مسلسل Landscapers.. جريمة حقيقية عن الإنسانية والمأساة
5 د
من يقرأ الروايات بشغف ويتابع الأعمال الدرامية كذلك الأمر، على الفور تخطر في باله مقولة دوستويفسكي في رواية "الجريمة والعقاب": "لا بد لكل إنسان من أن يجد في مكانٍ ما على الأقل، شخصًا يشفق عليه"، بينما هو يشاهد إحدى تحف HBO الفنية، مسلسل Landscapers والذي تم بثه مع نهاية عام 2021، وتحديدًا في 6 ديسمبر/كانون الأول.
فالعمل يتكلم عن زوجين بريطانيين يعيشان الاضطرابات في حياتهما الزوجية، نتيجة جريمة وقعت قبل 15 عامًا، لذا يراودك الشك في البداية أن أحد الطرفين ملازمًا للآخر بدافع الشفقة وليس الحب.
المسلسل الذي أخرجه “ويل شارب” وكتبه “إد سنكلير” يقص علينا واحدة من أغرب الجرائم البشرية، وبعيدًا عن الطرح الدرامي هنا -كقصة تسمع بها وتشاهدها في نشرات الأخبار- تعد جريمة لا إنسانية، وبشعة.
ابدأوا التمثيل... هذه قصة حقيقية
في عام 2014 أُدين كل من سوزان وكريستوفر إدواردز بارتكاب جريمة قتل وحكم عليهما بأقل عقوبة وهي السجن لمدة 25 عامًا، وحتى يومنا هذا ما يزالون يصرون على براءتهما.
إنها الجملة الافتتاحية التي يبدأ المسلسل بها، ومع الشطر الأخير تتضح لك النهاية، هذا العمل ينتهي وأبطاله يقبعون خلف القضبان، إن لم تشاهد العمل بعد لا تأخذ عزيزي القارئ ما أوردته أعلاه مأخذًا عليّ بأني حرقت القصة، فالمتعة تكمن بسرد الحكاية، وطريقة تقديمها، لا بالنهاية السعيدة، هذه ليست حكاية “سندريلا“.
بعد هذه المقدمة يأتي صوت في الخلفية يطمئن على حسن سير عملية التصوير وأن كل شيء بات جاهزًا، ثم يردف قائلًا “ابدأوا التمثيل”... ويشرح صناع العمل بعدها أنها قصة حقيقية، ألم أخبرك أنه عمل مختلف.
جريمة نائمة
يقيم الزوجان سوزان “أوليفيا كولمان” وكريستوفر “ديفيد ثيوليس” في فرنسا، في بيت متواضع جدًا، محاولين بناء حياة جديدة هناك، بعد أن غادروا إنجلترا منذ 15 عامًا، لكنهم الآن مفلسين، وما فاقم حجم أزمتهم المالية هو هوس سوزان في مشاهدة الأفلام وشراء تذكارات باهظة الثمن من هوليوود وكل ما يتعلق بممثل الويسترن “غاري كوبر”، وكريستوفر يعاني في الحصول على وظيفة تساندهم، لضعف لغته الفرنسية.
يقرر في أحد الأيام بعد أن فقد الأمل الاتصال بزوجة أبيه، لاقتراض المال منها، الأمر الذي أجبره على كشف سر جريمة القتل المروعة التي ارتكباها بحق والدي سوزان باتريشيا وويليام ويتشرلي عام 1998 في مدينة مانسفيلد، لتقوم لاحقًا زوجة أبيه بإخبار الشرطة، أي هو من تسبب في هذا المأزق لهما.. تصرف دون الرجوع إليها.
قبل قرار تسليم نفسيها للشرطة اتفق الزوجان على رواية واحدة يخبرانها في التحقيق، وهي أن سوزان هي من قامت بارتكاب الجريمة دون علم كريستوفر.. ولكن ما رأي المحققين بذلك، وهل حجتهما كانت ضعيفة؟
قاتلان بدم بارد.. أم ماذا؟
عاشت سوزان طفولة بائسة، هي نتيجة علاقة جنسية كان من المفترض أن تكون عابرة، لو أن الحمل لم يحصل، فحملت وزر خطأ ما ارتكبه والداها، فكانا يسيئان معاملتها، ولأن الحب والدفء لم يمنحاها إياهما كانت تستعين بخيالها لرجم ما تتعرض له من ألم وخيبات أمل، وكانت الأفلام الرومانسية ملجأها.
