعذوبة والجمال، تخطف قلبك بمجرد سماعها، تضيف الكثير لأحداث الفيلم، وتمنح من يشاهده مشاعر تغمره بلحظات الفرحة والحماس، ولحظات الشجن والحنين، ولحظات الحزن، حتى لحظات الرومانسية، فهذا الفيلم سيجعلك تشعر بمعنى أن تبكي من الفرحة، ستبكي من الإنسانية والإحساس بالآخرين، من مجرد رؤيتهم سعداء ويضحكون، سيمنحك ذلك إحساسًا مماثلًا بالسعادة والفرحة.
نوستاليجا الـ 2D في الفيلم التي قلبت الموازيين
الفيلم يستخدم الأسلوب التقليدي المتعارف عليه في أفلام الرسوم المتحركة، حيث اعتمد صناعه على تقنية 2D وليس 3D كما هو السائد في أفلام الأنيميشن التي تنتجها شركتي (ديزني) و(بيكسار)، ورغم ذلك فأنت لا تشعر أبدًا بهذا الاختلاف، بل إنك تشعر بأنه بتقنية 3D بالفعل، ولكن بشكل أكثر رقة ونعومة، فكل مشهد فيه هو مرسوم بالفعل على الورق، فالمخرج أراد استخدام الأسلوب القديم في رسم الشخصيات والأحداث، ومن ثم تُدرج في برامج خاصة للتحريك، فكانت حالة من النوستاليجا لتلك التقنية التي قدمت أفلامًا كلاسيكية لا تُنسى، تركت أثرًا فينا لسنوات، وكأنه إهداء من صناعه لتلك التقنية التي شهدت ذكريات الماضي.
هذه التقنية أظهرت الجهد المبذول في إخراج هذا العمل، والإبداع الذي ظهر في بعض المشاهد بتفاصيلها الدقيقة، مثل: شكل الحوت الذي يسبح أسفل الثلج الذي تسير فوقه العربة، والتداخل بين المشاهد في الرسم مثل: المشهد الذي كان يدخل فيه (جاسبر) لمنزل (كلاوس)، ومن ثم مزجه مع مشيه في الشارع، وغيرها الكثير والتي كانت الرسومات فيها معبرة جدًا ورقيقة جدًا.
الفيلم إيقاعه ليس على وتيرة واحدة، فأحيانًا تشعر بأن الأحداث تسير ببطء، وأحيانًا تصبح سريعة جدًا، ولكنه في المُجمل استطاع أن يُوصل رسالته.
عذوبة الفيلم تجعلنا لا نمل أبدًا من مشاهدته، حتى في نهايته التي لم تكن تقليدية من وجهة نظري، على عكس النهايات التي أصبحت مُستهلكة، ولكنها أظهرت لنا ما سيحدث بعد ذلك، وما الذي سيترتب على قرار البطل وكيف ستكون حياته، كما أنها تخبرنا بأنه ربما يظهر منافسون جدد لـ (ديزني) و(بيكسار) في المستقبل القريب، يقدمون محتوى مختلفًا ومميزًا في عالم صناعة أفلام الرسوم المتحركة أو الأنيميشن.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.