ماتريوشكا من النساء المتمردات في Little Women
5 د
نُشر الجزء الأول من رواية نساء صغيرات عام 1868 ليعقبه الثاني بعد النجاح الكبير لشقيقه الأكبر بعام واحد فقط، لم تعلم وقتها الكاتبة لويزا ماي آلكوت أن روايتها هذه ستقدم عدة مرات في ذلك الفن الذي سيولد بعد حوالي ثلاثين عامًا وسيدعى السينما، وأن ممثلات عظيمات مثل كاثرين هيبورن وإليزابيث تايلور سيكن بطلات بعض من هذه المعالجات.
ولكنها لو كانت تعرف لحلمت أن تتم معالجة روايتها في يوم من الأيام على يد جريتا جيرويج بالذات، تلك المرأة في أواخر الثلاثينات من عمرها التي أتت بعد قرن ونصف، لتعيد اكتشاف رواية كلاسيكية وتبعث فيها الحياة، وتعطي شخصياتها تأويلات ربما لم تخطر على بال أجيال سابقة من الكتاب والمخرجين.
باختصار لمن لم يقرأ أبدًا رواية نساء صغيرات أو شاهد أي من الأفلام المقتبسة عنها، تدور الأحداث حول أربعة فتيات إخوة، ذهب والدهن للأشتراك في الحرب الأهلية الأمريكية، ليتركهن مع الأم يعانين الفقر، لكل من النساء الصغيرات شخصية مختلفة، ما بين الكبيرة ميج الجميلة وحكيمة العائلة، ثم الأصغر جو أو جوزفين، التي تشتعل موهبة وحدة وصخب، ثم آيمي الجميلة المغناج، وبيث الأرق والأطيب وذات الصحة العليلة.
تعتبر الرواية شبه سيرة ذاتية لما عاشته الكاتبة بنفسها مع أخوتها الثلاثة والكثير من المؤرخين الأدبيين يعتبرونها كذلك بالفعل، حققت الرواية النجاح سريعًا فطلب القراء المزيد، وتقدم لهم آلكوت بالفعل الجزء الثاني من نفس القصة -حاليًا الجزئين معروفين بعنوان نساء صغيرات- ثم كتابين آخرين يكملا مسيرة الشخصيات والجيل الثاني من العائلة.
قدمت الرواية للسينما سبع مرات، الأولى عام 1917 والأخيرة بعد 102عامًا في 2019، على يد المخرجة وكاتبة السيناريو جريتا جيرويج ومن بطولة سيرشا رونان، وإيما واتسون وفلورانس بوج ولورا ديرن وميريل ستريب وتيموثي تشالامي.
إما الموت أو الزواج
يبدأ الفيلم بجو تذهب لناشر بأحد المجلات لتقدم له أحد قصصها القصيرة، حازت على إعجابه سريعًا لكنه طلب منها طلب محدد للغاية “لو كانت بطلتك امرأة يجب أن تزوجيها بالنهاية .. أو تموت”، نفس الناشر في الحقيقة جعل الكاتبة لويز ماي آلكوت تقدم الجزء الثاني من الرواية باسم “زوجات صغيرات”! وهو الاسم الذي جاء رغمًا عن إرادتها.
وأجبرها على تزويج البطلة جو كذلك من أي شخص سواء لوري الشاب الذي دخل العائلة فقلبها رأسًا على عقب، أو صديقها الألماني، فالزوج لا يهم، لكن الأهم أن تنتهي الصغيرة مثل أي أمرأة أخرى إلى مصير محترم بالموت أو الزواج.
جملة مثل هذه أو ما آتى بعد ذلك على لسان بعض الشخصيات هي ما يمكن أن نطلق عليه المعالجة الخاصة بجريتا جيرويج للرواية الأصلية، فهي لم تأخذ فقط نص الرواية لتقدمه على شكل صور على الشاشة، بل قامت بإعادة تفسير الشخصيات والأحداث من وجهة نظرها وأضافت لها من روحها وأفكارها ما جعلها معاصرة على الرغم من أنها تدور خلال الحرب الأهلية الأمريكية.
فربما لويزا آلكوت لم تستطع أن تجعل شخصية آيمي الجميلة تعنف لوري بهذه الحدة لأنه “ذكر” قرر إهدار مواهبه، في حين إنها “امرأة” مجبرة على الزواج طالما هي فقيرة، والأسوأ أنها لو ثرية وتزوجت سيحصل زوجها بصورة آلية على أموالها وكذلك سينتمي له أطفالها.
ذلك المعنى الذي تكرر كذلك على لسان العمة مارشا، فالمرأة لا تستطيع اختيار عدم الزواج إلا في حالتين، إما ثرية للغاية، أو لديها مهنة ما لتعيل نفسها، ولا توجد الكثير من المهن التي يمكن أن تقوم بها المرأة.