وجدت الحب حينما التقت كريستوفر، أحبها وتعلق بها، شعر أنه بطلها وعليه حمايتها، خصوصًا بعد أن كشفت له سرًا موجعًا عن طفولتها.. هي ضعيفة وبحاجته، ويحاول مشاركتها عالمها الخيالي، هو يعتقد أنه شيء رومانسي ويقوي علاقة الحب.
بعد الزواج بمدة من الزمن، تقع الجريمة، هما لم يخططا لها، هذا ما صرحا به، وليس هما من افتعل الجريمة الأولى.. لكن سرقا والديها، بما يقارب 300 ألف جينيه إسترليني، ثم لاذا بالفرار، وأبقيا على الجريمة سرًا، وتظاهرا أمام الأقارب والأصدقاء أن الوالدين ما زالوا على قيد الحياة.. ثم عاشوا حياتهما بشكلٍ طبيعي، وكأن الإقدام على القتل أمر اعتيادي في حياة البشر، وحق مشروع للانتقام! ما كل هذا البرود بالتعامل مع هكذا حادثة؟
مربكين للغاية، هل فعلًا بداخلهم كل هذا السواد، أم أنها حقًا جريمة غير متعمدة، أو مخطط لها مسبقًا؟
خارجة عن المألوف
الأسلوب الفني الذي تم التعامل به مع هذه المادة الدرامية لافت، هي قصة خارجة عن المألوف، وكأنها في بعض الأوقات فيلمًا وثاثقيًا، حيث عمل شارب المخرج، على كسر حاجز الجدار الرابع بمخاطبة الجمهور بشكل مباشر، وكذلك الحاجز الزماني والمكاني عند سحب الكاميرا للخلف والكشف عن المعدات من وراء الكواليس، وتقديم العرض على أنه سرد مسرحي، ورؤية الممثلين يرتكبون جريمتهم الإبداعية، وأنت الجمهور قادر على مشاهدة كل شيء والتفاعل معه ببساطة، فأنت أمام مخرج متمكن، نص كُتب ببراعة، فاجتمع الاثنان لرواية قصة بصورة سينمائية تبوح بجمالية الفن وأدواته، وتحاكي الإبداع باللعب مع اللقطة والاشتغال على تفاصيل الصورة، ببساطة عالم من السحر الفني.
دعونا لا ننسَ الجزء الأخير مع نهاية كل حلقة، الذي كان مخصصًا لعرض تقارير إخبارية حقيقية عن الجريمة، وكأنهم يقولون لك انتبه أن تقع في شرك المتعة، أنت أمام قضية إنسانية تمت بالفعل، لا تتعاطف.
بتعابير وجهها وحركة كل عضلة فيه، وعينيها اللتين تلمعان وتعجّان بمشاعر مختلفة، تمكنت أوليفيا كولمان منّا، غُرمنا بشخصية سوزان، تعاطفنا في لحظات وقدمنا لها المبررات، وفي لحظات أخرى تمت إدانتها لفعلتها.
ولكل هذا التأرجح بين الواقع المعاش والخيال السينمائي، مع شريكها كريس “ديفيد ثيوليس” الممتع والمسيطر.
مسلسل "Landscapers" أو “المناظر الطبيعية” هي حكاية HBO عن الإنسانية والمأساة.
عرض متعدد الأشكال
تحصل مسلسل الدراما والكوميديا السوداء على 7,1/10 من نقاط النقاد على موقع IMDb، وبالنسبة لموقع Rotten Tomatoes كان الإجماع عليه عاليًا وتم منحه 98%.
في مقالتها لصحيفة “ذا غارديان” اعتبرت الصحافية “لوسي مانجان” أن العرض جاء ثريًا، وكريمًا، وذكيًا، متعدد الأشكال، يلعبه جميع الممثلين الرئيسيين بطريقة صحيحة، ولكن يجب بالتأكيد تقديم جوائز تكريمية لكل من كولمان وثيوليس.. والسيناريو.
بينما كان للصحافي “هيوغو ريفكيند” من جريدة “ذا صانديز تايمز” رأيًا مغايرًا حيث كتب: كل جزء من هذه القصة غريب مثل الجحيم، وإن المشكلة في الغرابة التي تقدم على الشاشة أنها لا تمنحك حقًا الرغبة في المتابعة.
اقرأ أيضًا: الجريمة والعقاب رائعة دوستويفسكي: التجول في خبايا عقل المجرم
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.