لكن في الحقيقة أن لويزا نفسها على عكس ما أجبرت على وضعه كمصير نهائي لبطلتها جو التي تعبر عنها بشكل أو بآخر، حتى آخر حياتها لم تتزوج، وعملت وأعالت نفسها وعائلتها، وبنت مدرسة كذلك لتحقق الكثير من الأحلام التي أعطت فقط بعضها لجوزفين مارش.
ماتريوشكا جريتا جيرويج
الماتريوشكا هي تلك العروس الروسية التي تتكون من عرائس أصغر فأصغر داخل بعضهن البعض، ما أن تفتح واحدة تجد أخرى، وبالنظر إلى معالجة النسخة الأحدث من نساء صغيرات نجدها تتبع نفس الأسلوب.
فعندما كتبت لويزا روايتها التي تشبه السيرة الذاتية اسمت نفسها جو، ذلك الاسم الذي يعتبر اختصارًا لجوزفين، لكن كذلك اسمًا يصلح لكل من الرجال والنساء، واعطت بطلتها الكثير من الصلاحيات التي تمنتها ليس فقط لنفسها ولكن لكل النساء، فعلى الرغم من انتقاد الأخوات لشخصية جو بعض الأوقات لنزقها وقوة شخصيتها ورفضها للأستقرار والزواج، إلا أن القارئ يقدر فيها على الأقل موهبتها وأخلاصها.
بكلمات أخرى عندما تفتح العروس الذي على شكل جو، ستجد بداخلها لويزا ماي آلكوت، لكن ماذا فعلت جريتا بجو في معالجتها الجديدة؟
أخذت جريتا شخصية جو السابقة، وأضافت عليها المزيد، جو مارش نسخة 2019 أكثر وضوحًا من السابقة في التعبير عن أفكارها، بل يمكن أعتبارها أكثر نسوية لو كان ذلك ممكنًا، وتحمل بداخلها ذلك الشك المرعب في الذات الذي يصاحب أي مبدعة، هل تأخذ الخيارات الصحيحة؟ هل لديها الموهبة الكافية؟ من تكون، هل هي جو الأخت أم الكاتبة أم الحبيبة التي تسعى للزواج بحبيبها؟ تساؤلات جو هذه تليق بمكان وزمان.
وكذلك عند فتح ماتريوشكا جو فيلم 2019 ستجد بداخلها جريتا جرويج، مع سلفتها لويزا ماي آلكوت، فكما صبغت آلكوت شخصيتها المصنوعة جو بطبقات من أفكارها، أضافت جرويج شكوكها ومخاوفها، لتمثل جو في النهاية سلسلة من النساء القويات المتمردات.
أفضل معالجات Little Women على الإطلاق
كما قلت في المقدمة أنتجت سبعة معالجات سينمائية لرواية نساء صغيرات، كل منها بالتأكيد لها أسلوبها الخاص بما يرجع إلى رؤية كاتب السيناريو والمخرج للعمل الأدبي.
إذًا لماذا أطلق على فيلم 2019 المعالجة الأفضل؟
كما غيرت جريتا في تفاصيل شخصية جو، وتفاصيل باقي الشخصيات خاصة آيمي التي حولتها من فتاة مغناج إلى شخصية أقوى وأكثر وضوحًا فقد غيرت كذلك في أسلوب السرد، فبدلًا من السرد الخطي في الرواية حيث نشاهد تتابع الأحداث من البداية حتى النهاية قسمت جريتا النص إلى نصفين.
يبدأ الفيلم بالنصف الثاني من الرواية، حيث نتعرف على جو في نيويورك التي تكافح لنشر قصصها، وآيمي في أوربا تقابل لوري مرة أخرى، وعن طريق الفلاش باك نعود إلى الماضي ونتعرف على البدايات التي دومًا ساحرة.
صنعت بتلك الطريقة جرويج أمرين، الأول أزاحت عن المشاهد العارف بالرواية والأفلام السابقة ملل مشاهدة نفس التفاصيل لكن فقط بممثلات جدد، والأهم أنها ربطت بشكل ذكي بين ماضي وحاضر الشخصيات، تلك الرابطة التي ربما لم تكن واضحة بهذه الصورة في الرواية الأصلية أو المعالجات السابقة.
بالإضافة إلى تغييرات السيناريو والشخصيات، طاقم تمثيل النسخة الأحدث من فيلم Little women كان ذهبيًا بحق، اعطى الفيلم المزيد من الحيوية، بالإضافة إلى أفضل ممثل أدى شخصية “لوري” على الإطلاق.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.